منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي




انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي


منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وقال الرسول.. إن قومي تركوا هذا القــرآن مهجــورا

اذهب الى الأسفل

   وقال الرسول.. إن قومي تركوا هذا القــرآن مهجــورا  Empty وقال الرسول.. إن قومي تركوا هذا القــرآن مهجــورا

مُساهمة من طرف السهم الناري الإثنين يوليو 06, 2015 1:17 pm


   وقال الرسول.. إن قومي تركوا هذا القــرآن مهجــورا  Maxresdefault

أحمد الشرقاوي

خاص: بانوراما الشرق الأوسط

من الواضح أن قلة قليلة من المسلمين اليوم تهتم بفهم الدين انطلاقا من دراسة موضوعية لنصوص القرآن الكريم، بل السائد أن الفهم الذي لدينا حول الدين، مصدره الأساس هو ما يزخر به الثرات من تفاسير، هذا في الوقت الذي نؤمن كمسلمين أن معاني القرآن المجيد، باعتباره نصا مفتوحا، لا يمكن أن تختزلها أسفار التفاسير المستوردة من ثقافة القبور، ولا تقف بحال من الأحوال عند أفهام فقهاء اللغة والمتكلمين، الأموات منهم والأحياء على حد سواء..

ذلك لأن القرآن ببساطة، وكما قال عنه صاحبه: (إن هو إلا وحي يوحي) النجم: 4. وبالتالي، فكل ما يمكن أن يفيدك به كائن من كان من معاني في هذا الشأن، لا يعدو أن يكون مجرد وجهة نظر بالنهاية، أو بعبارة أدق، خلاصة ما فهمه المفسر من كتاب الله في زمانه.. هذا القول مفاده، أنك ستتلقى منه معاني ظاهر الآيات في حدود علمه ومستوى فهمه، وهو ما لا يتفق بالضرورة مع المعنى الذي أراد الله أن يوصله إليك شخصيا عن طريق الوحي المباشر كما يقول سبحانه: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) طه: 114.

هذه الآية الكريمة كما تبوح بذلك كلماتها، تعني أنك أنت المعني مباشرة بالوحي وليس الفقيه المفسر، مهما بلغ علمه وادعى الكلام بلسان الله، لأنه لا رهبانية في الإسلام من جهة، ومن جهة أخرى يقول تعالي: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) التوبة: 6. ومفاد ذلك: أن الله خلقك وأعدك خصيصا لتنوب عنه في قراءة قرآنه، والفصل بين أحرفه وكلماته، وفق ما ذهب إليه ابن عربي في تفسيره لهذه الآية. كما أنك في الوقت الذي تبدأ فيه بقراءة القرآن، في تلك اللحظة بالذات، تدخل في اتصال مباشر مع الله، وتبدأ بتلقي الوحي مباشرة بقلبك من خلال نوره الخفي..

وهذا هو الإعجاز الحقيقي الكامن في كلام الله، والذي نعتقد كمؤمنين أنه صالح لكل مكان وزمان، وأنه موجه للعالمين من دون استثناء، لأن كلام الله ينبض بالحياة في كل وقت وحين ولا يمكن اعتباره كلاما تاريخيا لأن صاحبه حي لا يموت، ولا يتسم بالقدم والحدوث..

وبالتالي، فمن يدعون الناس للإلتزام بتفسير السلف هم أبعد عن فهم كلام الله، ويحيلون بينه وبين عباده، ويحولون الإسلام إلى كهنوت، لأن التقيد بتفسير السلف، هو ضرب من العبث والتناقض مع ما ندعيه من أن القرآن الكريم “نص مفتوح” للقراءة والتدبر بدون قيود أو حدود: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد – آية 24.

هذا الكلام لا يعني نبذ التراث وراء ظهورنا، والتنكر لجهود العلماء الذين اشتغلوا على المعني في بحثهم عن الحقيقة، بل لا بد من الاستفادة من نتاجهم دون الوقوف عنده واعتباره حقيقة نهائية، لأن كلام الله وحده هو عين الحقيقة دون سواه، كما أن علمه تعالي هو عين ذاته، وبالتالي فلا حد له..

وإذا كانت الحقيقة الإلهية مطلقة في سموها، فهي بالنسبة للباحثين عنها نسبية، لها أوجه عدة وجوانب عديدة، منها الظاهر الذي تعطيه معاني الألفاظ في أصل وضعها، والتي وقف عند حدها أصحاب منهج النقل من أهل الظاهر، ومنها المرموز الذي يستخرج عن طريق التأويل العقلي بأدوات المجاز والكناية التي برع في استعمالها المعتزلة، ومنها الباطن وباطن الباطن الذي لا يدرك إلا بواسطة قذف نور الوحي في الروع كما يجزم بذلك الشيعة والصوفية، ومنها الحد الذي يفهم من الآية وحدها، والمطلع الذي يفيد معني الآية المتشابهة بعد إرجاعها إلى محكمها، لقوله تعالي: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند الله وما يذكر إلا أولو الألباب) آل عمران: 7.

