من كتاب صناعة معارضة للدكتور يوسف شاكير الفصل الرابع
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى الأخبار العاجلة الليبية
صفحة 1 من اصل 1
من كتاب صناعة معارضة للدكتور يوسف شاكير الفصل الرابع
من نحامينا إلى دينفر
كانت الفوضى في مطار نجامينا علامة بارزة على الأحداث الكبيرة
التي تشهدها تلك المدينة الملقاة على قارعة الصحراء، حيث لا يظن أحد أن بوسعه العثور فيها على شيء ما.. حسين حبري يفر، وكأنه يؤكد بذلك وعلى نحو سافر ما يعتقده الشرق أوسطيون من أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تحمل النحس إلى كل من يعمل معها، فكل أولئك الذين طفت أسماؤهم على سطح أحداث المنطقة خلال الثمانينات وقد تعلقوا بطوق الوكالة، ما لبثوا أن غرقوا، حيث تولت الوكالة دعم جعفر النميري وحماية بشير الجميل وحراسة أنور السادات وضمان أمن شاه إيران، وذهب الجميع، فيما بقي من ناصَبهم من رجال لانغلي العداء. أبناء المنطقة يضحكون عادة وهم يروون قصة نحس لانغلي، إلا أن حسين حبري كان يسرع الخُطى بجدية بالغة، فقد كان يحاول الهرب من الموت بعد أن انقلب عليه التشاديون، لتبدأ رحلة جديدة في تاريخ ذلك البلد المعذب الملقى فوق صمت الصحراء الأفريقية وسخونتها، رغم أنه قبل ذلك بعشر سنوات بالضبط - وعلى بعد ثمانية آلاف ميل - كان ويليام كيسي يضع الخطوط الأولى لخطة دعم حسين حبري، ليس حباً في ذلك الشاب الأسمر الذي برهن على أنه موهوب في الركض السريع، وإنما رغبة في فتح جبهة جديدة لاستنزاف ليبيا.
وبعد ثلاثة أيام فقط من تولي إدارة ريغان، وقبل أن يعتمد الكونجرس بصفة نهائية تعيين كيسي مديراً جديداً لوكالة المخابرات الأمريكية، تلقى كيسي تقريراً من رجال لوبي العمليات السرية في لانغلي بعنوان "ليبيا.. الأهداف والأخطار". كأن الجميع كانوا يتعجلون بدء المسيرة السهلة إلى طرابلس، وكان ويليام كيسي أكثرهم تعجلاً.
وفي 23 يناير 1981 اجتمع كيسي ووزير الخارجية حينذاك
ألكسندر هيغ في مبنى وزارة الخارجية في "سي ستريت" بواشنطن، حيث تناولا بالنقاش الخطوط الأساسية للخطة الجديدة التي سميت الخطر الثاني، وأبدى هيغ بدوره حماساً خاصاً لمنح الخطة الجديدة كل فرصة ممكنة للنجاح، حسبما قال آنذاك.
ثم أُعيد طرح الأمر في مذكرة قدمها كيسي إلى الحكومة الجديدة في أول اجتماع لها، طالب فيها بصرف أربعة ملايين دولار لدعم الخطر الثاني. وبعد مناقشة شكلية أبرز خلالها كيسي أهمية التخلص من القذافي لإثبات أن الإدارة الجديدة جادة، وتبغي العمل لاسترداد هيبة الولايات المتحدة، وافق رونالد ريجان على صرف المبلغ المطلوب لدعم زبون الوكالة الجديد في نجامينا.. حسين حبري.
ثم ما لبث رجال العمليات السرية أن نقلوا قسماً من المعارضة الليبية التي شكلوها إلى تشاد، ليبدأ الحديث عن تكرار عملية الكونترا، أي تلك المجموعة من الإرهابيين الذين دربتهم ومولتهم وكالة المخابرات المركزية للإطاحة بحكومة نيكاراغوا آنذاك.
