“الانقلاب”کلمة السر فی قطر

“الانقلاب”، انها كلمة السر في مشيخة “قطر”، تلك “القطرة” الطموحة في بحر الخليج الفارسي ، قزمٌ “يتمتعُ بشهيّة الغيلان” على حد وصف كتاب فرنسي، مستعمرة أمريكية بامتياز ودولة حديثة العهد دائما ما تتشدق بديمقراطية لم تعرفها يوما في تاريخها المليء بالانقلابات “العائلية”.

اذاً، محاولة انقلاب جديدة في قطر، هكذا أكد مصدر خليجي مطلع لصحيفة المنــارالفلسطينية مشيراً الى اعتقال جهاز الحراسات الخاص بالأمير تميم في مشيخة قطر،لأكثر من سبعة عشر شخصا من عائلة ال ثاني، بناء على تعليمات من أمير المشيخة تميم بن حمد ال ثاني، بتهمة الاعداد لتنفيذ انقلاب.

وكشف المصدر عن أن أجهزة الأمن في المشيخة وضعت العديد من بيوت أبناء عشيرة آل ثاني تحت الرقابة، وحظرت على عدد منهم السفر خارج البلاد، ويرى المصدر أن تعيين نائب للأمير تميم له علاقة بالتوتر المتزايد في صفوف عشيرة آل ثاني.

واوضح شريط فيديوي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ان الجهات التي تبنت عملية الانقلاب احتجزت 6 رهائن من الأسرة الحاكمة من بينهم الشقيق الأصغر للشيخ تميم ، فما قصة هذا الكرسي الذي يُبذل الغالي والنفيس للوصول إليه؟

انقلابات منذ التأسيس

عند الحديث عن تاريخ الانقلابات وكيف كانت هي الأساس، لابد من لمحة تاريخية عن الحكم في قرية قطر ليتضح من خلالها كيف انتقل الحكم في تسلسل العائلة.

وفقًا لتاريخ الإمارة، يعتلي شجرة العائلة، محمد بن ثاني آل ثاني، وخلفه الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني، وبعده الشيخ عبد الله بن قاسم آل ثاني، وكان له ثلاثة أولاد “حسن وحمد – جد الشيخ حمد الذي كان يحكم قطر ووالد تميم– وعلي” بن عبد الله آل ثاني، وبين حمد وعبد الله آل ثاني بدأت قصة الانقلابات على الحكم في عائلة آل ثاني.

بدأت سلسلة الانقلابات في قطر عندما عيّن الشيخ حمد آل ثاني شقيقه علي خلفاً له لأنه أصلح من ابنه خليفة ليتولى العهد من بعده، لكن الشقيق ترك الحكم لإبنه هو ولم يعده لإبن شقيقه، وهذا الأمر كان سبب الانقلابات العائلية فيما بعد.

عندما استقلت قطر عن بريطانيا عام 1971، كان الحكم تحت رعاية الشيخ أحمد بن علي آل ثاني الذي أطيح بانقلاب نفذه ابن عمه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني. حمد كان أكبر أولاد خليفة وأفشلهم بالدراسة، فأرسل الى كلية عسكرية في بريطانيا ولم يتمكن من إنهاء الدراسة فيها وفُصل بعد 9 أشهر ليعود الى قطر برتبة جنرال ويستلم قيادة الجيش وولاية العهد عام 1971.

الانقلاب الثاني بدأ يوم الثلاثاء في 27 يونيو عام 1995. كان الشيخ خليفة قد غادر قطر الى سويسرا في رحلة استجمام، وهنا كانت خطة حمد للإطاحة بأبيه قد أنجزت برغم ظهور الأخير وهو يقبل يد أبيه خلال توديعه في المطار. في صبيحة يوم الثلاثاء قطع التلفزيون القطري إرساله لاعلان البيان رقم واحد، وعرض التلفزيون صوراً لوجهاء الامارة وهم يقدمون البيعة للشيخ حمد خلفا لأبيه وقيل فيما بعد إن المشاهد التي عرضت كانت مزورة وممنتجة. وقالت مصادر قريبة من الشيخ خليفة إن إبنه حمد وجه الدعوة لوجهاء الإمارة وقام التلفزيون بتصويرهم وهم يسلّمون عليه من دون أن يكونوا على علم بما يجري وهذا ما جعل بعض الإعلاميين يصفون الانقلاب بانقلاب تلفزيوني.

وكشفت مصادر عربية أن الشيخة موزة كانت عراب الانقلاب، مضيفةً أن الانقلاب نُفذ عبر رأس حربة هو الشيخ حمد بن جبر آل ثاني وزير الخارجية، وهنا تجدر الإشارة الى أن الشيخ المعزول خليفة هو زوج أخت الشيخ حمد، ويقال إن الأخت قاطعت أخاها وأصدرت بياناً داخلياً في أوساط العائلة وزعته من مكان إقامتها في أبوظبي أعلنت فيه براءتها من حمد ومن ولديها عبد الله ومحمد الذين انضما الى الشيخ حمد في انقلابه على أبيه.

ولأن الانقلابات صفة ملازمة لحكام قطر، فقد أحبط أمير قطر السابق حمد بن خليفة عام 2009 محاولة انقلاب عليه نفذها قائد أركان الجيش القطري في حينه اللواء حمد بن علي العطية وتم بعدها عزل ما لا يقل عن ثلاثين ضابطاً في عملية شاركت في تنفيذها عناصر أميركية بلباس مدني. كما أن قوات اميركية انتشرت في شوارع الدوحة وحول النقاط والمناطق الحساسة خصوصاً بعد النجاح الجزئي للانقلاب الذي ترافق مع وثيقة وقعها أكثر من 66 معارضاً قطرياً يعلنون فيها عدم اعترافهم بشرعية الأمير حمد بن خليفة آل ثاني.