ومفاد ذلك، أن أسرار المعاني القرآنية لا تدرك من الوهلة الأولى استنادا إلى معاني اللغة القاصرة، بل تتكشف مجزئة حينا بعد حين.. عن طريق المثابرة والمجاهدة وتراكم المعرفة، فتنير عتمات القلب، وتبدد حجب الجهل في العقل رويدا رويدا.. وكل ذلك، حسب درجات التقدم في فهم كلام المتكلم وقصده من الكلام، ومستوى تقبل المخاطب لهذا الكلام، وقدرته على استيعاب المعرفة بمفهومها الشمولي، لأن العلوم تكمل بعضها بعضا. وهناك حديث مشهور عند الشيعة مفاده: (أن للقرآن ظهرا وباطنا ولبطنه بطن إلى سبعة أبطن)، ويقابله حديث معروف لدى السنة مفاده: (أن القرآن أنزل على سبعة أحرف)، وهذا الحديث الأخير فسر تفاسير عديدة.. منها عدد القراءات، ومنها أن أنواع المباحث القرآنية سبعة هي: “أمر وزجر وتبشير وتحذير وقصص وأمثال وحكم”، وجميعها تفيد تعدد مستويات المعاني.

فالقرآن وان كان قد نزل بلسان عربي مبين كما يقول تعالى في سورة الشعراء، آية: 195، إلا أنه نص سهل وممتنع في نفس الوقت كما يجمع على ذلك دارسوه، وميزته الأساس أنه حمال لأوجه كما قال عنه الإمام علي (ر). فمن جهة، يكون القرآن مرآة مصقولة صافية يرى كل من يسبح في بحر آياته انعكاس وجه صورته عارية ليس بينه وبينها حجاب إذا كان القصد هو استلهام ما فيه من أفهام و معاني.. لكن من جهة أخرى، يصبح القرآن حمال أوجه، إذا كان الهدف هو البحث فيه عن مؤيدات هذا الرأي أو ذاك.. لأن الإنسان بالمحصلة، هو الذي يحدد طريقة تعاطيه مع النص المقدس، وفق حاجته والهدف الذي يسعى من ورائه، وفي حدود مستواه، وحسب أسلوبه الخاص في تعامله مع الأمور والمشكلات.

كما أن جوهر معاني القرآن الكريم، لن تجدها في قواميس العرب مجتمعة، ولا في قواعد نحوهم وقوالب بلاغتهم التي وضعت في عصر التدوين بعد نزوله بمئات السنين. لأن القرآن وفق هذه الحقيقة الموضوعية، هو كتاب مبارك، ألفاضه معدودة لكن معانيه غير محدودة.. وبسب هذا الغني الكبير والمتجدد للمعاني، يعتبر القرآن أصل غير خاضع للحصر في قوالب الزمن التاريخاني الذي لا وجود له إلا في مخيلة بعض المحدثين (بسكون الحاء ونصب الدال)، ولا في إيديولوجيات المعاني المغلقة التي تشتغل على النص بآليات الشرح اللغوي أو المبحث الكلامي “العقلاني”، من أجل تدجين الناس، لتحقيق أهداف سياسية محضة.

وإذا كان بعض الباحثين العلمانيين العرب على وجه الخصوص، يحاولون بمناسبة وبغير مناسبة إضفاء الطابع التاريخاني على القرآن ليقيدوا معانيه بمرحلة التكوين زمن الرسول صلى الله عليه وآله، فان المهتمين بالدراسات المقارنة من المستشرقين الغربيين مثلا، قد تفوقوا عليهم في هذا الجانب، وتجاوزوهم بمراحل عندما خلصوا إلى أن النص القرآني، لا يهتم بمسألة الكرونولوجيا التاريخية كما هو الحال بالنسبة لباقي الكتب المقدسة التي كتبها الأحبار والكهنة..