وها نحن في ديسمبر 1990 نلمح حسين حبري يركض هارباً من تشاد في إخلاص يستحق التنويه لنكات سكان الشرق الأوسط عن نحس وكالة المخابرات المركزية، ثم ها نحن نلمح سفير الولايات المتحدة في تشاد روبرت لي بوغ يقف في مطار نجامينا محاطاً بعدد من العسكريين والمدنيين الأمريكيين الذين وضع أغلبهم تلك النظارات الزرقاء الداكنة التي تميز أولئك الذين يقومون بمهام أمنية خاصة لحساب الحكومة الأمريكية.
كان بوغ يتطلع إلى الأفق منتظراً وصول طائرة أمريكية كبيرة أقلعت من ألمانيا الغربية قبل ساعات، وبعد الموعد المحدد لوصولها بنحو
15 دقيقة ظهرت الطائرة، وكان الممر خالياً لهبوطها.
دبت الحركة فجأة في صفوف ذلك الرهط الأمريكي؛ فاتجه البعض نحو الطائرة، فيما خرج عدد آخر من أرض المطار، وكان هناك اثنان يواصلان الحديث في جهاز اللاسلكي الصغير. وبعد قليل، وصلت ثلاث سيارات شحن كبيرة محملة بالرجال، وهبط الركاب ليصافحهم بوغ واحداً بعد الآخر قبل أن يدخلوا إلى بطن الطائرة الأمريكية الضخمة التي ما لبثت أن أقلعت، وكان الاثنان اللذان يتبادلان الحديث عبر جهاز اللاسلكي منهمكين بعد في إبلاغ مَن يبلغانه بما يحدث.
وبعد إقلاع الطائرة، انصرف السفير ورجاله، وعاد الهدوء إلى مطار نجامينا، إلا من صدى أصوات الرصاص الذي يأتي من خلف التلال البعيدة بين فينة وأخرى.
كان أولئك الذين رحلوا من مطار نجامينا على عجل هم بقايا المعارضين الليبيين الذين جمعهم ويليام كيسي قبل عشر سنوات، وكان رحيلهم على هذا النحو تأكيداً جديداً على صدق النكات الشرق أوسطية.
ما حدث بعد ذلك لهؤلاء المعارضين الليبيين يستحق أن يحكى على نحو مفصل، ولكن واحداً منهم يلخصه قائلاً: "من زائير إلى نيجيريا إلى كينيا، شعرت أنني مرتزق بلا قضية، بل شعرت بآدميتي تسحق سحقاً، فقد كنا نُنقل من هنا إلى هناك كحبات البطاطا"، وقرر عدد من هؤلاء المعارضين مغادرة القارب الذي بدا وكأنه – بدوره - تاه في مستنقعات أفريقيا مثلما تاه من قبله قارب حسين حبري.
أما من بقوا، فقد تلقوا بعض التدريب في زائير، ثم ما لبثت أوامر لانغلي أن وصلتهم بضرورة الاستعداد للسفر إلى نيجيريا لبضعة شهور، ثم تعليمات أخرى بالتوجه إلى معسكر أيسيولو في كينيا، وهو معسكر بريطاني-أمريكي يشبه قاعدة هويلس التي طواها الزمن.
وفي نهاية الرحلة، حطت طائرة أمريكية في مطار جون كنيدي بشمال أمريكا وهي تحمل هذا الفريق من المعارضين الليبيين الأكثر تشبثاً بقارب الوكالة والأقل قدرة على إدراك مغزى المفارقة التي يعيشونها، فها هم يُشحنون إلى نيويورك بعد أن قيل أن وجهتهم هي طرابلس.
وبعد فترة من الراحة في معسكر لا يبعد كثيراً عن نيويورك، نُقل أولئك الليبيون إلى دينفر بولاية كولورادو حيث التحقوا بمعسكر مجهز للتدريبات على العمليات الإرهابية ومهارات الاغتيال، وكان هذا المعسكر بالذات هو المركز الأساسي لتدريب قوات الكونترا المناوئة لحكومة نيكاراغوا، وقوات جبهة يونيتا التي قادها عميل المخابرات المركزية
جواس سافيمبي لإسقاط حكومة أنجولا.
