الممرات الآمنة حصان طروادة الذي لن تقبله موسكو ... جنيف معركة الإرادات

علي مخلوف
تنُصب كاميرات الإعلام كمنصات صاروخية على أرض المعركة التفاوضية، وتتحول جنيف إلى مكان لحشد التشكيلات الدبلوماسية، بذلات وربطات عنق وحقائب مدججة بأوراق فيها بنود ومطالبات وشروط، يدخل بشار الجعفري رئيس وفد الحكومة السورية واثق الخطوة موزعاً ابتسامات هادئة رصينة إلى الكاميرات التي تلاحقه، فريق دمشق التفاوضي متماسك ومنظم ومرجعيته الشرعية تدعمه وتشرف عليه، أما على المقلب الآخر هناك حديث آخر.

جهد بعض أعضاء الوفود المعارضة على إخفاء حراشفهم الوهابية ببذلات فاخرة وربطات عنق مستعارة، وعلى الرغم من كل الاستعراضات التي قاموا بها إلا أن ذلك لم يخفي كل ضجيج العواصم الغربية والإقليمية المؤنبة لهم قبل ذهابهم إلى المؤتمر، وفد للرياض وأخر سُسمي بوفد موسكو، فضلاً عن وجود شخصيات متنافرة فيه بعضهم دُعي كشخص مستقل وأخرون بحسب التنظيم أو التشكيل الذي ينتمون إليه. التشرذم والتخبط سبق بدء المفاوضات، أناس أرادوا مقاطعة المؤتمر، وآخرون ترددوا، وصل البعض في وقتهم، فيما تم الحديث عن وصول آخرين في اليوم التالي، أما حول التصريحات والبيانات المعارضة السابقة لعقد المؤتمر فقد كانت أشبه بأصوات أمعاء خاوية، تشديد على عدم التهاون بمقررات جنيف1 ، فضلاً عن مطالبات أخرى أخذت الطابع "الإنساني".

وفي أول ردود الفعل الرسمية حول ذهاب وفد "المعارضات" إلى جنيف، أعربت "الرياض" عن تأييدها لقرار ما تُسمى بـالهيئة التفاوضية العليا لقوى المعارضة بالمشاركة في المفاوضات ، كذلك فقد رحبت واشنطن بتلك المشاركة، علماً بأن واشنطن دعت المعارضة في وقت سابق إلى المشاركة في "جنيف 3" دون شروط مسبقة، الأمر الذي أثار حنق الكثير من المعارضين، وقتها وصف هؤلاء موقف الحليف الأمريكي بالمتغير الخطير تجاه الملف السوري.

أكثر ما تم الحديث عنه هو ضرورة إطلاق المعتقلين وإقامة ممرات إنسانية وإيصال المساعدات للكثير من المناطق، إضافةً لوقف الغارات الجوية، ووقف استهداف المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، وما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر بأنه أمام وفد الهيئة العليا للمعارضة وفصائل المعارضة المختلفة في سوريا فرصة تاريخية للذهاب إلى جنيف وعرض الوسائل الملموسة لتطبيق وقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية وإجراءات أخرى كفيلة بإعادة خلق الثقة، دليل على أن هناك تفاهم أمريكي مع روسيا بإمكانية مناقشة تلك الطلبات وإيصال ذلك إلى دمشق عبر موسكو، مقابل عدم طرح أي شروط تعجيزية أو عنيدة لا سيما المسألة المتعلقة بالقيادة السورية وطبيعة الحكومة الانتقالية والصلاحيات لاحقاً، وفعلاً لم نسمع من وفد المعارضات شيئاً يُذكر عن مسائل التنحي والمرحلة الانتقالية على الأقل ليس كما كنا نسمعها في السابق!. وفيما يتعلق بوفد المعارضة فإن الصورة كالتالية: أحدهم رئيس ما تُسمى بالهيئة العليا للتفاوض وآخر هو رئيس الوفد المفاوض وثالث نائبه والرابع كبير المفاوضين، الموفدين الثلاثة " رياض نعسان آغا، وسالم المسلط، ومنذر ماخوس" ليسوا بصفة مفاوضين! وهم وصلوا في اليوم الأول إلى جنيف!

أما اليوم التالي فسيتوجه الفار رياض حجاب بصفته رئيس الهيئة! لكل من هؤلاء في الوفد صفة هي أشبه بلقب فخري أو جائزة ترضية على مايبدو، فمن المعروض أ، لكل وفد رسمي رئيس ونائب وناطق رسمي، لكن فينما يتعلق بوفد المعارضة فالوضع مختلف تماماً، دوماً التخبط والشرذمة هي صفة ملازمة لهم ، ألقاب كثيرة ضمن الوفد المعارض حتى بات المتابع لهذا الملف شبه ضائع من كثرة أسمائهم وألقابهم في الوفد! ماذا يعني أن يُسمى رياض حجاب رئيساً للهيئة العليا للمفاوضات ويكون علوش بصفة كبير للمفاوضين في ذات الوقت؟! ما معنى رئيس الوفد إذاً؟! إن كانت بداية وفد الـ "المعارضة" هكذا فماذا سينُتظر منهم في المرحلة القادمة إذاً؟ في مقال سابق قلنا بأن المفاوضات قد تكون فقط لمجرد كسب الوقت، لعدة أسباب أولها أن التشرذم لا زال سائداً بين تلك المعارضات، وثانيها ارتباط تلك المعارضات بعواصم إقليمية وغربية لكل منها أجندتها الخاصة بالرغم من اشتراكها في هدف واحد وهو القضاء على الدولة السورية، فمثلاً حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي هو جزء من الحراك السياسي والميداني في سوريا سواءً أعجب ذلك البعض أم لا، والأكراد بشكل عام هم مكون هام وأصيل من النسيج السوري المتعدد، واستبعاده "بطلب تركي" يعني سبباً من أسباب الفشل لاحقاً، وقيسوا على ذلك، كل عاصمة تريد صبيانها وإقصاء من ترى فيهم تهديداً لمصالحها كما هو الحال بالنسبة لأنقرة مع الأكراد!.

وقف الغارات الجوية وإطلاق سراح المعتقلين وإقامة ممرات آمنة شيء يمكن للحكومة السورية ان تفاوض عليه مع بعض التحفظات، وباعتراف روسي، لأن مسألة تلك الممرات باتت أشبه بحصان طراودة للإرهاب، يؤكد ذلك آخر التصريحات الروسية التي قالت بأنه من السذاجة أن يعتقد أحد بأن تركيا تريد منع تدفق الإرهابيين إلى سوريا، فإن كانت تلك وجهة النظر الروسية، بالتالي ستكون موسكو متشددة حيال مسألة الممرات الآمنة الإنسانية والإشراف عليها منعاً لاستخدامها كممرات لتهريب الإرهابيين وأسلحتهم.

أما بخصوص الغارات فإن الروسي متشدد حيالها، لأنه أعلن مراراً وتكراراً بأنه يستهدف المجاميع الإرهابية فقط، والمطالبة بوقف تلك الغارات يعني بحسب الفهم الروسي وقف استهداف الأهداف الإرهابية، وهو أمر لن يقبل به الكرملين أبداً.
عربي برس