ومرد ذلك في تقديرنا، أن نفس (بفتح النون والفاء) الله الأقدس حين تفجر في المدى اللامتناهي، تحول من رموز وإشارات نورانية، إلى كلمات وعبارات بشرية، لكنه لم يخضع بالمطلق من حيث الجوهر إلى سلطة الزمن الأفقي الكوني، ولا لمنطق الزمن التاريخي البشري السياسي والاجتماعي.. بمعني أن القرآن ليس بنص تاريخي يروي الأحداث ويستنطق الفاعلين فيها، لأن الله وحده هو خالق الانسان وصانع الأحداث والمؤثر فيها، أو بتعبير الصوفية: (الله هو الفاعل الوحيد في الوجود) أو كما ترجمه فلاسفة التاريخ: (الله هو الفاعل في التاريخ)، وذلك بدليل قوله تعالي: (والله خلقكم وما تعملون) الصافات: 96. وقوله سبحانه: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون) الأنبياء: 35، لأن الأفعال كلها من خلق الله وليس للإنسان إلا الكسب.

ولأن كلام الله هو كلام صامت كما يقول د. عبد الكريم شروس في كتابه “القبض والبسط النظري للشريعة”، فهو يعطي لكل من يستنطقه الجواب الشافي لمعالجة مشكلات الحاضر بقدر حدود السؤال وطاقة استيعاب السائل، الذي يفترض فيه ابتداء فهم الواقع وتعقيداته، قبل البحث له عن حلول ملائمة في كلام الله الحي الدائم، بدل الاكتفاء باستيرادها جاهزة من أفهام الأمم الغابرة لتلبيسها على حاضر مختلف ومغاير.

يقول تعالي في سورة البقرة، آية: 134: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون)، ونفس الآية تتكرر بحروفها ومفرداتها في الآية: 141 من نفس السورة، من باب التأكيد على خصوصية التجربة الآنية وأهمية المسؤولية الجماعية باعتبارها فرض كفاية كما يستشف من صيغة المخاطبين بالآية، أو المسؤولية الفردية باعتبارها فرض عين وفق ما يستفاد من سورة المدثر، الآية: 38 (كل نفس بما كسبت رهينة). وبذلك تكون الأعمال من خلق الله خيرا كانت أم شرا، ويكون الكسب للعبد في حدود حرية الاختيار الضيقة التي رسمت له، والتي يستحيل أن تخرج عن مشيئته تعالى: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) الانسان: 30. أو أن تتعارض مع إرادته سبحانه: (ذو العرش المجيد * فعال لما يريد) البروج: 15 – 16.

والقرآن باعتباره كلمات صادرة عن النفس الإلهي الأقدس، هو نص ينبض بالحياة، نص لا هو بقديم فيصنف في خانة التراث، ولا هو بمحدث فيقال عنه أنه معاصر، لأن القدم والحدوث صفتان لا تصحان في حق الله تعالى الذي لا يقاس وجوده أو علمه بزمن وهو الأزلي الأبدي الذي لا شيئ قبله ولا شيئ بعده ولا شيئ معه ولا وجود لشيئ من خارجه.

القرآن برزخ له وجهان، وجه لجهة الله من حيث القدم ووجه لجهة الخلق من حيث الحدوث، بالمفاهيم البشرية للزمن. أما بالنسبة لله تعالي، فلا وجود لزمن بمفهوم الماضي والمستقبل، هناك فقط “الآن”، أي الحاضر بمفهوم “المدى” اللامتناهي… وكل شيء منذ الأزل وإلى الأبد يحدث الآن.. من دون قبل ولا بعد، ومن دون تعاقب للحظات، وكل ذلك من غير “كيف؟” أو “لماذا؟” كما يقول ابن عربي، لأنها أسئلة مستعصية على الإدراك بالعقل البشري المجرد، ويهتدى إليها فقط بنور الله الخفي.

والقرآن نور مبين وهدي للعالمين، يؤكد واضعه بما لا يدع مجالا للشك، أنه هو سبحانه وتعالى من تكفل بجمعه و قرآنه و ببيانه: (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه و قرآنه * فإذا قراناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) القيامة: 16-17-18-19. ومفردة “ثم” في مبتدئ الآية الأخيرة، تعني الاسترخاء في الزمن، أي أن “المعني” سيتكفل الله ببيانه ولو بعد حين، لكن فقط من خلال المثابرة على قراءة القرآن والاجتهاد في تدبر آياته، باعتباره رسالة مفتوحة ومباشرة للعالمين إلى أن تبدل السماوات والأرض.

يقول ابن رشد في كتابه (الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة – ص: 69): “القرآن كله إنما هو دعاء إلى النظر والاعتبار وتنبيه على طرق النظر”. وبذلك، يكون المنهج الرباني الذي حثنا الله تعالي على إتباعه وفق مقولة ابن رشد هذه، يقوم على ثلاثية (القراءة و التدبر و العمل).. لأن التلاوة وحدها وإن كانت للتبرك وجلب الحسنات، فهي لا تكفي لحل معضلات الواقع، ولا تصنع مؤمنا قويا فاعلا ومؤثرا في محيطه..