كان مهندس هذه الرحلة التي بدأت من نجامينا مروراً بأدغال أفريقيا ونيويورك ووصولاً إلى دينفر، هو نفسه سفير واشنطن السابق في نجامينا روبرت بوغ، ولكن الفارق بين لحظة البدء ولحظة الانتهاء - مع ذلك - كان في تبلور قناعة راسخة لدى بوغ بأن سفير ليبيا السابق في نيودلهي الذي شكل المعارضة الليبية لحساب لانغلي في وقت مبكر لم يعد يصلح للمهمة؛ فقد جربوه عدة مرات ولكنه لم يفلح في تنفيذ عملية الاغتيال التي طلبوها منه، ولذا قرر بوغ أن يعتمد هذه المرة على العسكريين وحدهم، أي على أولئك الذين يمتلكون قدراً من مهارات عمليات الاغتيال، بافتراض أن المخابرات المركزية ستصقل هذه المهارات في دينفر، ولم يجد بوغ صعوبة تذكر في إقناع لانغلي بتغيير الأدوات.
وفي أبريل 1991 وضع قسم العمليات في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تقريراً جديداً يلقي الضوء علي أسباب فشل عملية الخطر الثاني على نحو مفصل، وقد كان المحور الأساسي الذي اعتمده التقرير في تفسير ذلك الفشل هو انهيار نظام حكم جعفر النميري في الخرطوم عام 1985، وقال التقرير أنه يمكن - بدون السودان - محاصرة طرابلس تمهيداً لاغتيال القذافي وغزو العاصمة الليبية مرة أخرى.
وقد ضم التقرير قسماً كبيراً نسبياً يدرس إمكانية إعادة المعارضين الليبيين إلى أفريقيا - وعلى وجه التحديد إلى كينيا- إذا ما أمكن التنسيق بينهم وبين الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يقوده جون قرنق. وجدير بالذكر أن قرنق كان متحالفاً مع أحزاب سودانية شمالية ذات صبغة طائفية دينية، وقد ارتأى التقرير أنه ليس هناك ما يمنع إذن من أن تنسق قواته مع المعارضين الليبيين، ولكن قرنق رفض.
وهكذا.. تعثرت الخطة التي فصلها التقرير، والتي كانت تعتمد على تحويل تشاد - مرة أخرى - إلى منطقة موالية، ودعم الجيش الشعبي لتحرير السودان لإسقاط الخرطوم، ومن العاصمتين التشادية والسودانية قد يكون الطريق نحو طرابلس مفتوحاً.
ورغم ذلك ظلت لانغلي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الخطة التي تضمنها القسم الأكبر من التقرير. أما القسم الباقي منه، فقد تلخص في إثارة أكبر قدر ممكن من الغبار حول طرابلس ودورها في دعم الإرهاب.
ولم يكن رجال العمليات السرية في لانغلي يدركون أن ذلك أيضاً، وبعد كل أكاذيب الثمانينات وفضائحها، قد تحول في الشرق الأوسط إلى نكتة سخيفة أخرى.
