الولايات المتحدة: حنين إلى العنصرية !
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
الولايات المتحدة: حنين إلى العنصرية !
د. عادل محمد عايش الأسطل
وصلت في أواخر العام الماضي إلى مدينة فيرغسون بولاية ميسوري الأمريكية، موجة صاخبة من العنصرية والتمييز العرقي، تلك المدينة التي تتواجد فيها نسبة كبيرة من السود الأمريكيين -حوالي 70%- في مقابل نسبة ضئيلة من أفراد الشرطة السود (3- 50) من البيض، بعد أن أقدمت الشرطة على قتل شابٍ أسود، وهو من الشبان العاديين، ولا تبدو عليه علامات استثنائية مُوجبة للقتل، وربما كانت هذه الحادثة مجرد حادثة للوهلة الأولي، لكن سرعان ما تبيّن بأن لها جوانب عنصرية، وتعززت بشكلٍ واضح عندما قامت المحكمة بتبرئة الشرطي الذي قام بعملية القتل، حيث نشأت احتجاجات عارمة، امتدّت إلى ولايات أمريكية مختلفة، ضد التمييز العنصري وعنف الشرطة المسلط، وعلى رأسها، نيويورك وشيكاغو والعاصمة واشنطن، والتي أثارت تساؤلات كثيرة حول تحيز أجهزة الأمن والقضاء في الولايات المتحدة، التي تسمح سلطاتها لنفسها بالتدخل في شؤون غيرها من الدول بذريعة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ما دفع بوزير العدل الأمريكي “إريك هولدير” باعتباره (أسود) لتقديم استقالته الذي تسلم عام 2008 كأول رجل أسود يتبوأ هذا المنصب.
هذه الحادثة ليست فريدة من نوعها، بل كانت هناك حوادث مشابهة ومختلفة، تأتي ضمن هذا الإطار، والتي تصل إلى قتل مواطن أسود كل 48 ساعة (الأسود يضم العرب والآسيويين والأمريكيين الجنوبيين وسواء كانوا مسلمين أو يتبعون لِملل ومذاهب أخرى) حيث لا يزالون يُعتبرون داخل المجتمع الأمريكي فئة مهمشة، وتعاني الكثير من مشاكل الفقر والبطالة وتدني مستويات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، والتي لم تتغير أوضاعهم مع وصول أول رئيس أسود “باراك أوباما” إلى سدّة الحكم في البلاد، والذي بدل من أن يهتم بتهدئة خواطرهم، قام بالتهديد بمعاقبة المحتجين والمتعاطفين معهم، وكأنما أُبلغوا أو تم تذكيرهم بأن وجودهم في الوطن كمواطنين أمريكيين، لا يعني أنهم على حقوق متساوية.
هؤلاء المغضوب عليهم، لم ينسواْ معاناة أجدادهم، والتي هي لا زالت تظهر على قبورهم التي دفنوا بها، وهم يذكرون جيداً تاريخ الجنس الأبيض المليء بالعنصرية والتمييز العرقي، حتى وإن لم يُذاع في قنوات المذياع والتلفاز ووسائل الإرسال الأخرى. ولا زالوا يضطرون الى إخجال أبنائهم في هذا الصدد، كي لا يُصدموا على مدار حياتهم.
الكل على يقين، من أن العنصرية في الولايات المتحدة، لم تتلاشى بالضبط، والشيء الأساسي هو أن سلوكها على مر الزمن، لا يتساوى دائماً مع الادعاء بالديمقراطية والحرية، وهناك مشاهد لا يمكن حصرها، تنفي عنها ادّعاءاتها، وكنا قد شاهدنا عن قريب عدداً من هذه الفصول المؤذية، فالعنصرية وهي وإن ذهبت فروعها، فإن جذورها لا تزال عميقة، وإن بدت تخلو من دستور البلاد وقوانينها، لكنها تعج في تراثها، وفي مجالات حياتها- السكن والبيع والشراء وجل الأشياء التي تمر على مدي ساعات الليل والنهار-، ويُثبت ما سبق كله، تلك الجريمة البشعة، التي تم تنفيذها يوم الأمس، ضد ثلاثة طلاب عرب من أصول فلسطينية، أدى إلى استشهادهم على الفور، بالقرب من مركز إسلامي في ولاية كارولاينا الشمالية، والتي كانت بدوافع عنصرية وعلى خلفية ديانتهم الإسلامية.