لأن مسألة الفهم والتدرج في المعرفة الدينية وفق المنهج القرآني تبدأ بالحواس فتنتقل إلى العقل، لكنها بعد حين، تستقر في القلب الذي يمثل لب الإنسان وجوهره الذي اختاره الله ليمون عرشا له.. ولقد ورد في القرآن الكريم ذكر “القلب” بوصفه محلا لفعل “العقل” و “البصيرة”، قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد: 24. وقال كذلك: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الحج – آية 44.

وفي سياق نفس المعني، يخبرنا سبحانه بحقيقة قليلا ما ننتبه إليها: (فإنه نزله على قلبك بإذن الله) البقرة: 97. هذا القول مفاده أن المخاطب بالقرآن هو قلب الإنسان حيث عرش الرحمن: (خلقت السماوات والأرض فلم تسعني، و وسعني قلب عبدي) كما جاء في الحديث القدسي الذي خاطب فيه تعالى نبيه داود عليه السلام. والقلب هنا لم يأتي بالمعنى اللغوي الذي يفيد العضلة التي تضخ الدم في الشرايين، بل بمعناه الاصطلاحي الذي يفيد الجوهر اللطيفالذي هو لب الإنسان وكيانه الباطني (عقل و نفس وروح). وبهذا المعنى كذلك، ورد في الأثر عن الرسول (ص): “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” البخاري ج 1 ص 20.

وطبيعي والحال هذه، أن تختلف الأفهام والمعارف الدينية وفق مستوي المتقبل المعرفي، ومدى اجتهاد الإنسان، وقدرته على تذوق للتجربة الروحية، وتفاعله مع المعاني ظاهرها وباطنها على حد سواء: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) الزمر: 9. أي أن الذي يسبح فوق الماء، لا يمكنه أن يكتشف ما يوجد في الأعماق من كنوز المعاني… كما أنه لا يجب لسبب من الأسباب أن تدير للقرآن ظهرك فتجعله مهجورا… لأن الرسول صلى الله عليه وآله سيتبرأ أمام الله يوم القيامة ممن أدار ظهره لكلام الله في الحياة الدنيا، لقوله تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) الفرقان: 30.. وهي الآية التي عنونا بها هذا المبحث الخاص بمناسبة الشهر الفضيل.

لقد أرادك الرسول صلى الله عليه وآله أن تقرأ كلام الله المسطور ليساعدك في فهم كلامه المرسوم في صور هذا العالم الذي هو مجلى لكلمات الله الثابتة في علمه الأول.. وحيث أن القرآن هو كتاب الله المرقوم الذي يشمل آيات إعجازه في الكون والخلق من غيب وشهادة، ويعتبر بالتالي نور وهداية للعالمين، من حيث أنه حق مطلق بدليل قوله تعالى: (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا) الإسراء: 105، فان أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان في فهمه للحقيقة لا يعدو أن يكون فهما نسبيا يتساوق مع مستواه العلمي ومداركه المعرفية وتجاربه الروحية، واستعداده النفسي لتقبل ما فتح الله عليه من فهم. أو كما قال الإمام علي (ر): (إلا فهما يأتيه الله عبدا من عباده).. وبالتالي، فانه من الاستحالة ادعاء القدرة على تفسير القرآن أو تأويله من قبل كائن من كان، حتى لو اجتمع لذلك علماء الأرض جميعا، باعتراف رجال الدين المسيحيين والباحثين المستشرقين الذين فشلوا في ذلك فشلا ذريعا، وهذا هو عين الإعجاز، وليس الإعجاز يتعلق باللغة فحسب كما ادعى قديما فقهاء الرسوم.

وعلى سبيل المثال، فكتاب الله لم يأتي مقسما إلى أبواب وفصول، والمفسرون الذين خلصوا إلى أن كل سورة قرآنية على حدة، تشكل وحدة مستقلة لجهة المعنى العام الذي تطرحه، قد جانبوا الصواب فيما ذهبوا إليه، لأن تفكيك وتحليل معاني السور القرآنية وفق ترتيب النزول، لا يؤيد مثل هذا النوع من الاستنتاج.. فالسور التي نزلت في المرحلة المكية الأولى مثلا، تتمحور جميعها حول قضية واحدة هي البعث والحشر والقيامة، أي يوم الحساب والجزاء الذي يسميه القرآن بـ”يوم الدين”.. وهذا هو المعنى العام المشترك الذي تتناوله تلك السور، باعتباره الحقيقة الجوهرية الأولى التي ركز عليها النص المقدس في تلك الفترة المبكرة من الرسالة، بغض النظر عن السياقات المختلفة التي وردت في إطارها من باب دعم المعنى وإسناده..

