العقيد يرقد على فراش المرض . =================

مازالت اتذكر ذلك اليوم فلقد استيقظت باكراً لصلاة الفجر وعادة ما اعود الي النوم بعدها ولكن في ذلك الصباح شعرت بأن الليل لم ينجلْ والصباح لن يشرق ، لا اعرف سبب تلك المشاعر ولكن كما يقال للأحزان اجراس تدق في نفوس البشر لتعلن عن قرب موعد زيارتها .

ارتديت ملابسي وذهبت الي المكتب كنت انتظر ان يرن الهاتف الذي يحمل الخبر السيء كنت اتربص به في كل مرة يرن فيها كما يتربص القط بالفار لحظة خروجه من مخبئه .

لم اسمع حتي الظهيرة اخبار سيئة فقررت ان ابحث عنها بنفسي من خلال الاتصال بكل الجهات والمؤسسات التي تأتي منها في العادة الاخبار السيئة .

توقفت عند خبر عادي كان بالنسبة اليّ لو لم أكن انا في حالة مضطربة كالتي اعيشها منذ الصباح .

الخبر يقول ان احمد رمضان اتصل يسأل عن اكثر من دكتور عند الفجر وتكرر اتصاله اكثر من مرة ، هنا بدأت أشعر بأن الفار الذي انتظره ربما بدأ يتهيأ للخروج من حفـرته ، على الفور اتصلت بعبدالله السنوسي وهو في العادة يرد على كل الاتصالات الواردة اليه ولكنه ذلك اليوم لم يرد علي وعندما طلبت مدير مكتبه قال انه لم يتصل به منذ الامس .

طبعا لم يعد هناك حل سوى الاتصال بأحمد رمضان نفسه فالقلق وصل لدي لمستوي من الصعب مقاومته ، لكن بدالة القيادة اخبروني ان احمد مشغول وسنبلغه بأتصالك فيما بعد .

قفلت كل الابواب وسيطر عليّ قلق عميق فخرجت من المكتب وانا لا ارئ شيء ، اسير في ظلام دامس فكل الشكوك التي غرستها في نفسي كالسكاكين تذبحني بلا شفقة ولا رحمة .

عندما عدت الي البيت طلبت من العاملين معي ان يبقوا في مكاتبهم وان يتابعوا كل صغيرة وكبيرة في مؤسسات الدولة وخصوصاً مكاتب المطار ،

كما توقعت في الساعة الخامسة مساء ابلغت بأن عبدالله السنوسي حضر الي مطار امعيتيقة لإستقبال طائرة قادمة من المانيا على متنها عدد من الاطباء .

هنا اكتملت الصورة بالنسبة لي وقلت بالتأكيد ان هناك شخص من العائلة مريض وعلى الاغلب انه العقيد .

جلست في المساء بالمكتب ولم اغادره كنت اتوقع ان يأتي اتصال من القيادة في اي وقت .

الواحدة صباحاً رن جرس الهاتف وكان صوت احمد رمضان بالكاد يسمع وقال بهدوء وحزن تعال الينا الان واققل سماعة الهاتف .

طلبت من السائق ان يتجه فورا الي القيادة وطيلة الطريق وانا افكر في ما رواه هيكل عندما ابلغه سامي شرف بأن يحضر الي منشية البكري لان الرئيس جمال عبدالناصر مريض ، اختلطت لدي الصورة السوداء التي سردها هيكل عن الواقعة مع النهاية الماسأوية لتلك الليلة الحزينة في تاريخ الامة العربية .

وصلت وجدت احمد رمضان وقد تمكن منه القلق واليأس وقبل ان اصافحه سالته اين عبدالله قال لي انه مع القائد قلت له لا تقول لي بالله عليك ان القائد مريض قال نعم انه مريض منذ الامس ولم يستيقظ حتي الان الا لبعض الوقت ، جلست في مكاني لقد كانت الاجابة صاعقة لو نزلت على غابة من الاشجار لجعلت منها هباءاً منثوراً ،

سألته ممن يعاني ؟ ماذا قال الاطباء ؟ منذ متي حدث هذا وكيف ؟ كنت اعرف ان احمد ليس مستعد لسماع هذه الاسئلة وليس لديه حتي وقت للأجابة عنها ولكنه اجابني بأختصار انتظر سيعقد اجتماع بعد ساعة ستعرف فيه كل شي ؟

بعد ساعة ونصف احتسيت فيها عشرة فنجانين من القهوة جاء عبدالله السنوسي يحمل في يده ظرف مغلق على ما يبدو ان به بعض التحليل الطبية وصافحني بدون كلام وصافحته وانا انظر اليه على أمل ان يقول ان هذا الكابوس قد انتهي .