هذه هي حياة أصحاب البشرة السوداء في الولايات المتحدة عموماً، على الرغم من امتدادهم في الوجود إلى تواجد البيض إن لم يكن قبلهم، وأسهموا في الحضارة الأمريكية إسهامات عظيمة على مر التاريخ، في مجالات العلم والتكنولوجيا والآداب والأخلاق والدين وغيرها، بعد أن تأقلموا ودرجوا على الحياة البيضاء، لكن الصعوبة توضحت في متابعة إرسال علاقة دونية غير مُحتملة، والتي لا تستطيع المواطنة أن تشفع لحامليها في شيء، وليس هذا وحسب، فإن الدولة نشطت في متابعتهم ومراقبتهم على مدار الساعة، بحجة مكافحة الإرهاب، والذي تذوب لديها كل معاني الديمقراطية وأشكال الحرية والمساواة، فخطاب الساسة الأمريكيين الذين يصفون بلادهم بالديمقراطية، هو نفسه خطاب الإسرائيليين، الذي يُسيئ إلى الأشخاص كونهم نطقوا بالعربيّة، وكأنّهم يعيشون بمعزل عن الطبقات الأخرى، برغم العلم أن الحوادث التي تُبنى على العنصرية والتمييز الطبقي، هي حوادث شديدة وغير محتملة، وتُعد خرقاً واضحاً لحقوق الإنسان، ومن شأنها أن تعمل على استشراء العنف على نحوٍ جديد، ولا حاجة إلى أن نُضيف، للتذكير بأنواع هذا العنف وما يترتب عليه من تداعيات مُوجعة.
لست على ثقة ولا يقين، من أن حكومات الولايات المتحدة، باعتبارها تقوم على الديمقراطية ونبذ العنصرية والتمييز الطائفي، تعادي العنصرية على نحوٍ جادّ، وكأنها في حنينٍ لإعادة الحكم على أساسها، بسبب عدم قيامها بإجراءات رادعة من شأنها إلحاق العقاب بحق المتورطين بها والمشاركين في إحداثها، فالجنس الأسود وسواء على خلفية عرقيّة أو دينيّة، وأولئك الذين ولدوا في أنحائها، ومن هم في حاجة للعيش في حياة أفضل، يستحقون كامل الحماية من المجتمع والدولة، ما داموا موطنين أمريكيين على الأقل.
خانيونس/فلسطين
11/2/2015
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» الولايات المتحدة: دولة بلا قانون
» الولايات المتحدة وأسرار الهيمنة!
» هام وخطير جداً :: المملكة المتحدة – الكيان الصهيوني - الولايات المتحدة الامريكية المثلث الناري القادم لإبادة العرب
» الولايات المتحدة الداعشيه
» هل تحتل الولايات المتحدة سوريه ؟
» الولايات المتحدة وأسرار الهيمنة!
» هام وخطير جداً :: المملكة المتحدة – الكيان الصهيوني - الولايات المتحدة الامريكية المثلث الناري القادم لإبادة العرب
» الولايات المتحدة الداعشيه
» هل تحتل الولايات المتحدة سوريه ؟
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 12:48 am من طرف larbi
» بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ترحب بإعلان النتائج الأولية للانتخابات البلدية
الإثنين نوفمبر 25, 2024 10:47 am من طرف larbi
» مراسل التلفزوين العربي: 4 ملايين إسرائيلي يدخلون الملاجئ وحيفا تتحول لمدينة أشباح
الأحد نوفمبر 24, 2024 10:23 pm من طرف larbi
» يوم كئيب في تل أبيب» حزب الله يقصف إسرائيل 5 مرات متوالية و4 ملايين في الملاجئ.
الأحد نوفمبر 24, 2024 10:14 pm من طرف larbi
» عصبة العز وثلة الهوان
الأحد نوفمبر 24, 2024 6:40 pm من طرف عبد الله ضراب
» الاهبل محمد بن سلمان يحاصر الكعبة الشريفة بالدسكوهات و الملاهي الليلية
السبت نوفمبر 23, 2024 9:34 pm من طرف larbi
» نكبة بلد المشاعر
السبت نوفمبر 23, 2024 4:41 pm من طرف عبد الله ضراب
» صلاح الدين الايوبي
الخميس نوفمبر 21, 2024 10:36 pm من طرف larbi
» جنائية الدولية تصدر أمري اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
الخميس نوفمبر 21, 2024 4:06 pm من طرف larbi
» الى فرسان اليمن
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:52 pm من طرف larbi