كانت الفوضى في مطار نجامينا علامة بارزة على الأحداث الكبيرة
التي تشهدها تلك المدينة الملقاة على قارعة الصحراء، حيث لا يظن أحد أن بوسعه العثور فيها على شيء ما.. حسين حبري يفر، وكأنه يؤكد بذلك وعلى نحو سافر ما يعتقده الشرق أوسطيون من أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تحمل النحس إلى كل من يعمل معها، فكل أولئك الذين طفت أسماؤهم على سطح أحداث المنطقة خلال الثمانينات وقد تعلقوا بطوق الوكالة، ما لبثوا أن غرقوا، حيث تولت الوكالة دعم جعفر النميري وحماية بشير الجميل وحراسة أنور السادات وضمان أمن شاه إيران، وذهب الجميع، فيما بقي من ناصَبهم من رجال لانغلي العداء. أبناء المنطقة يضحكون عادة وهم يروون قصة نحس لانغلي، إلا أن حسين حبري كان يسرع الخُطى بجدية بالغة، فقد كان يحاول الهرب من الموت بعد أن انقلب عليه التشاديون، لتبدأ رحلة جديدة في تاريخ ذلك البلد المعذب الملقى فوق صمت الصحراء الأفريقية وسخونتها، رغم أنه قبل ذلك بعشر سنوات بالضبط - وعلى بعد ثمانية آلاف ميل - كان ويليام كيسي يضع الخطوط الأولى لخطة دعم حسين حبري، ليس حباً في ذلك الشاب الأسمر الذي برهن على أنه موهوب في الركض السريع، وإنما رغبة في فتح جبهة جديدة لاستنزاف ليبيا.
وبعد ثلاثة أيام فقط من تولي إدارة ريغان، وقبل أن يعتمد الكونجرس بصفة نهائية تعيين كيسي مديراً جديداً لوكالة المخابرات الأمريكية، تلقى كيسي تقريراً من رجال لوبي العمليات السرية في لانغلي بعنوان "ليبيا.. الأهداف والأخطار". كأن الجميع كانوا يتعجلون بدء المسيرة السهلة إلى طرابلس، وكان ويليام كيسي أكثرهم تعجلاً.
وفي 23 يناير 1981 اجتمع كيسي ووزير الخارجية حينذاك
ألكسندر هيغ في مبنى وزارة الخارجية في "سي ستريت" بواشنطن، حيث تناولا بالنقاش الخطوط الأساسية للخطة الجديدة التي سميت الخطر الثاني، وأبدى هيغ بدوره حماساً خاصاً لمنح الخطة الجديدة كل فرصة ممكنة للنجاح، حسبما قال آنذاك.
ثم أُعيد طرح الأمر في مذكرة قدمها كيسي إلى الحكومة الجديدة في أول اجتماع لها، طالب فيها بصرف أربعة ملايين دولار لدعم الخطر الثاني. وبعد مناقشة شكلية أبرز خلالها كيسي أهمية التخلص من القذافي لإثبات أن الإدارة الجديدة جادة، وتبغي العمل لاسترداد هيبة الولايات المتحدة، وافق رونالد ريجان على صرف المبلغ المطلوب لدعم زبون الوكالة الجديد في نجامينا.. حسين حبري.
ثم ما لبث رجال العمليات السرية أن نقلوا قسماً من المعارضة الليبية التي شكلوها إلى تشاد، ليبدأ الحديث عن تكرار عملية الكونترا، أي تلك المجموعة من الإرهابيين الذين دربتهم ومولتهم وكالة المخابرات المركزية للإطاحة بحكومة نيكاراغوا آنذاك.
وها نحن في ديسمبر 1990 نلمح حسين حبري يركض هارباً من تشاد في إخلاص يستحق التنويه لنكات سكان الشرق الأوسط عن نحس وكالة المخابرات المركزية، ثم ها نحن نلمح سفير الولايات المتحدة في تشاد روبرت لي بوغ يقف في مطار نجامينا محاطاً بعدد من العسكريين والمدنيين الأمريكيين الذين وضع أغلبهم تلك النظارات الزرقاء الداكنة التي تميز أولئك الذين يقومون بمهام أمنية خاصة لحساب الحكومة الأمريكية.
كان بوغ يتطلع إلى الأفق منتظراً وصول طائرة أمريكية كبيرة أقلعت من ألمانيا الغربية قبل ساعات، وبعد الموعد المحدد لوصولها بنحو
15 دقيقة ظهرت الطائرة، وكان الممر خالياً لهبوطها.