كما أن تكرار الحديث عن الأنبياء والرسل بالاسم في أكثر من سورة ومناسبة، لم يكن الهدف منه التأريخ لمراحل معينة من قصة الحق والخلق، بل المحور الأساس الذي كانت تدور حوله الأحداث حصريا، هو التذكير بوحدة الحقيقة الدينية المتمثلة في الإسلام، وإقرار مبدأ الأحدية الإلهية وعقيدة التوحيد، برغم اختلاف الرسل وتنوع الرسالات، وذلك من خلال تبيان المعاني اللطيفة التي تفيض بها حقيقة “لا اله إلا الله” عبر مختلف المراحل البشرية، من نوح صعودا إلى محمد هبوطا مرورا بكل الرسل والأنبياء عليهم السلام جميعا، دون اهتمام لمسألة الكرونولوجيا التاريخية التي تبدو بلا قيمة تذكر من وجهة النظر القرآنية، اللهم باعتبارها مثلا يضرب للموعظة ليس إلا: (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين) النور آية 134. فما يهم بالنسبة للرسالة القرآنية، هو التجربة الدينية الآنية بالتحديد، الفردية والجماعية، لا تفاصيل التجارب التاريخية الدقيقة للأمم السابقة، كما أكد تعالى في سورة البقرة، من خلال الآية: 134 التي سبق ذكرها.

والفقهاء الذين زعموا قديما، القدرة على تفسير القرآن من منطلق تمكنهم من آليات اللغة، قد أخطئوا وأدخلوا الأمة نتيجة ذلك في إشكالات وتناقضات ومآزق حضارية وأخلاقية لم تستطع الخروج منها إلى يومنا هذا، بسبب خوضهم في اجتراح معاني غريبة بشروح عجيبة تزخر بها أمهات التفاسير، وشكلت وعي الأمة عبر مختلف العصور بما لا يتناسب مع حقيقة المفاهيم التي يطرحها القرآن نفسه.

لكننا لا ننكر بالمناسبة، انه بالنسبة للإنسان الذي يقرأ القرآن لأول مرة، سيلاحظ باستغراب، أنه أمام نص معقد، يبدو ظاهريا غير منظم، ويحتوي على الكثير من التكرار، كما أنه يفتقر إلى التسلسل والتناسق، وسيلاحظ كذلك الاختلاف على مستوي الأسلوب بين المكي والمدني، والتباين على مستوي المعاني، بل وأحيانا التضارب المتوهم على مستوي الارتباط العام ما بين مختلف سور الكتاب وآياته، وتداخل بعضها في البعض الآخر، ناهيك عن المضمون المشحون بالذكر والإرشاد، والوعد والوعيد، والعقاب والجزاء، والرحمة والغفران، ومقتضيات العبادة، وقوانين الأحكام، وذرر الحكم، ومسالك المعاملات، ومنهج الأخلاق، بالإضافة إلى قصص الأنبياء، وذكر الأولين من الأمم القديمة والحضارات البائدة للعبرة ولتأكيد أن سنن الله في الخلق لا تتبدل ولا تتغير لأنها من الثوابت..

لكن مع تكرار الإنسان لقراءة القرآن وتدبره لآياته ومفرداته، ينجلي عنه ضباب الجهل شيئا فشيئا، وتتكشف لبصيرته حجب الحقيقة، لتتبدي له مفاتن المعاني، عارية كجسد جميل مكشوف تحت أنوار مصابيح العرفان الباطني، مبددة عتمات الظلال الكامنة في القلب والعقل، فينتهي به المسير من دون أن يدري، من السير إلى الله الذي له نهاية تحين بلحظة اليقين عند الموت، إلى السير في الله بلا نهاية من خلال مغامرة المعرفة التي هي غاية الإنسان ومسعاه في الحياة..

إنه نظام المعاني في خضم ما يبدو أنه فوضي الجمل والكلمات.. ولعل أجمل ما قيل في القرآن، أنه فضاء معتم لا متناهي، تحاكي فيه الآيات النجوم المضيئة في قبة السماء، في ليل دامس الظلمة حالك القتامة، وهي كلها تشير إلى طريق الحقيقة، ومن لا يفقه قراءة مواقع النجوم سيضل الطريق، أو كما يقول الصوفية: “من لا يفقه الإشارة فلن تدله العبارة”.

السهم الناري
السهم الناري
المراقب العام
المراقب العام

ذكر
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى