الانتخابات التونسية: سقوط النموذج التركي
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
الانتخابات التونسية: سقوط النموذج التركي
د. بسام أبو عبد الله
لم ينفع حركة النهضة التونسية (إخوان تونس) كل الفتاوى التي أصدرتها الحركات السلفية والتكفيرية هناك قبيل الانتخابات التشريعية حيث دعت 13 جمعية دينية، و32 من رجال الدين عبر فتاوى دينية للتصويت لها باعتبار أن التصويت لأعضاء النهضة هو تصويت لـ(أحباب الله)، ولمن يخاف الله، وهو كذلك معاقبة لأعدائه أي بقية الأحزاب.
لقد سقط (نموذج أردوغان) في تونس وخاصة أن راشد الغنوشي لم يكن يخفي إعجابه بالنموذج التركي، وكان دائم الترحال إلى إسطنبول عاصمة الخلافة الداعشية التي كان يفترض أن تكون المرجع لكل تيارات الإخوان في المنطقة ضمن إطار مشروع (العثمانية الجديدة) الذي دغدغ مخيلة أردوغان وداوود أوغلو لسنوات عدة. وكان أردوغان يعتقد أنه سيكون السلطان الجديد الذي سيقود قطعان الإخوان الشياطين، مع صدره الأعظم (داوود أوغلو).
شكلت سورية العقدة الأساسية التي أطاحت أحلام أردوغان، ومشروعه الإخواني في سورية نتيجة صمود وبسالة جيشها، ووطنية شعبها، وتحول الرئيس بشار الأسد إلى عقدة نفسية لرجب طيب أردوغان يراه حتى في مناماته، ليكتمل النقر بالزعرور من خلال الإطاحة بـ(محمد مرسي) الإخوان عبر ثورة شعبية، ودور بارز للجيش المصري الذي قرأ بعناية خطورة مشروع الإخوان والتكفيريين على الأمن القومي المصري وأمن المنطقة بشكل عام، وخاصة بعد إعلان مرسي الشهير الجهاد في سورية، في سابقة لم تحدث منذ أيام الفراعنة.
إن نتائج الانتخابات التونسية التي أظهرت فوز الأحزاب العلمانية بـ109 مقاعد (حزب نداء تونس +الجبهة الشعبية +آفاق تونس) وجهت رسالة واضحة لكل أولئك الحالمين بفرض قناعاتهم على شعوب المنطقة، وكشفت بما لا يدع مجالاً للشك كذب ونفاق التيارات المتأسلمة المرتبطة بالمشروع الأميركي الصهيوني الهادف إلى تفتيت الشعوب إلى إمارات وكانتونات يحكمها شذاذ آفاق، وعملاء أجهزة مخابرات غربية صهيونية باسم الإسلام والدين، ومن ثم فإن قراءة هادئة لنتائج هذه الانتخابات توصلنا إلى ما يلي:
1- لقد اكتشف التونسيون بعد ثلاث سنوات من حكم (النهضة) أن الإخوان لا يمكن إلا أن يكونوا غطاءً للتيارات التكفيرية، والسلفية التي انتشرت في تونس خلال السنوات الثلاث، وتحولت إلى ظاهرة تهدد الأمن الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية، وبدا واضحاً أن النهضة كانت تستخدمهم كعصا غليظة لترهيب خصومها السياسيين وهو ما ظهر من خلال الاغتيالات التي شهدتها تونس لأول مرة منذ استقلالها وهو أسلوب (الإخوان) نفسه في سورية، ومصر، وتركيا، وليبيا، والعراق، واليمن، ذلك أن تنظيمات الإخوان المسلمين عامة لم تستطع أن تُثبت حتى الآن أنها قوى وطنية لديها برامج سياسية- اقتصادية- اجتماعية إنما في كل يوم يتأكد لنا أنها بأيديولوجيتها، وطروحاتها قوى ذات مشروع غير وطني، وتريد الهيمنة على الشعوب بحديد ونار الإرهاب وعقيدة عوجاء، عرجاء، وفهم سخيف للإسلام، وتسخيفٍ له.
2- أدرك التونسيون كذب، ونفاق (النهضة) الذي قدم وعوداً معسولة لحل مشكلة البطالة فلم يُنفذ منها شيء، ووعود بالاستقرار الاجتماعي فحصل العكس نتيجة لرعايته للإرهاب خارج تونس وداخلها على الرغم من الإنكار، ووعود بسياسة خارجية قوية فإذ به يقطع العلاقات مع سورية، ويُسهل إرسال الإرهابيين إليها، ويتحول إلى جسر تواصل مع الإرهاب في ليبيا، ويعزل تونس عن الجزائر، ومصر، ودول عربية أخرى، وفي الوقت نفسه يعزز اتصالاته، ولقاءاته مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي حول تونس إلى بلد معزول لاعتقاد (النهضة) أن أردوغان قادر على فتح الآفاق أمامهم في العالم.
