إسـرائـيـل تستهدف عصفورين مصريين بحجر واحد

عباس ضاهر

عندما كان السوريون يحذرون عواصم العالم أنَّ التطرف يتمدَّد، حيث لا وجود لثورات ديمقراطية ولا لادعاءات الحرية، والشعارات الرنّانة تخفي خبايا إرهابية، كانت تلك العواصم تستخف بتحذير دمشق، وبعد أربع سنوات من عمر الأزمة السورية، بات المشهد أوضح.

توسعت المجموعات الإسلامية المتشدَّدة وتفرَّعت بأسماء عدَّة، من العراق وسوريا إلى السعودية والكويت وتونس وبينهم ليبيا بطبيعة الحال، ورافقت التوسع تفجيرات وهجمات كان آخرها ما حصل في سيناء مصر.

لماذا جاء دور مصر؟

الجيوش العربية مستهدفة. ضربوا الجيش العراقي، واستنزفوا الجيش السوري، ويصوبون الآن على الجيش المصري. تلك الجيوش التي تُهدّد الاحتلال الإسرائيلي، باتت اليوم مشغولة بمكافحة الإرهاب. منذ سنوات يتفرج الإسرائيليون على تشظي ساحات عربية.

لم يكتفوا بالمراقبة بل تدخلوا في ساعات الذروة، وهذا ما فعلوه في جنوب سوريا بدعم المسلحين لوجستياً وتسليحاً وتخطيطاً. كان الهدف إنشاء منطقة عازلة لمصلحة الإسرائيليين، وحاولوا استخدام الدروز ولكنهم فشلوا، ومن هنا بدا أنَّ لا مصلحة للإسرائيليين بنهاية الحرب السورية، فهم المستفيدون بكل اتجاه.

في مصر تبدو الأهداف الإسرائيلية واضحة بتمدَّد الإرهاب في سيناء، فالقصد إقامة منطقة تشكل امتدادا لغزة لتهجير الفلسطينيين إليها بعد ضمها إلى مقاطعة غزه، وإلاَّ كيف نفسّر امتلاك المتطرفين هناك لأسلحة ثقيلة ودبابات، علماً أنَّ تل أبيب تراقب منذ اتفاقية "كامب ديفيد" كل حركة مهما صغر حجمها، فمن هو الذي سلّح المتطرفين بكل الأسلحة الثقيلة؟ هل دخل السلاح من غزه؟ لماذا لم تعترض إسرائيل؟ هناك من يطرح مقولة أنَّ "حماس" هي التي دعمت مسلحي سيناء، هي التي غذّت مفاهيمهم قبل أن ينزلوا إلى الميدان وشحنت مجموعات تحولت فيما بعد لمبايعة "داعش"، أساساً الفكر المتشدّد يشبه بعضه، لا فرق بين المجموعات إلا بالتسميات.

ضربت تل أبيب عصفورين بحجر واحد في سيناء من خلال غض النظر عن تسليح المتشددين الإسلاميين: استهداف الجيش المصري لاستنزافه في حرب مفتوحة و إيجاد أرضيَّة لامتداد غزّاوي يُشكّل مكاناً لتهجير فلسطيني الضفة الغربية.

فهل حركة "حماس" اطَّلعت على المخطط؟ وما مدى صحة التزامن المقصود بين تفاوض حمساوي مع إسرائيل و أحداث سيناء؟.

انتماء "حماس" لحركة "الإخوان المسلمين" يضعها في قفص الاتهام، خصوصاً إذا ما استحضرنا أبعاد الصراع بين "الإخوان" و الجيش المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي.

يبدو التوتر القائم بين هذه الأطراف مرده إلى تباينات جوهرية لا حل لها لا مصرياً ولا إقليمياً. يتعلّق الأمر بخيارات "الإخوان" ذات الأبعاد الإسلامية.

خيار "الإخوان" سقط في المنطقة، لم تبق إلاَّ حماس في غزه. بقاؤها مستمد ليس من إخوانيتها بقدر ما هو نابع من أساس حركتها كمقاومة فلسطينية، فهل تقبل حماس بتوسيع حدود غزه لنقل فلسطينيين إليها؟.

إنَّه "الخريف العربي" الذي يعم غباره في المنطقة. وحدها إسرائيل تستفيد، فلنراقب مصر ماذا ستفعل؟ ولنلاحظ أنَّ الجيش المصري هو آخر الجيوش العربية الجاهزة غير المنشغلة بأحداث ومواجهات كما حال الجيش السوري. لقد أغرقوا آخر جيوش العرب في المستنقع، فهل تبادر القاهرة إلى إعلان التحالف مع دمشق لتوحيد الجهود وسبل المواجهة؟ صار الأمر ضرورياً وعلى المكشوف. فلنراقب هذا أيضاً. هناك بوادر تبدو في صلب المبادرة الروسية المدعومة مصرياً.