صريحات السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة:

مصراته هي الوحيدة التي تحارب داعش!! هل هذه ثمار حملة العلاقات العامة الإخوانية؟؟
ما جاء على لسان السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة مارك جرانت من أن "مصراته هي الوحيدة التي تحارب الإرهاب في ليبيا" يكشف الغطاء على أمور جديدة، لكنه كذلك يؤكد حقائق قديمة ومعلومة، قد تغيب عنّا لبعض الوقت بسبب شدة تعقيدات ملف ليبيا وكثرة التفاصيل والملابسات، لكن الأمر لا يبلغ بنا حدّ النسيان أو الغفلة بالتأكيد.
ولنبدأ بالتذكير بالقديم، ومن خارج ليبيا بالتحديد، هذا بعد التسليم أولا بأن سفير بريطانيا يقصد بمصراته التحالف المصراتي الإخواني، وتحديدا فجر ليبيا، الذي أصبح خصما لمعظم الليبيين، وعدوّا لدودا لمؤيّديه بالخصوص.
الإخوان المسلمون حركة مثيرة للشبهات عبر تاريخها، ليس بسبب ظروف نشأتها المريبة في مصر منذ أكثر من ثمانين عاما فحسب، بل كذلك، لتعقّد علاقاتها مع الأجهزة الغربية وشبكات الاستخبارات البريطانية والأمريكية بدرجة اقلّ ولارتباطها بجرائم الاغتيالات وسفك الدماء والترويع بأكثر من مكان. وملف الحركة الإخوانية يعجّ بفصول التواطؤ والمصالح المشتركة والتعاون الخفيّ بينها وبين أكثر الأجهزة الإستخبارية تخريبا لمصالح العرب والمسلمين في العالم، ومنذ أعوام طويلة كان فيها مجرد التواصل مع هذه الأجهزة خيانة مبينة نظرا لمناخ الحروب السائد، ومعارك التحرر والاستقلال ببلدان المنطقة العربية ولعداء الغرب الظاهر لشعوب المنطقة واستقلالها بمصيرها وثرواتها خدمة لمدلّلته إسرائيل ومصالحه من خلالها. وفي تلك الظروف كانت القيادات الإخوانية تجرؤ على التعاون مع البريطانيين والأمريكيين تحت طي الكتمان، عكس ما نراه اليوم من ودّ ظاهر ومُعلنٍ وعلاقات متينة تتجاوز الدول أحيانا كثيرة بل وتسير في اتّجاه معاكس لها بالتمام .. ولا نخال أن الودّ ومتانة الروابط أمرٌ مستجدّ، أو وليد الربيع العربي الدامي الذي يعتبر الإخوان ركيزة هامة فيه، والتمكينُ لهم غاية من غاياته، إنما هذا الود وتِلكُمُ الروابط هُم نتيجة تراكمات وتاريخ من العمل المشترك والتعاون والتنسيق والتبعيّة.
والإخوان المسلمون جماعة لعبت دورا رديفا للدور الصهيوني، وما تزال، فهي، من منطلق أدبياتها ومرجعيتها الغريبة عن الإسلام والمسلمين لميلها إلى التكفير والإيذاء والمغالطة، معاديةٌ للأوطان ومفاهيم الدولة ومبادئ سيادة الشعوب واستقلالها معلّلة ذلك بشعار الدولة الدينية التي يرفعها التيار الديني المتطرف دون أن يدرك أن هذه الدولة كان يمكن أن تطالب بها الشعوب وتكافح من اجلها لو أيقنت أنها ستكون خالية من الإخوان المسلمين، وغير خاضعة لقبضتهم ومكرهم وظلمهم، ومستقلة في نهجها وإرثها عن التاريخ العثماني البغيض والمقزّز.
فالإخوان الذين أذاقوا الشعوب العربية الأمرّين في اليمن ومصر وسورية والجزائر وتونس وليبيا والسودان لن يجدوا بأي حال من الأحوال تعاطفا أو قبولا في ضمائر الشعوب ووجدانها بعدما انكشف عنهم من ولاء واستقواء بأعداء الأمة من أمريكان وبريطانيين ودوائر صهيونية وإرهابية.. وهذا هو الجديد الذي يعلمه الجميع. والذي انكشف بعد تصريحات سفير بريطانيا بالأمم المتحدة، وانكشف من قبل في سياسات الدول التي صنعت مأساة ليبيا.. وهذه هي الحقائق التي علِمها الليبيون والمصريون والتونسيون والجزائريون وكل من اكتووا بنار الإرهاب والاضطرابات التي أنتجها من تربّوا في الحجر الإخواني وتعلّموا عنه أبجديات التقتيل والذبح والتفجير. ولا أفهم ما الذي يمكن أن يجلبه حبّ البريطانيين والأمريكيين وغيرهم من صقور الكونجرس الأمريكي مثل المجرم جون ماكين والصهيوني برنارد ليفي للإخوان وأذنابهم؟؟ ما الذي سيحقّقه لهم هذا العشق الغربي العُذْريّ أمام شعوب تكفر بسحناتهم صباحا ومساء وتلعن اليوم الذي سمحت فيه لهؤلاء المرتزقة الأفّاقين بدسّ أنوفهم في الشأن العام، وتأكل أصابعها ندما على تصديقها ترّهاتهم وانسياقها انسياق القطعان العمياء خلفهم حتى سبّبوا مثل هذا الدمار وسفكوا هذه الدماء؟؟
إن البريطانيين الذين يواصلون، ومعهم الأمريكيون وذيلهم القطري وتابعهم ، المراهنة على عصابات مصراته وميليشيات الإخوان التكفيريين في ليبيا، إنما يسعون في الحقيقة خلف مصالحهم التي أيقنوا أن التيار الوطني وتيار الصحوة الشعبية ببلدان الفوضى العربية العارمة لن تضمنها لهم، ولن ترعاها لتناقضها مع مصالح الشعوب، ولالتقائها مع أجندة الإخوان الرامية إلى السطو على نضالات وتضحيات السُّدّج والمساكين.
وقد نعذر سفير بريطانيا أو سفير أمريكا وهو يدافع عن مصالح بلده، لكننا لا نقبل بالقطع كذبه وتلبيسه وطمسه للحقائق.. فما يجري بليبيا من مأساة وما ينزف من مال ودماء إنما هو نتاج لفوضى الإخوان وخبث مقاصدهم وفساد أغراضهم.. والكابوس الليبي هو واقع أنتجه التحالف الغربي الإخواني الآثم على دولة متسامحة ومسالمة وثرية فأحالها إلى حطام، وحوّل كل ليبي إلى عدوّ لأهله وعشيرته وبلدته وقبيلته وبلده.. وهذا السقوط الاجتماعي والقيمي والخراب الاقتصادي والسياسي هو بالضبط ما يريده الإخوان، وهو البيئة المثالية لتوطين الثقافة المتطرفة التكفيرية وتفريخ الإرهابيين، خصوصا بعدما ضمنوا ملاذا لم يكن يحلم به أشدّ التكفيريّين تفاؤلا: نفط ومساحة شاسعة وجوار متكاسل وأعداء في متناول اليد وأوراق ضغط لا عدّ لها ولا حصر، وحصانة شبه مضمونة.
إن الليبيين الذين أخذوا عِلماً بتصريحات سفير بريطانيا في الأمم المتحدة قد أدركوا ولا شكّ سبب تمسّكه باسطوانة ((الحلّ السلمي والحوار السياسي وسيلة وحيدة لحسم "الحرب ضد الإرهاب" في ليبيا))، بينما ينخرط الأوروبيون وحلفاؤهم في محاربة داعش في العراق وسورية!! فداعش الإرهابية في الشام والعراق ليست إرهابية في ليبيا بل هي شريك إخواني أصيل ومستفيد رئيسي من إدامة الفوضى ببلدنا، وهي طرف يقبل أجوارنا بالغرب ووراء ضفّة المتوسط التطبيع معه والتعامل معه شريكا سياسيا ومحاورا كامل الأهلية!!
والليبيون أيضا يعلمون أن داعش ما هي إلا أداة لتمكين التحالف المصراتي الإخواني في ليبيا تنفيذا لأجندة بعض دول الجوار التي تريد إهداء ليبيا للإخوان كي تتجنب شرورهم ببلدانها، وهو خيار غبيّ وقِصرُ نظر وحمق سيدفعون ثمنه عاجلا غير آجل على أيدي حلفائهم وليس على أيدي غيرهم..
