مدينة سرت بين نارين

فى صورة غريبة تناقلتها بعض وسائل الإعلام مؤخرا بين الحدود الجغرافية بين مصراتة و سرت رأينا كيف أن المسلحين من كلا الطرفين اللذان تفصل بينهما بعضة عشرات الأمتار ينظرون إلى بعضهم البعض دون أن تُطلق رصاصة واحدة بينهما . يمكن أن تلاحظوا شيء مهم يحدث بين مختلف الفصائل الإسلامية المسلحة و فى مختلف مناطق الصراع فى ليبيا. عندما تكون هنالك " غنائم " مقتسمة بين الطرفين بالعدل على منطقة جغرافية متداخلة بينهما يكون هنالك سلم و سلام بينهما ، و عندما يتقدم طرف نحو منطقة الطرف الأخر يحدث الإقتتال و الصراع بينهما. أفضل مثال على ذلك بعيدا عن مدينة سرت هي مدينة درنة و ما جاورها ، ففى المدينة هناك صراع مستمر بين أنصار الشريعة و بين القاعدة و دخلت على الخط مؤخرا داعش .. ألم تطرحوا السؤال : من يمول هذا الصراع و كيف تتقاسم أطراف الصراع المال و السلاح و مناطق التواجد ..؟ ستجدون توافق و سلم أهلى بينهم فى مناطق معينة من المدينة عندما تقتضى مصلحة الأطراف المتصارعة ذلك و ستجدون حرب دروس بينهم فى مناطق أخرى عندما يحاول طرف التمدد على حساب الطرف الأخر . سؤال أخر عن مصنع الألبان بمدينة سرت : كيف يتم تسيير الإنتاج داخل هذا المصنع و من تم توزيع و تسويق المنتوج؟ كان من المفروض أن يكون هنالك حصار لمصادر تمويل داعش و هذا المصنع يُعتبر غنيمة لداعش بعد إستلاء التنظيم الإرهابى على المدينة و مع هذا نجد منتاجات هذا المصنع تصل إلى مدينة مصراتة و طرابلس بشكل شبه يومى . بمعنى أن القضية فى ليبيا تعدت ما يسمى الخلاف السياسى بين منتجات فبراير ، لتصبح قضية " فلوس" و الصراع أصبح صراع على تقاسم المال و المغانم قبل تقاسم السلطة . لاحظوا شيء أخر مهم بخصوص البنك المركزى الليبى ، فبعد أزمة المرتبات و نقص السيولة أصبح لزاما على طرفي الصراع على السلطة " برلمان طبرق و برلمان طرابلس " التوافق مبدئيا لأجل إطلاق مبارة ترضى الطرفين بعدما رفض الغرب رفع التجميد عن الأموال الليبية " التى سرقها و ما راح يشفوا فلس واحد " المبادرة تقتضى بنقل البنك المركزى إلى مدينة بنغازى حتى يتمكنا من تسيير أمورهما مؤقتا خلال فترة هذه الفوضى و بعد ذلك على ليبيا السلام . ملاحظة ينساها الأحرار تتعلق بالتوزيع المناطقى بين مختلف القبائل الليبية حتى يصبح هذا التوزيع بمثابة تقسيم المقسم ، فى العراق أصبح التقسيم على أساس
طائفى و إثنى واقع مفروض و المصيبة أنه أصبح واقع مقبول من طرف العراقيين فالأكراد مثلا مهما حاولت معهم يصرون على "كردية " مناطقهم فى الشمال و أهل الجنوب يصرون على " شيعية " مناطقهم و ها قد رأينا ما حدث مخرا فى الأنبار بسبب المحاصصة الطائفية . البداية كانت بمنطقة بنغازى و الزنتان فى بداية نكبة فبراير ، أي أنهم قاموا بزرع فكرة التقسيم فى العقول ثم جسدوها ميدانيا لتصبح كل منطقة تطالب بحقها فى الإستقلال الذاتى ، لنصل إلى حقيقة تحديرات المهندس سيف الإسلام القدافى سوف يتصارعون مستقبلا بعد التوزيع المناطقى حول عملية توزيع النفط الليبى فى ما بينهم ..؟ نعم .. هنالك ثلاثة مناطق قسمها الإستعمار الغربى " فزان و برقة و طرابلس " و لكن نحن أمام مخطط أخر للتقسيم أي تقسيم المقسم و لا أستثنى حتى مناطق القبائل الشريفة . نعود لمدينة سرت .. ما يُحضر لهذه المدينة الصامدة المجاهدة أكبر من مجرد مخطط سبق تجربته فى مدينة بنغازى أو مدينة حلب السورية أو مدينة الفلوجة العراقية ، هو مخطط يستهدف القلوب قبل العقول يستهدف الفكر " السرتاوى " فى العمق عملت عليه كبرى الإستخبارات الغربية لتصيب آهالى المدينة فى مقتل بعدما فشلت تجاربهم السابقة بخصوص هذه المدينة ، و المصيبة أن الناس لا تدرك المخطط و تكتفى بالمشاهدة أو المشاركة دون التصدى له ..؟ عندما يكون تفكيرنا أو هدفنا مشدودا فقط نحو فكرة و هدف الإنتقام فإننا نعطل الكثير من الصفات النفسية و العقلية و الأخلاقية فى ذواتنا و هذا ما يجب أن يفهمه آهالى مدينة سرت.

الغرب يضع الخطط والخونة عليهم التنفيد