في يونيو 2013 انقلب الأمير تميم على أبيه حمد، واستلم الحكم بطريقة “ناعمة” كما وصفتها أكثر من جهة دولية، فالأمير تميم تمكن بمساعدة والدته الشيخة موزة من تحقيق ما حققه والده من قبله، أي الوصول الى الحكم بالإنقلاب على الوالد. لم يُعلن الكثير عن “الانقلاب الناعم” الذي نفذه تميم إلا أن مصادر مطلعة كشفت أن عدداً من الفاعلين داخل العائلة القطرية الحاكمة قرروا أن الآوان قد حان لتنحي الأمير حمد بن خليفة عن الحكم بالإضافة الى تنحي الشيخ حمد بن جاسم عن مسؤولياته أيضاً. تلقف الأمير حمد الأخبار التي تشاع عن قُرب الانقلاب ما جعله يبادر الى تسليم الحكم لإبنه تميم بشكل “سلس”.

الثالوث غير المقدس:

عندما أطاح الشيخ حمد والده في انقلاب أبيض في العام 1995 قرّر أنه يتعيّن على قطر رسم مسار جديد لنفسها، تمثل في “ثالوث غير مقدس” كان أساس الحكم في هذه المشيخة.

جنون العظمة:

تريد قطر أن تلعب دورًا أكبر من حجمها معتمدة في ذلك على الدعم الأميركي والثروة النفطية فقد وضع “حمد” نصب عينيه فور تسلمه السلطة، بناء هيكل زائف لدولة كبرى يغطي ضآلة إمارة صغيرة حجمًا ودورًا، وكانت قناة “الجزيرة” اللبنة الأولى في بناء قطر الجديد، عام 1996 ظهرت القناة كحاضنة للأصوات المعارضة في العالم العربي، ما أثار جدلًا حول الهدف من تدشينها، واكتسبت أرضية واسعة بعد تغطية حصرية للحرب على أفغانستان عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.

سعت قطر أيضا لأن يكون لها دورٌ بارز على الساحة الدولية، وبحيث تظهر بأنها ليست مجرد دولة صغيرة ولكن دولة لها حضورها وتواجدها على المسرح الدَّولي ظنا منها أن ذلك سوف يساعد أيضا على حمايتها من أطماع الآخرين. مثال ذلك قيامها بالوساطة في العديد من النزاعات والمشاكل الدولية ، والتي استخدمت فيها ثروتها الاقتصادية وقدرتها على تقديم مساعدات لتلك الأطراف كأحد أدوات التأثير وإقناع تلك الأطراف بقبول الوساطة القطرية.

محمية أمريكية

التحالف مع الإمبراطورية التي تملك الهيمنة والسيطرة، أهم أدوات “قطر” المفضلة؛ إمارة أجاد امراؤها وشيوخها العيش تحت راية الكبار، وانتقلت منذ تأسيسها من رعاية تركية إلى بريطانية وأخيرًا أمريكية، والأخيرة وجدت من “قطر” ترحيب بالتحول إلى “محمية أمريكية”. فبعد حرب الخليج الفارسي الثانية عام1991، وقعت اتفاقية للتعاون الدفاعي، بموجبه استضافت “قطر” عام 1996م، أهم بنية تحتية عسكرية أمريكية خارج أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، المسماة “قاعدة العديد”، والتي بدأت فكرة إنشاءها عندما وافق قطر على استضافة معدات و أجهزة أمريكية عسكرية تكفي لتسليح لواء.

ثم تطور الأمر لتشمل 30 مقاتلة و 4 طائرات نقل، واستخدمت هذه القاعدة فيما بعد في الحرب على أفغانستان عام 2001؛ ووصل عدد القوات الأمريكية إلى قرابة10 آلاف جندي، بالإضافة إلى 120 طائرة، فضلًا عن أن هذه القاعدة هي المركز الرئيسي لإدارة الحرب على العراق عام 2003، وفي المقابل حصلت قطر على امتياز الحماية وتدريب الجيش القطري والأسلحة المتطورة.

دعم الارهابيين

يعتبر دعم “قطر” للحركات الإسلامية المتطرفة ، هو الضلع المكمل لثالوث الدعم الأمريكي والإعلام الموجه للحصول على زعامة زائفة، واستغل حكامها غياب اللاعبين الأساسيين في المنطقة العربية؛ التكلفة المادية للسياسة الخارجية القطرية قدرت بنحو أربعة مليارات دولار سنويًا، فقد قامت هذه الامارة بتقديم الدعم المباشرة لتنظيم داعش وجبهة النصرة, وقد نقلت صحيفة نيويورك تايمزعن مسئولين في وزارة الخزانة الأمريكية أن قطر تتصدر الدول المساهمة في تمويل الإرهاب”.

في الختام، يرى العديد من المحللين بأن قطر تريد لعب دور جيوبوليتيكي مستندة على الدعم الأمريكي و ثروة الغاز الموجودة لديها، اضافة الى اللعب على المتناقضات، علها تستطيع من خلاله الدخول الى التاريخ السياسي الدولي، الا أن المشكلة لهذه المشيخة تكمن في نقطتين، الأولى انها لم تدرك بعد التغييرات السياسية بالشرق الأوسط وتراجع النفوذ الأمريكي بصورة رهيبة خاصةً بعد سقوط الإخوان فرس الرهان للإدارة الأمريكية ، وثانياً أن التاريخ يعيد نفسه بسرعة غريبة، فقطرتاريخٌ من الإنقلابات.