الراية الهاشمية المسروقة

عماد جبور

هذه الراية القرشية التي لم تكن إلّا عنوانًا عروبيًا في عمقه التاريخي، والتي استطاع مكماهون تطويعها لتكون كوفية توضع على رأس كل مقاتل كان يقوده لورنس العرب لخدمة التاج البريطاني على مدى عشرات السنين. من سرق هذه الراية، ومن جعلها أداةً بيد المخطط المتحرك عبر زمان الظلام العربي؟ سؤال تجيب عليه وقائع تاريخية، كل منها ملف يحتاج الى تحقيق موثق لإظهار الحقائق التي تتكلم عنها نتائجها.

لا يغيب عن البال أنّ هذه الراية التي استعملت لطرد الاستعمار العثماني تمّت تصفية مفاعيلها المقدسة منذ سايكس بيكو وقرار إنشاء "إسرائيل". هذه الراية الجامعة وضعت في حيّزٍ جغرافي لتكون حالة اشكالية بدلًا من الحالة الجامعة. من منّا لا يذكر كيف قامت هذه الراية وتحت القيادة البريطانية (غلوب باشا) بتصفية ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد البريطانيين، وكيف قامت هذه الراية بالمفاوضات مع الإسرائيليين لوقف ثورة الـ36، والتي انتهت وتوقفت على اسوار القدس المباعة بالمضمون مقابل السلطة على الاردن الهاشمي، وانتهت بمقتل عبدالله الجد على يد أحد المقدسيين. هذه الراية التي قامت باستلام القرار الفلسطيني لسنوات طوال، لتصفيه على الحدود الاردنية بما عرف بأيلول الاسود، حيث قامت بذبح آلاف الفلسطينيين في مخيماتهم وذبح لبنان معهم لاحقًا. هذه الراية التي استعانت بالإسرائيليين والأمريكيين حين حاول الجيش السوري نجدة الفلسطينيين من المذابح. هذه الراية التي نقلت أسرار حرب الـ73 قبل انطلاقها بساعات.

هذه الراية التي قامت بتوريط العراق بالهجوم على ايران، هذه الراية التي دربت المجموعات المسلحة وأدخلتها للتخريب في سورية في الثمانينات. هذه الراية التي ورّطت العراق ثانيةً بالدخول الى الكويت ومن ثم استفادت من كل مصائب انهياره. هذه الراية التي أتمّت إعلان ما هو مخفي من خلال اتفاق وادي عربة ورفع العلم الاسرائيلي الى جانب الراية الهاشمية في عمان!!

هذه الراية التي وضعت قواعد امريكية لتكون خنجرًا في ظهر سورية، وبدأت بالتجهيز منذ وفاة الحسين للدخول في مخطط تفكيك العراق وخاصة بعد سقوط بغداد، يليه سورية. هذه الراية التي استيقظت على الهلال الشيعي وحتمية مواجهته رغم أنها كانت في حلف الناتو مع شاه ايران. هذه الراية التي ساهمت بفتح المجال لتوسع القاعدة في بلاد الشام من خلال افساح المجال لتيارها بالنمو تحت عنوان مواجهة الامريكي في العراق. هذه الراية التي فتحت المجال لتنظيم الاخوان بالسيطرة على القرار الفلسطيني ومن ثم أجهضت الانتفاضة وفتحت المجال لاغتيال رموز منظمة التحرير، وأدخلت القرار الفلسطيني في متاهات اوسلو لترسخ من بعدها الانقسام الفلسطيني الذي لم ينتهِ. هذه الراية التي تعمل الآن على انهاء حق العودة وتساعد على امتداد الحلم الاسرائيلي التلمودي مقابل حدودها الجديدة التي تصل الى الانبار والموصل.

هذه الراية التي تريد اسقاط دمشق من خلال احياء مخطط التفتيت الذي يخرج درعا ليضمها الى لواء حوران الهاشمي، الذي سيضم جزء من فلسطينيي الشتات. هذه الراية التي تسعى لإقامة الدولة الدرزية لتكون سور حماية مرحلي ومنطقة عازلة آنية قبل اتمام الحلم التوراتي من الفرات الى النيل.

امام هذا الجزء اليسير من الملفات، يأتي السؤال الكبير: من سرق الراية واستخدم آل هاشم كعنوان ناري تاريخي ضد العرب والعروبة؟ في العمق، كل هذه الملفات التي ذكرتها تصلح لتكون عملًا بحثيًا، وخاصة أنّ الراية لا زالت مسروقة ولا زالت في غير مكانها الصحيح ترفرف الى جانب الراية الاسرائيلية، ولا اعتقد أنّ الرسول (ص) سيرضى أن توضع رايته الى جانب راية بني إسرائيل، فمن سرق الراية وفعلها؟!