دبت الحركة فجأة في صفوف ذلك الرهط الأمريكي؛ فاتجه البعض نحو الطائرة، فيما خرج عدد آخر من أرض المطار، وكان هناك اثنان يواصلان الحديث في جهاز اللاسلكي الصغير. وبعد قليل، وصلت ثلاث سيارات شحن كبيرة محملة بالرجال، وهبط الركاب ليصافحهم بوغ واحداً بعد الآخر قبل أن يدخلوا إلى بطن الطائرة الأمريكية الضخمة التي ما لبثت أن أقلعت، وكان الاثنان اللذان يتبادلان الحديث عبر جهاز اللاسلكي منهمكين بعد في إبلاغ مَن يبلغانه بما يحدث.
وبعد إقلاع الطائرة، انصرف السفير ورجاله، وعاد الهدوء إلى مطار نجامينا، إلا من صدى أصوات الرصاص الذي يأتي من خلف التلال البعيدة بين فينة وأخرى.
كان أولئك الذين رحلوا من مطار نجامينا على عجل هم بقايا المعارضين الليبيين الذين جمعهم ويليام كيسي قبل عشر سنوات، وكان رحيلهم على هذا النحو تأكيداً جديداً على صدق النكات الشرق أوسطية.
ما حدث بعد ذلك لهؤلاء المعارضين الليبيين يستحق أن يحكى على نحو مفصل، ولكن واحداً منهم يلخصه قائلاً: "من زائير إلى نيجيريا إلى كينيا، شعرت أنني مرتزق بلا قضية، بل شعرت بآدميتي تسحق سحقاً، فقد كنا نُنقل من هنا إلى هناك كحبات البطاطا"، وقرر عدد من هؤلاء المعارضين مغادرة القارب الذي بدا وكأنه – بدوره - تاه في مستنقعات أفريقيا مثلما تاه من قبله قارب حسين حبري.
أما من بقوا، فقد تلقوا بعض التدريب في زائير، ثم ما لبثت أوامر لانغلي أن وصلتهم بضرورة الاستعداد للسفر إلى نيجيريا لبضعة شهور، ثم تعليمات أخرى بالتوجه إلى معسكر أيسيولو في كينيا، وهو معسكر بريطاني-أمريكي يشبه قاعدة هويلس التي طواها الزمن.
وفي نهاية الرحلة، حطت طائرة أمريكية في مطار جون كنيدي بشمال أمريكا وهي تحمل هذا الفريق من المعارضين الليبيين الأكثر تشبثاً بقارب الوكالة والأقل قدرة على إدراك مغزى المفارقة التي يعيشونها، فها هم يُشحنون إلى نيويورك بعد أن قيل أن وجهتهم هي طرابلس.
وبعد فترة من الراحة في معسكر لا يبعد كثيراً عن نيويورك، نُقل أولئك الليبيون إلى دينفر بولاية كولورادو حيث التحقوا بمعسكر مجهز للتدريبات على العمليات الإرهابية ومهارات الاغتيال، وكان هذا المعسكر بالذات هو المركز الأساسي لتدريب قوات الكونترا المناوئة لحكومة نيكاراغوا، وقوات جبهة يونيتا التي قادها عميل المخابرات المركزية
جواس سافيمبي لإسقاط حكومة أنجولا.
كان مهندس هذه الرحلة التي بدأت من نجامينا مروراً بأدغال أفريقيا ونيويورك ووصولاً إلى دينفر، هو نفسه سفير واشنطن السابق في نجامينا روبرت بوغ، ولكن الفارق بين لحظة البدء ولحظة الانتهاء - مع ذلك - كان في تبلور قناعة راسخة لدى بوغ بأن سفير ليبيا السابق في نيودلهي الذي شكل المعارضة الليبية لحساب لانغلي في وقت مبكر لم يعد يصلح للمهمة؛ فقد جربوه عدة مرات ولكنه لم يفلح في تنفيذ عملية الاغتيال التي طلبوها منه، ولذا قرر بوغ أن يعتمد هذه المرة على العسكريين وحدهم، أي على أولئك الذين يمتلكون قدراً من مهارات عمليات الاغتيال، بافتراض أن المخابرات المركزية ستصقل هذه المهارات في دينفر، ولم يجد بوغ صعوبة تذكر في إقناع لانغلي بتغيير الأدوات.
