سوريا وحزب الله ،من مقاومة اسرائيل الى المواجهة المباشرة

من نافل القول ان الترسانة العسكرية الاسرائيلية هي الاكبر والاقوى والاكثر تطورا في العالم قياسا على حجم اسرائيل وامكاناتها الاقتصادية.يكفي ان نتذكر ان موازنة وزارة الامن (اي الدفاع ) تبلغ 16 مليار دولار سنويا وهي حتما تفوق الموازنات الدفاعية في سوريا ومصر والاردن ولبنان مجتمعة.لا شك ان رقم الموازنة يعبر عن التفوق في الامكانات لكن التسليح والتنظيم يبقى الفيصل في تقدير القوة العسكرية .القوات الجوية الاسرائيلية هي الاكثر تطورا في المنطقة حتى ان الطائرات F16 العاملة في القوات الجوية الاسرائيلية تتفوق على الطائرات من الطراز نفسه العاملة في القوات الجوية في بعض الدول الخليجية لان اسرائيل تشترط على الولايات المتحدة ان تكون الاسلحة التي تبيعها الى دول المنطقة غير قادرة في تسليحها وتجهيزاتها الالكترونية على مهاجمة اسرائيل وان لا تؤدي الى تغيير موازين القوى حتى لصالح دول الخليج.قدم مجلس الامن القومي الاميركي ورقة عمل بعنوان Qualitative Edge Of Israel شدد فيها على تفوق الجانب النوعي في التسليح بين اسرائيل ودول المنطقة بما فيها دول الخليج ومصر التي تربطها علاقات تحالف مع الولايات المتحدة ومعاهدات سلام مع اسرائيل في حالة مصر والاردن.

سمح هذا التفوق العسكري لاسرائيل باعتماد سياسة الغطرسة وتجاهل الحقوق العربية والاستمرار بتهويد القدس وازالة المعالم الاسلامية والمسيحية منها وبناء المستوطنات وطرد سكان القدس القديمة من منازلهم ومصادرتها والاستمرار باعتقال الالاف من الفلسطينيين من دون ان تخشى اية رد فعل من الدول العربية التي تتفوق عليها جميعا بفضل الدعم الاميركي والاصرار على ابقائها متفوقة.دخل هذا التفوق في رسم سياسة اسرائيل تجاه الفلسطينيين والعرب ومع دول العالم حيث كانت ثقتها بنفسها مفرطة الى حد كبير ولا تعير حسابا لاي تهديد او انذار من اية تحولات .

بدأ انهيار صورة اسرائيل مع تصاعد المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي في لبنان واستطاعت المقاومة توجيه ضربات مؤلمة لاسرائيل وجيشها اذلتها في مفاوضات تبادل الاسرى وفي الخسائر البشرية جراء عمليات المقاومة.جاء الانسحاب الاسرائيلي عام 2000 ليضرب صورة التفوق الاسرائيلي وخصوصا انه تحقق من دون قيد ولا شرط خلافا للتنازلات المهينة في معاهدات مع دول عربية اخرى.لكن حرب تموز 2006 قضت على استقلالية اسرائيل وتحولت الى جمهورية صغيرة بيد الادارة الاميركية التي امرت بالحرب وادارتها وفرضت على اسرائيل تمديد المعارك لحين اعلنت عن عجزها عن تحقيق اهدافها فخسرت اسرائيل الحرب وخسرت هيبتها وخسرت صورة جيشها امام العالم (يكفي ان الهند الغت صفقة لشراء 500 دبابة ميركافا اسرائيلية الصنع بعدما دمرت المقاومة عشرات منها خلال الحرب ).

بدأ الانتقال من مرحلة المقاومة الى مرحلة المواجهة وتحقيق الردع المتوازن بين اسرائيل والمقاومة.لكن المواجهة توسعت لتصبح الجبهة السورية مع اسرائيل اساسا لمرحلة المواجهة الجديدة.الغارات الاسرائيلية الاخيرة على مواقع سورية في ريف دمشق اريد منها ان تكون رادعا للجيش السوري عن تحركه الهجومي ضد المعارضة المسلحة وقد عبر قادة اسرائيل علنا عن ذلك حين صرحوا انهم قصفوا اسلحة كانت متجهة الى حزب الله وحين اعربوا عن دعمهم لاسقاط النظام في سوريا.ظن قادة اسرائيل ان ضربتهم هي "تأديبية" تخيف سوريا والمقاومة وتثنيهما عن التمسك بموقفهما الواحد .لكن ما حصل هو العكس تماما.فقد كانت نتيجة الضربة قرارات بالاعداد للمواجهة على جبهة الجولان والاعداد ايضا لتوازن في القدرات الجوية والدفاع الجوي بين سوريا واسرائيل .اسرائيل لم تحسب حسابا لذلك وكان الاعلان عن رفع مستوى التسليح في الدفاع الجوي السوري بمثابة صدمة استراتيجية لها.ان تزود الدفاعات الجوية السورية بصواريخ S300 يعني ان هناك نوع من التوازن سوف يتحقق في الاجواء السورية والاسرائيلية .لن تعود الاجواء السورية وربما اللبنانية مستباحة للطيران الاسرائيلي وسيذهب هذا الامتياز الى غير رجعة .فقدت اسرائيل جزءا من ذراعها ولم تعد تطال سوريا كما كانت من قبل .توجه نتنياهو الى روسيا وحاول عرقلة الصفقة فلم يفلح .تحركت الولايات المتحدة تجاه روسيا فلقيت جوابا ان هذا سلاح دفاعي !ثم حركت اللوبي المؤيد لها في اوروبا والولايات المتحدة لكن ذلك لم يثن روسيا عن الالتزام بتعهداتها.سقط مشروع المنطقة العازلة في سوريا (وفقا لمثل بنغازي في ليبيا) وسقطت منطقة الحظر الجوي فباتت سوريا مع وجود صاروخ 300 Sقادرة على فرض منطقة حظر جوي داخل الاجواء الاسرائيلية!

الان ومع الانتقال من المقاومة الى المواجهة ,تصدى الجيش السوري لالية اسرائيلية عبرت خط وقف اطلاق النار على جبهة الجولان في منطقة بير عجم ودمرها .اما الرد الاسرائيلي فكان "الاحتفاظ بحق الرد" وهو الامر الذي عابه كثيرون من السذج في السابق على سوريا بغض النظر عن نواياهم .واليوم ايضا لم يعد سرا ان اوامر دائمة قد اعطيت الى وحدات الجيش السوري بالتصدي الفوري لاي اعتداء اسرائيلي. وبالتلازم مع اوامر التصدي وفتح جبهة الجولان يشن الجيش السوري هجوما واسعا على المعارضة المسلحة وقد حقق تقدما كبيرا في القضاء على مواقع كثيرة لهذه المعارضة واربك داعميها وجناحها السياسي الذي عجز عن ترتيب بيته بعدما فتكت فيه صراعات الدول ومصالح الاحزاب والاشخاص وعاش حلم يقظة النصر الموعود الذي تحول الى كابوس اتضح في تصريحاتهم وجدالهم في وسائل الاعلام .

بنعومة او بخشونة انتقلت سوريا والمقاومة من مرحلة مقاومة اسرائيل الى مرحلة مواجهتها وهي مرحلة لها رجالها ولها حساباتها ولن تحتمل لا مواقف رمادية ولا زئبقية فالصراع مع اسرائيل واضح ولا حاجة الى شرحه.