وداعش ليبيا التي زرعها الجماعة في سرت ويستهدفون تقويتها حتى تسيطر على الهلال النفطي وتمتد بنفوذها غربا حتى منشآت الغاز بزوارة وأبي كماش، إنما يريدون بها رسم خارطة الثروة النفطية الليبية وتطويق طبرق من الشرق والغرب، ومن يدري فقد تكون أدواتهم بالجنوب قد اشتغلت لإحكام الحصار الاستراتيجي وعزل المناطق غير الخاضعة للإخوان حتى تنهار من الداخل؟؟!!..
وبغير معزل بعيد عن تصريحات الأمريكييين والبريطانيين والسودانيين والقطريين والأتراك، فإن هناك مخطّطا قذرا لشنّ حملة تستهدف شيطنة الدور المصري في ليبيا، وتحجيم وجوده وإضعاف قراره محاربة الإرهاب إلى جانب الليبيين.. والحملة تشتغل على ملف آخر وهو العلاقات العامة من أجل تلميع فجر ليبيا، وإرعاب المتردّدين - وقد حققت هذه السياسة مُرادها بتونس على سبيل المثال-.
والعمل الإعلامي الجاري تنفيذه مقسم ومنظم بإتقان خصوصا فيما يتعلق بالضغط على الحلفاء، وأقصد بهم البريطانيين أنفسهم، والأمريكيين وغيرهم من المتورطين مع الإخوان، وذلك عبر تضييق الخيارات أمامهم وإخافتهم على مصالحهم، والظهور بمظهر الطرف القوي والشريك القادر، وتفريخ المزيد من العصابات والميليشيات لإخافة القوى الغربية من مخاطر أي تدخل محتمل.. وسدّ الطريق داخل مؤسسات القرار الدولية أمام أية محاولات لتشكيل التحالف المصري القائم على بناء قوة تدخل عربية لمحاربة الإرهاب في ليبيا وإسقاط الأجندة التخريبية الممنهجة ضدّ ليبيا وشعبها..
وإنني أعتقد اليوم أن أمر مقاومة هذه الأجندة الإخوانية التخريبية لا يقع على الساسة والعسكريين والأمنيين لوحدهم، بل إن النخبة مطالبة بتمرير هذا الأمر وطرحه وتبسيطه كي يستوعب الناس دلالاته، ويقفوا على غاياته ومراميه لأن ليبيا ليست ملكا للساسة أو العسكريين أو النخب، ولا وصاية لأحد على شعبها بعد كل ما قاسَى خلال الأعوام الأربعة المشئومة.. ليبيا ملك لكافة أبنائها وحمايتها وإنقاذها واجب مؤكدا وفرض عين على كل من تربّى بأرضها وعاش من خيراتها.. ولأن لا حلّ أمامهم أمام عدوّ فاجر وخصم عنيد متحالف مع الصهيونية ومع الإرهاب، فإنهم لا يستشعرون ما يوجب الحرج ولا الخجل من التحالف مع أشقاّئهم عربا ومسلمين لعزل هذا التيار التكفيري. وهنا يتعيّن على النخبة والأقلام الليبية شرح الأمر على حقيقته والانتباه الكامل لمؤامرات تحالف خراب ليبيا ومن يؤيدونه لأنهم يستهدفون حياة كل الليبيين ومستقبل أبنائهم ودينهم وبلدهم بكل ما فيه..
ولا بدّ من توضيح الصورة من أوجهها كافّة وشرح طبيعة العمل المطلوب، فمحاربة داعش تعني بالضرورة محاربة الإخوان وحلفائهم بمصراته وغير مصراته، ولا معنى لأي تمييز أو تفرقة بين هؤلاء لأن الانسياق في هذا المسلك يعني الانخداع بحملتهم التظليلية والتلبيس الذي يمارسونه ضد الليبيين. وللحديث بقية.

ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻠﻴﺒﻴﺔ ﺗﺪﻳﻦ ﺗﺼﺮﻳﺤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺪﻭﺏ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻻﻣﻦ
.................................
ﺍﻟﻤﺒﻌﻮﺙ ﺍﻻﻣﻤﻲ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﺑﺮﻧﺎﺭﺩﻳﻨﻮ ﻟﻴﻮﻥ ﻳـﺼﻞ ﻏﺪﺍً ﺍﻻﺛﻨﻴﻦ ﺇﻟﻰ ‫‏ﻃﺮﺍﺑﻠـﺲ