الناس لم يعودوا يتحدثون عن الأبراج والإعمار وناطحات السحاب والرواتب العالية . أصبحت الأحلام

الناس لم يعودوا يتحدثون عن الأبراج والإعمار وناطحات السحاب والرواتب العالية .
أصبحت الأحلام في الحصول على المرتب المتأخر . تريد أمان لأبنائها من الخطف . تتسول في الشارع للحصول على رغيف الخبز . أصبحت تبحث عن علبة دواء غير منتهية الصلاحية . وعن سلع تموينية غير مسرطنة وغير مهربة . وعن إبرة تطعيم لأطفالها . وعن كشف طبي بسيط بأدوات غير ملوثة . وعن مدرسة بدون رصاص ومخدرات وكتب صفراء . وعن أمن من إرهاب يقطع الرؤوس .
لم يعودوا يهتمون بهوية الطيران المجهول . ولا وجود مجموعات أجنبية أمنية في الفنادق وبعض الفيلات . ولا حكومة وصاية أو حتى بريمر من عواصم الضباب يحكمهم .
رجل مسن يبكي أمام مصرف . عجوز تتسول في الشارع . طفل يبيع مناديل على الطريق . فتيات يقرأن ربع القرأن قبل أن يضعن إحدى أقدامهن خارج عتبة المنزل . شباب أحترفوا السرقة والنصب للحصول على رصيد هاتف أو علبة سجائر . وأخرين ضاعوا في ضباب الزندقة والمخدرات والدعارة . وجيل يضيع بعيدا عن مقاعد العلم والإبداع والتقدم .
مئات المليشيات بل ألاف يتجولون بينما الناس يموتون من الجوع والقهر والألم والخوف .
هل تتوقع أنها سهلة على رجل تجاوز السبعين يرفع لافتة أمام البشر ليقول أريد خبز صغاري . هل تدرك كم مات مرة وكم تمزق قلبه مرة وكم حبس دمعه مرة لكي يتجرأ على هذا الفعل ؟
هل تظن أنها غير قاتلة على عجوز تمد يدها أمام مسجد لإطعام أبنائها . هل تدرك كم ذرفت الدموع في غفلة من صغارها . وكم توسلت لله في الثلث الأخير من الليل . وكم أعتصرت قلبها قهرا لكي تتجرأ على هذا الفعل ؟
هل تعتقد أنها ليست مدمرة أن ترتجف فتاة وهي تعبر الشارع خوفا من مخمور أو منحرف ملثم يخطفها . هل تدرك كم تحطمت أحلامها . وكم أرتجف قلبها . وكم أسودت الدنيا في عينيها . وهي بين الشارع والشارع ؟
هل تتوقع أنها لاتترك أثرها أن يضطر طفل لترك مقعد الدراسة ويستبدل الضحكة البريئة بدموع المهانة وهو يستجدي المارين ليشترون منه علبة مناديل . هل تدرك كم أنهالت دموعه وحيدا كم أحتاج لحضن دافئ في صقيع الشوارع كم حلم بلعبة رأها ولم يستطيع إمتلاكها ؟
هل تملك عقل . هل لك ضمير . هل في جوفك قلب . هل تمعنت في الصورة هل تدبرت في الواقع هل فكرت في القادم هل وضعت الله والأخرة والحساب أمام عينيك ؟
التاغية مات . والمباركة حققت أهدافها . والثورة أبهرت العالم . والثوار الحقيقيين غيروا التاريخ . وأرفع راسك فوق . والأزلام ماتوا وسجنوا وهجروا ... والنتيجة أمامك بعيدا عن مسكنات الكذب والخداع .
ثلاث حكومات . وألاف المليشيات . وسلاح وذهب وأموال . وزيارات وصفقات وإجتماعات وبيانات . وقنوات وصحف ونشطاء . والجميع يبدأ بإسم الله وينتهي بحديث الوطن . بينما الواقع أكوام من الخيبات والنكسات والقمامة .
متى ستعرف أنك جزء من المؤامرة بعلم أو بغيره . متي ستعرف أنك غارق في الضلالة بعلم أو بغيره . متى ستعرف أنك تحمل راية الظلم والدموع والموت بعلم أو بغيره . متى ستعرف أنك تحمل على أكتافك كل تلك الكبائر والدماء والأرواح ؟
الفارس________________الليبي