عندما دخلنا الاجتماع وكنا عدد بسيط جداً وافتتح عبدالله الاجتماع بكثير من التفاؤل وان الاطباء لم يجدوا شي في التحاليل الطبية يدعو الي الخوف على صحة القائد وان رسم التخطيط لقلبه كان ممتاز جداً والاطباء يقومون بواجبهم على خير مايرام .

وأردف قائلا عموما نحن في دولة ويجب ان نأخذ كل احتياطاتنا لمواجهة اي تطور سيء لا قدر الله في صحـة القائد .

نطقت ببعض الكلمات لا اعرف كيف خرجت مني ولكن ما اذكره منها انني قلت ان القائد كان في زيارة الي افريقيا هل من الممكن انه تعرض لعدوة بفيروس هناك ؟

رد عبدالله لو كانت عدوة لفيروس لظهرت في نتائج التحليل ، قلت وماذا تناول القائد هناك هل سأل احدكم الخدمات ؟ هناك انواع من السموم لا تظهر في نتائج التحليلات الطبية ، رد احد الحاضرين لو سمحت يكفيك من التوقعات نحن لا قدرة لنا على سماعها فما بالك بنقاشها في اجتماع .

احد الحاضرين تشجع وقال هل يعقل ان يكون القائد مسحور والسحر موجود في القرأن الكريم والنبي صلي الله عليه وسلم سحره اليهود ، قلت لك دعك من الاكاذيب النبي لم يسحر لانه لا ينطق عن الهوي وكلامك هذا سيقودنا من البحث عن حلول الي البحث عن شيوخ للدجل في هذا الوقت المتأخر من الليل ومن هو المشعوذ الذي تذهب اليه وتقول له انك مسحور ويقول لك لا ؟

اتفقنا في نهاية الاجتماع على ان ترفع حالة الطوارئ في الغد وان نجلس مع سيف الاسلام لمناقشته في كافة الترتيبات التي يمكن ان نلجأ اليها في مثل هذه الحالات ، وعلى كل حال بدأت اشعر مع نهاية ذلك الاجتماع بأن الكثير من الهواجس قد غادرتني وان الامور مهما كانت سيئة فإنها لن تفقدنا القائد ولن تسقط من بين ايدينا هذا الوطن الذي يعج بالرجال .

في النهاية ونحن نغادر سألنا السنوسي هل يمكن لنا ان نري القائد الان ؟

فرد الوقت متأخر في الغد سوف يمكنكم رؤيته وبأذن الله سيكون بخير .

رجعت الي البيت وانا اشعر بأن هذه الليلة اطول من ليلة سقوط غرناطـة وان الظلام يتعمد ان يطول لمجرد ان يستمتع بعذابنا ، امام البيت اخبرني السائق اننا وصلنا فقلت له اطفئ محرك السيارة انا سوف انام هنا على المقعد بجانبك هذا اذا استطاعت ان انام اصلا .

طيلة ثلاثة ساعات ونصف من الزمن وانا اتقلب وانظر لعقارب ساعة تأبي ان تتحرك الي الامام وحال السائق يقول ان هذا الرجل قد فقد عقله الليلة فهو ينام امام بيته في سيارته ،

عندما بدأ تلاميذ المدارس يذهبون الي مدارسهم وبدأت خيوط النور تطرد الظلام دخلت الي بيتي لكي انام وماهي الا غفوة من القلق تلقيت بعدها اجمل اتصال في حياتي عبدالله السنوسي يضحك ويقول لي تعال الفطور مع القائد نحن في انتظارك ، شعرت عندها ان كل شيء جميل في هذه الدنيا قد اختصره عبدالله في جملة واحدة

وعلى الفور توجهت الي القيادة حيث كان ينتظرنا لقاء مع رجل استقبلنا بأبتسامـة اعادت فينا الحياة من جديد وهو يقول لا تخافوا فأنا لا اموت على فراش المرض لقد صـدق فعلا فمثله لا يقتله المرض على فراش ، فلا نامت اعين الجبناء.

#الموسيقار_الموسيقار
ربما تحتوي الصورة على: ‏3‏ أشخاص ، ‏أشخاص يقفون‏

رحمك الله يا شهيد العروبة