ديبلوماسيّة الصعاليك

نبيه البرجي

قيل في الصراع ما يقال في المصارعة: عرب بوزن... الذبابة!
ساخراً نصح تشارلز كراوتهامر، المعلق في «الواشنطن بوست»، الفلسطينيين بأن يتخلوا عن هاجس الدولة حتى لا يحل بهم ما حل بالدول العربية الاخرى. المشكلة ان بنيامين نتنياهو، وصحبه، لا يسعون الى اللادولة فحسب بل والى اللاشعب ايضا...
ظهرنا عراة، عراة جدا، في نيويورك. مندوبو الدول العربية التقوا للبحث في مشروع القرار المقدم الى مجلس الامن. البعض قال بالذهاب بالمشروع حتى ولو استخدم الاميركيون، كالعادة، حق النقض (الفيتو). البعض الآخر قال بالتروي او بالبراغماتية، اذ ما الجدوى من مشروع يُرمى به من النافذة...
ماذا كان رد احد المندوبين حين قال لزميل له «انكم تضغطون بكل ما اوتيتم من قوة على واشنطن حين يتعلق الامر بسوريا، فلماذا لا تفعلون الشيء نفسه حين يتعلق الامر باسرائيل؟». كان رده «ان اسرائيل هي اميركا، فهل تريدنا ان ننطح الصخرة؟». لا، لا، الافضل ديبلوماسية الصعاليك...
لا اثر لنا في نيويورك او في اي مكان آخر. بعضنا هلل لقرار البرلمان الاوروبي حول فلسطين. هللنا لذلك الالتباس اللغوي، ولطالما عانينا من هذا الالتباس وظننا ان أل التعريف في قرار مجلس الامن الدولي رقم 242 هي التي حالت دون اسرائيل والانسحاب من كل الارض المحتلة..
ما دمنا تحت الاحتلال الاميركي، ما المشكلة ان نكون تحت الاحتلال الاسرائيلي، ونحن على قناعة بأن اسرائيل هي اميركا الصغرى وبأن اميركا هي اسرائيل الكبرى. هذه ليست فقط واقعة استراتيجية. انها واقعة لاهوتية. اسألوا البيوريتانز، وكيف استنسخوا ارض الميعاد على الارض الاميركية ومنذ منتصف القرن السابع عشر...
الاكثر إثارة للذهول، وللمرارة، هو قول وزير خارجية عربي، ويعتبر من الصقور حيال سوريا وحيال ايران، لزملاء له عادة ما ينضوي معظمهم تحت عباءته، بأن محمود عباس اختار اللحظة الخطأ، فهو رضخ لضغط «حماس» و«حماس» رضخت لضغط طهران...
اما الغاية من ذلك فهي تفكيك التحالف «بيننا و بين الولايات المتحدة لمحاربة داعش». اذاً، الايرانيون هم وراء المشروع القاضي بانهاء الاحتلال في غضون سنتين، وهم يريدون تخريب العلاقات العربية-الاميركية، وبالتالي ترك جحافل الخليفة تجتاح كل الدول وكل العروش.
غريبة تلك «الشطارة» في اختراع الشبح الذي دائما، وحين يتم القبض عليه، يتبين انه يحمل الهوية الايرانية.ولا مرة كان الشبح يحمل الهوية الاسرائيلية. فاتنا القول، وقد نقول ذلك بعد حين، ان الايرانيين هم المسؤولون عن الاحتلال. أليس الامبراطور الفارسي من اعاد اليهود من ارض بابل بعدما سباهم اليها نبوخذ نصر؟
الى اشعار آخر، نسلح السوريين حتى آخر سوري، ونسلح العراقيين حتى آخر عراقي، ونسلح اليمنيين حتى آخر يمني، اما ان نسلح الفلسطينيين، كما يفعل الايرانيون، فهذا من المحظورات الكبرى لان تحرير القدس، وتحرير الضفة، وتحرير القطاع، لا يمكن ان يحدث الا بالقفازات الحريرية. لاحظتم كيف ان القفازات الحريرية هي التي حطمت وجه ارييل شارون، بل ووجه يوشع بن نون، في جنوب لبنان.
في تلك اللحظة الفضائحية في نيويورك لطالما تمنينا ان نتمثل بالايرانيين الذين اذ طحنتهم العقوبات، فقط لتدجينهم، مازالوا يحتفظون بلاءاتهم حتى الآن. الاميركيون هم الذين يتقهقرون...
ربما كان علينا ان نتمثل بالكوبيين الذين رفضوا ان تكون بلادهم، وهي على مرمى حجر من فلوريدا، مزرعة لـ«السكّر المر». وبغض النظر عن طبيعة النظام، وعن مثالب النظام، ثمة شعب، مثل شعوب اخرى في اميركا اللاتينية، رفض ان يكون افراده زنوج الامبراطورية...
لا بل اننا نستعيد قول المفكر الفرنسي الرائع ريجيس دوبريه، وكان رفيق تشي غيفارا، في غابات بوليفيا «حتى لا نكون تحت اقدام الآلهة ولا تحت اقدام الازمنة». الآن يمد باراك اوباما يده الى راؤول كاسترو. ثمة من ينحني امام القامات الشاهقة...
في نيويورك كنا زنوج الامبراطورية. الامبراطورية الاميركية ام الامبراطورية اليهودية؟ الفلسطينيون اشد مراساً من ان تستهلكهم... ديبلوماسية الصعاليك!