الشهيد القائد أحمد الجعبري

التاريخ الأصيل... أحمد الجعبري.. رأس مقاومي غزة


لم يكن احمد خليل الجعبري اسما عابرا في التاريخ الفلسطيني منذ انطلاقته الى المقاومة قبل عشرين عاما أو أكثر وحتى اغتالته «إسرائيل» في أول أيام العدوان الغاشم الجاري على غزة.. فالجعبري هو قائد «صفقة الأحرار» هذه التسمية التي أزعجت «إسرائيل» كثيراً، فأسمته قائد أركان حماس، ووضعته على قائمة التصفية كأبرز الوجوه التي حان الوقت للتخلص منها حسبما تزعم، فنفذت بذلك مستخدمة طيارة أباتشي كانت قد أخفقت باغتياله سابقاً.
استهدفت «إسرائيل» الجعبري في السادس عشر من هذا الشهر الجاري، ففتحت بوابات صواريخ المقاومة ضدها فطالت هذه الصواريخ تل أبيب وأجبرت قيادة الاحتلال على إعلان النفير العام والاختباء في الملاجئ، وإدارة العدوان الجديد من المخابئ الإستراتيجية، هو الجعبري مجدداً لا يدع «إسرائيل» قريرة العين وهو على قيد الحياة ولا بعد استشهاده .
أعلنت الحرب مجددا على غزة، لكن التوقيت الجديد ليس كما تشتهي «إسرائيل»، استنفرت فصائل المقاومة إلى أقصى الحدود ورددت عبارة الجعبري الشهيرة (مادام الصهاينة يحتلون فلسطين فليس لهم سوى الموت أو الرحيل). زلزل استشهاد الجعبري غزة التي لجأ إليها صغيراً مع عائلته وتربى بشرقها بمخيم الشجاعية وتسلم قيادة كتائب القسام فيها أيضاً مودعاً قسماً من أصدقائه إلى الموت أو الأسر. و زلزل استشهاده أيضاً «إسرائيل» التي لم يتسن لها الوقت للاحتفال (بإنجازها) لأن صواريخ المقاومين أجبرت الإسرائيليين على النزول إلى تحت الأرض.
حظي الجعبري بشهرته الواسعة منذ أيام فقط، أي بعد استشهاده لتتوضح مكانة الرجل الحقيقية هو القائد الأقوى في حركة المقاومة، ترددت سيرته على كل الوسائل الإعلامية بعد أن كان نادر الظهور أو التصريحات، كان مفتاح تحرير آلاف الأسرى في الصفقة الأخيرة للتبادل مع« إسرائيل» والتي عرفت بصفقة شاليط.. الجندي الإسرائيلي الذي أسرته المقاومة عام 2006.
مهندس الصفقة كان الجعبري ولعل صورته وهو يرافق شاليط في لحظة الإفراج عنه صورة توضحت فيها ملامح الرجل بشكل قوي، ملامح رجل قوي يمسك رهينته بقوة ليعطي الإشارة النهائية لتسليمها. ونقلت كل الوسائل الإعلامية تلك الصورة القوية للرجل والمذلة لـ «إسرائيل» باعترافها. ظهر الجعبري وهو يتأبط ذراع شاليط رافضا تسليمه للوسيط المصري قبل التأكد من إطلاق سراح الدفعة الأولى من الأسرى حسب الاتفاقية التي انتظرت خمسة أعوام حتى تمت وفقا لمعايير المقاومة .
وصفت الصحف الإسرائيلية تلك اللحظة بالمذلة وبأنها تمريغ لأنف شاليط بالتراب ومن خلفه انف «إسرائيل» أيضاً.
عندما اتهمت بعض القيادات في حماس بالابتعاد عن الخط المقاوم، أكد الجعبري أن كتائب القسام لا تزال ضاغطة على الزناد وهدفها تحرير فلسطين كل فلسطين وعلى رأسها القدس الشريف وقال: إن عيوننا تتجه دوماً نحو الأقصى والقدس لا تنحصر بغزة فقط.
الجعبري نفسه كما يقول مقربون منه والذين يسمونه أبو محمد الاسم المفضل لديهم للرجل كان الشخص الذي اسر شاليط حياً وكان تحت إشرافه طوال السنوات التي كان فيها تحت الأسر .
ازدادت أسهم الرجل الشعبية داخل صفوف الفلسطينيين فكان المقاوم الذكي الذي تمكن من تحرير آلاف الأسرى، وهنا ازدادت رغبة «إسرائيل» بتصفيته، وتمكنت من ذلك بعد ثماني سنوات على المحاولة الأولى وبين المحاولتين قتلت ابن الجعبري البكر محمد وشقيقه وعددا كبيرا من أقربائه .
بدايته كانت مع فتح، حيث اعتقلته «إسرائيل» بداية الثمانينيات، بقي 13 عاما في الأسر كانت تهمته المشاركة في عمليه فدائية ضد الاحتلال .خلال هذه الأعوام تعلم العبرية وأتقنها بشكل جيد، وتوثقت علاقته آنذاك مع عبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب و نزار الريان وإبراهيم المقادمة وصلاح شحادة ومن خلال الأخير انتقل الجعبري إلى كتائب القسام .
البداية كانت بإدارته مؤسسة لرعاية الأسرى.
اعتقل الجعبري مرة ثانية من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية وعام 2000 أفرج عنه، وبعد هذا التاريخ انخرط تماماً في العمل العسكري للمقاومة .
تحول الجعبري بعد عام 2003 إلى القائد الفعلي لكتائب القسام، وساهمت عدة عوامل بذلك أهمها محاولة «إسرائيل» اغتيال محمد ضيف الذي لم يمت لكن أصيب بشلل تام منعه من مواصلة عمله وهنا كان الجعبري الاسم الأبرز لهذه المرحلة فتولى قيادة القسام كنائب لضيف لكن فعليا كان هو القائد الأول، طور عمل كتائب القسام بتحويلها إلى قوة قتالية كبيرة فضلا عن امتلاكها أسلحة متنوعة بعضها يصنع محلياً.
في سجل الجعبري سلسلة من العمليات النوعية ضد الاحتلال منذ عام 2005 أي قبل انسحابه من قطاع غزة، وكذلك التصدي للعدوان الإسرائيلي على غزة نهاية 2007 بداية 2008 فضلا عن كونه العقل المدبر لأسر شاليط.
استشهد الجعبري وتابعت كتائبه العمل الذي بدأه وبرهنت على أن تعب السنين لم يذهب سدى فدكت المستوطنات الإسرائيلية بصواريخها ولا تزال انتقاما للشهيد القائد ولكل الأبرياء الفلسطينيين، ولإثبات أن نهج المقاومة مستمر مادامت «إسرائيل» تحتل الأرض الفلسطينية.
قد تبدأ عملية الفرز اليوم بعد استشهاد الجعبري فيتضح من هم المقاومون الصالحون الممسكون بالقضية حتى الرمق الأخير، ومن هم التجار الذين يسعون للكسب غير الحلال عبر ارتداء عباءة المقاومة.