وفي أبريل 1991 وضع قسم العمليات في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تقريراً جديداً يلقي الضوء علي أسباب فشل عملية الخطر الثاني على نحو مفصل، وقد كان المحور الأساسي الذي اعتمده التقرير في تفسير ذلك الفشل هو انهيار نظام حكم جعفر النميري في الخرطوم عام 1985، وقال التقرير أنه يمكن - بدون السودان - محاصرة طرابلس تمهيداً لاغتيال القذافي وغزو العاصمة الليبية مرة أخرى.
وقد ضم التقرير قسماً كبيراً نسبياً يدرس إمكانية إعادة المعارضين الليبيين إلى أفريقيا - وعلى وجه التحديد إلى كينيا- إذا ما أمكن التنسيق بينهم وبين الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يقوده جون قرنق. وجدير بالذكر أن قرنق كان متحالفاً مع أحزاب سودانية شمالية ذات صبغة طائفية دينية، وقد ارتأى التقرير أنه ليس هناك ما يمنع إذن من أن تنسق قواته مع المعارضين الليبيين، ولكن قرنق رفض.
وهكذا.. تعثرت الخطة التي فصلها التقرير، والتي كانت تعتمد على تحويل تشاد - مرة أخرى - إلى منطقة موالية، ودعم الجيش الشعبي لتحرير السودان لإسقاط الخرطوم، ومن العاصمتين التشادية والسودانية قد يكون الطريق نحو طرابلس مفتوحاً.
ورغم ذلك ظلت لانغلي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الخطة التي تضمنها القسم الأكبر من التقرير. أما القسم الباقي منه، فقد تلخص في إثارة أكبر قدر ممكن من الغبار حول طرابلس ودورها في دعم الإرهاب.
ولم يكن رجال العمليات السرية في لانغلي يدركون أن ذلك أيضاً، وبعد كل أكاذيب الثمانينات وفضائحها، قد تحول في الشرق الأوسط إلى نكتة سخيفة أخرى.
المهاجر الليبي- مشرف عام
-
عدد المساهمات : 4481
نقاط : 6790
تاريخ التسجيل : 20/05/2013
مواضيع مماثلة
» من كتاب صناعة معارضة للدكتور يوسف شاكير
» كتاب للدكتور / يوسف شاكير ..
» تعازينا الحارة للدكتور يوسف شاكير في وفاة شقيقه ( داوود امين شاكير
» كتاب جديد لــ . د . يوسف شاكير
» الان في مصر .. كتاب الدكتور يوسف شاكير
» كتاب للدكتور / يوسف شاكير ..
» تعازينا الحارة للدكتور يوسف شاكير في وفاة شقيقه ( داوود امين شاكير
» كتاب جديد لــ . د . يوسف شاكير
» الان في مصر .. كتاب الدكتور يوسف شاكير
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى الأخبار العاجلة الليبية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 10:36 pm من طرف larbi
» جنائية الدولية تصدر أمري اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
أمس في 4:06 pm من طرف larbi
» الى فرسان اليمن
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:52 pm من طرف larbi
» كلمة مندوب الجزائر في مجلس الأمن بعد الفيتو الأميركي ضد قرار وقف الحرب على غزة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:34 pm من طرف larbi
» كلمة الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:32 pm من طرف larbi
» مقتل جندي و إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 7:00 pm من طرف larbi
» مقتل جندي إسرائيلي و جرحى من لواء غولاني بمعارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:48 pm من طرف larbi
» بيان المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع بشأن استهداف سفينة في البحر الأحمر
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:37 pm من طرف larbi
» كتائب القسام تستهدف قوة إسرائيلية متحصنة بإحدى العمارات..و قنص ضابط برتبة نقيب
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:29 pm من طرف larbi
» اليمن,,يحيى سريع استهدفنا ام الرشراش بعدة مسيرات
السبت نوفمبر 16, 2024 10:41 pm من طرف larbi