3- إن قوة القوى السياسية العلمانية، واليسارية، والنقابات والمجتمع المدني قد ساعدت كثيراً في منع (إخوان تونس)- وذراعهم الإرهابية من تسيد المشهد، وضبط حركة المجتمع، وحراكه السياسي، وواجه بشجاعة وحكمة وذكاء محاولات عديدة للسيطرة والهيمنة الإخوانية على المشهد التونسي على طريقة أردوغان ذلك أن ما ثبت حقيقة أن ظروف تونس تختلف تماماً عن ظروف تركيا، ومن ثم فإنه لا يمكن استنساخ النموذج التركي وتعميمه على العالم العربي، فهذا النموذج أسقط في سورية، ومصر، والعراق واليمن، وتونس، وليبيا- لأنه نموذج منافق- كذاب مرتبط بمشروع غربي صهيوني، ولا علاقة له بالإسلام، والإسلام لهؤلاء ليس إلا سلعة للتجارة بها، واستخدامها في السياسة.
4- إن سقوط (النهضة) في تونس، لا يعني اختفاء هؤلاء عن المشهد السياسي، وذلك أن حصولهم على المركز الثاني في هذه الانتخابات يشير إلى امتلاكهم قوة شعبية وراءهم، ولكن التدقيق في الأصوات التي حصلوا عليها تظهر حسب المحللين التونسيين أنهم حصلوا على أصوات المنضمين في الحركة، وذوي الاتجاهات الدينية، ولم يحصلوا على أصوات شرائح تونسية أخرى، أي إنهم ما يزالون يعيشون قوقعة دينية، وليس قوة سياسية عابرة للطوائف، والأديان، والمذاهب، وهو ما يشكل جوهر الصراع فالحزب الوطني يجب أن يتجاوز التقوقع الأيديولوجي، والتجارة بالدين باتجاه برامج حقيقية تحقق النماء، والازدهار، والتعليم، وفرص العمل، وهو ما تطمح إليه جماهير تونس، والجماهير العربية التي ملّت الخطب العصماء سواء كانت دينية أم سياسية لأنها تريد العنب، وليس قتل الناطور.
إن قراءة آخر استطلاع للرأي العام في تركيا أجرته مؤسسة (جيزيجي ريسيركش) تظهر بأن أكثر من نصف الأتراك يعتقدون أن حكومتهم تدعم المنظمات الإسلامية المتطرفة، وأن داعش تعمل من داخل تركيا، وستشكل خطراً مستقبلياً على أمن تركيا، ولأن جورج بوش (الابن)، والإدارات اللاحقة كان تقدم حزب أردوغان على أنه النموذج للمنطقة، فإن تتالي سقوط النماذج الشبيهة له، وآخرها في تونس يجب أن تجعل القوى السياسية في تركيا تقرأ أسباب ذلك، وطرق الخلاص من النموذج الأصلي أي (حزب أردوغان) وانتخابات عام 2015 البرلمانية قد تكون الفرصة الأخيرة للقوى السياسية في تركيا، لأن فوز أردوغان بها يعني أن المعارضة ضعيفة، وليس أن أردوغان قوي، فأخطاؤه وقمعه وكذبه ونفاقه وإجرامه أصبحت مفضوحة إلا إذا كانت نظرية (التصويت لـ«أحباب الله») ستبقى سارية في تركيا، وفي هذا طامة كبرى سيدفع ثمنها الأتراك لسنوات قادمة.
تحية للتوانسة الذين أطلقوا بارقة أمل لشعوب المنطقة ولأنفسهم أولاً، علّ ذلك يكون درساً للجميع.
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» «نهاية رجل نظيف»: النموذج التركي والفساد
» الانتخابات التونسية
» قراءة في نتائج الانتخابات المغربية.. سقوط آخر معاقل الإخوان
» ليلة سقوط طرابلس ما اشبهها بليلة سقوط بغداد
» الحكومة التونسية تلغي الضريبة الجبائية لكل المغادرين وغير المقيمين فى البلاد التونسية
» الانتخابات التونسية
» قراءة في نتائج الانتخابات المغربية.. سقوط آخر معاقل الإخوان
» ليلة سقوط طرابلس ما اشبهها بليلة سقوط بغداد
» الحكومة التونسية تلغي الضريبة الجبائية لكل المغادرين وغير المقيمين فى البلاد التونسية
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس نوفمبر 21, 2024 10:36 pm من طرف larbi
» جنائية الدولية تصدر أمري اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
الخميس نوفمبر 21, 2024 4:06 pm من طرف larbi
» الى فرسان اليمن
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:52 pm من طرف larbi
» كلمة مندوب الجزائر في مجلس الأمن بعد الفيتو الأميركي ضد قرار وقف الحرب على غزة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:34 pm من طرف larbi
» كلمة الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:32 pm من طرف larbi
» مقتل جندي و إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 7:00 pm من طرف larbi
» مقتل جندي إسرائيلي و جرحى من لواء غولاني بمعارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:48 pm من طرف larbi
» بيان المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع بشأن استهداف سفينة في البحر الأحمر
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:37 pm من طرف larbi
» كتائب القسام تستهدف قوة إسرائيلية متحصنة بإحدى العمارات..و قنص ضابط برتبة نقيب
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:29 pm من طرف larbi
» اليمن,,يحيى سريع استهدفنا ام الرشراش بعدة مسيرات
السبت نوفمبر 16, 2024 10:41 pm من طرف larbi