بيان من الشيخ حسين أحمد شحادة - تعزية وفاة الشيخ البوطي‏

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً " - [الأحزاب : 23] .

برحيل شهيد المسجد والقرآن خسر العالم الإسلامي رائداً وعميداً من أعمدة الوحدة والإخاء الذي استشهد في بيت الله وفي فمه آيات القرآن يرتلها على تلاميذه الشهداء .

على مدى عقدين عشت مع شهيد العلماء والسنة الطاهرة العلامة البوطي رضوان الله عليه فكان مثالاً لداعية الوحدة والتقريب والحوار .

فما من ندوة من ندوات مقام السيدة زينب ( ع ) إلا وكان شهيدنا العلامة البوطي حاضراً مع الراحل سماحة الإمام السيد محمد حسين فضل الله يتشاركان معاً هموم الخطر الذي يهدد لبنان وسورية والمنطقة .

ولا تزال أثاره العلمية منهاجاً يحتذى في تحصين العقيدة الإسلامية من الغلو والتطرف والعنف باسم الدين وتأكيد أولويات الأمة في السيادة والكرامة .

كذلك عاش العالم الرباني محمد سعيد رمضان البوطي عمره المبارك صادقاً وأميناً على كلمة الحق ومدافعاً كأشد ما يكون الدفاع عن الجوهر الأخلاقي من رسالتنا السمحة في مختلف المنابر العربية والدولية . ولقد سمعته منذ احتلال العراق يحذر الأمة من مؤامرات تمزيق الشرق الأوسط بفتن الإرهاب ومضى في جميع فصول حياته مجاهداً ومناصراً لقضايانا العادلة وفي مقدمتها قضية الدفاع عن حقوقنا المشروعة في مقاومة مشاريع الاحتلال الجديد فباع بيته ليتبرع به من أجل غزة أثناء حصارها , وفتح مدارسه ومساجده الدمشقية لاستضافة اللاجئين اللبنانيين أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان كله في تموز / 2006 .

وما بين رأس يحيى ورأس الحسين في المسجد الأموي انطلقت دعوة العلامة البوطي من أجل الشعب السوري كله فأفتى بحرمة القتل على الهوية الدينية والسياسية ولم يخشى في الله لومة لائم .

ولقد عرفته رضوان الله عليه الصديق والمربي والمصلح والمؤمن بوجوب الوحدة الإسلامية وجوب الصلاة والصوم والحج والزكاة , ولقد عرفته رضوان الله عليه لم يأكل من لحم دينه ولم يتاجر بإسلامه ولم يحابي أحداً من الملوك والرؤساء , وفي غيابه المؤلم المفجع لا يمكن لنا تعويض خسارتنا الكبرى باستشهاده رضوان الله عليه وقد ترك من بعده ثلمة كبيرة في الإسلام إلا بإعلان سورية كلها جبهة واحدة ضد حركات التكفير والذبح والإرهاب .

وما من شك في أن استهداف شيخ شهداء سورية بفتوى من فتاوى التكفير لدليل واضح على أبعاد هذه الحرب المفتوحة ضد الإسلام القرآني والنبوي في أعز ما فيه من كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة .

وبكلمة العزاء كله والمصاب مصابنا والشهيد شهيد وحدتنا إن استهداف هذه الجريمة الإرهابية لإمام سورية وبلاد الشام هو اعتداء فاجر وسافر على جميع علماء الأمة ومساجدها في العالم الإسلامي كله .

ولن ينسى التاريخ مواقفه المضيئة دفاعاً عن وحدة سورية وسلامها , وسيبقى اسمه المبارك في ضمير كل مسلم رمزاً خالداً لانتصار كلمة التوحيد السورية على مشاريع التجزئة والانقسام التي باتت مكشوفة بصلاتها مع مؤامرات هذا الاحتلال وأدواته الحاقدة .

ومن أخطر الخطر في هذه اللحظة الدامية أن تنطلق بعض المواقف فتعمد إلى تزوير دماء الشيخ الطاهرة لتصب عليها نار الحقد والضغينة من قبل أن نودعه إلى مثواه الأخير .

ومن فاجعة هذه الفاجعة أن تجري على ألسنة بعض الإعلام العربي أحاديث الشماته باغتيال صوت المحبة والحوار لمجرد أن الشيخ رضوان الله عليه كان يختلف مع خصومه ومعارضيه في الرأي الفقهي أو الموقف السياسي .

وما يعنيني من وراء ألم الرثاء هذا هو أن أرثي حال الأمة وحال علمائها الذين انقسموا على أنفسهم وغرسوا من حولهم مغارس الفتن من حيث يشعرون أو لا يشعرون .

وندائي باسم كل الشهداء السوريين أن نعود لرشدنا وإلى هدي نبينا خاتم الأنبياء في احترام رموزنا ومقدساتنا وثوابتنا الدينية والوطنية بوصفها الحضن الذي يجمعنا كلما ادلهمت من حولنا المؤامرات والتحديات وفي مقدمتها تحدي التهديد الوافد علينا من وراء البحار لتدمير العقل الإسلامي واغتيال الروح الإسلامي وتزييف آخر ما تبقى لأمتنا من قيم وأخلاق .

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .





الشيخ حسين أحمد شحادة
المدير العام
لملتقى حوار الأديان والثقافات

إن لله و إن إليه راجعون
اللهم ارحمه واغفر له وادخله فسيح جناتك
وحسبنا الله ونعم الوكيل في المجرمين القتلة

الله يرحمه ويسكنه فسيح جناته