رسالة إلى الحرية
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
رسالة إلى الحرية
غانية الوناس - الجزائر
رسالة إلى الحرية
رسالة إلى الحرية: مغادرة إلى متى؟
كانت بالنسبة لنا كل شيء. كانت لنا نبض الحيـاة .لكنهـا غادرتنا. رحلت، فاستوطن فينا الخوف. بعدها لم نعد نتنفس.
ضعي حقائبكِ جانباً وتمهّلي بعض الشيء، أيّتها المغادرة فينا دون رجوع، تمهّلي فحديثي معكِ اليوم سوف يطول، فاجّلي رحيلكِ قليلاً واسمعيني، ففي نفسي ما في نفوس من تعرفين جميعاً، ممن سوف يفتقدونكِ في حياتهم منذ اليوم، وسيصبحون بعدكِ تائهين، ضائعين، يبحثون فيما ستخلفينَ وراءكِ عن أملٍ يعزّيهم في فقدانكِ، وأنتِ التي كنتِ لهم كلّ الأمل الّذي يرجُون، وكلّ المستقبل الذي ينتظرون بشغفِ الصغار وفضولِ الكبار.
كنتِ لهم ملاذاً آمناً متى احتاجُوا إليه وجدوه، حيث أمالوا وجوههم، وملجأً مطمئناً، يمسحُ عنهم تعبَ الأيّام الصعبة وعرقَ السنواتِ الضائعةِ بين البحثِ والتفكير.
ما بالكِ أيّتها المغادرةُ، تمضين وتتركين كلّ هؤلاء مشدودين إلى بريقكِ الآسرِ الذي استطعمُوهُ بوجودكِ، معلَّقين بذاتكِ، وأنتِ السّاكنة بين أهدابهم حلماً بريئاً براءة الطفولة والصّبا، أنتِ السّاكنة في عقولهم قبل قلوبهم المتألّمة تلك، ما بالُكِ لا تحفلين بكلّ هذه الجّموع تهتفُ باسمكِ أبداً؟ وتحملكِ شعاراً يُنير حياتهم المرهقةَ والمنهكةَ، ودليلاً يأخذُ بأيديهم إلى حيثُ الآتي دُون خوفٍ أو فزعٍ منه.
أيُّ حياةٍ سوف تغدُو حياتهم بعدكِ، وأنتِ بوصلةُ النّور فيها سترحلين، وتُطفئين برحيلكِ ضوءَ الشّمعة الأخيرِ في مسارِ وجُودهم؟
اعرفُ شعوركِ وأنتِ على وشكِ الذهاب، واعرفُ أكثرَ شعورهم وهُمْ على وشكِ النّهاية، اجلْ يَا سيّدتِي هي النّهايةُ لهم ولي، ولكلّ من سوف يفتقدكِ بعد رحيلكِ اليوم،
اعرفُ شعوركِ وأنتِ ذاهبةٌ، واعرفُ انّكِ راحلةٌ دون رغبةٍ منكِ ولا رغبةٍ منّا، أنتِ مضطرةٌ لذلك أمرٌ أعرفه تماماً، وأُدركه أيّما إدراكٍ، لكنّكِ مَا قاومتِ هذه المرّة، ولا حاولتِ الصّمود في وجهِ من يُجبرونكِ على الرّحيل من بيننا، أخانتكِ شجاعتكِ المعهودةُ فيكِ؟ أم أنّهم حاصروكِ فينا فما وجدتِ مفرّاً من الهروب؟
ما هذه طبيعتكِ الصّلبة التي عرفناكِ بها ؟ فمنكِ أنتِ كنّا نكتسبُ قوّتنا، ومنكِ أنتِ كنّا نصوغُ أشعارنا، ونكتبُ قصائدَ نصرنا وعزّنا، ونطمحُ ونأملُ ذات يومٍ، أو ذات عامٍ، أو ذات جيلٍ أن نهديكِ نصراً نهائيًّا، ونتوجكِ أميرةً لا بلْ ملكةً علينا ونحن الذين سئمنا حكمَ المماليكِ فينا.
كنّا نتوقُ أن نحققكِ واقعاً ملموساً نتلّمسه بأيدينا على دربٍ يوصلنا حدّ المواطنة السائدة، حدّ الوجود الحقيقي في وطنٍ حقيقي ليس بوهم، يوصلنا حدّ الشعور بانتمائنا الفعلي إلى هذا التراب المغلف بالأسى، هذا الذي مازالتْ رائحته باقيةً فيه منذ عقود، بالرغم مما يفعله المشوهون فيه، مازالتْ كما كانت منذ أيام كنتِ بينهم مقيمةً دائمةً.
أنتِ اليوم لستِ مغادرةً من مجرد شبرٍ أو بضعِ خطواتٍ، لا أنتِ إذْ ترحلين اليوم تغادرين من البحر إلى البحر، من النّهر إلى النّهر، من الفلاة إلى الجبل!
تغادرين حتى من أماكن لطالما حسبناها مشبعةً بكِ حدّ الثّمالة، نائيةً عن أعدائكِ، تتنفسُ هواءً نقيّاً، تشربُ ماءً عذباً، وتأكلُ خبزاً ساخناً، وفي آخر الليل تنامُ والنّجوم فوقها تنظرها، وترقبها بعين الحارس الأمين، هكذا كنّا نحسبُ أوطاننا مسكونةً بأطيافكِ حقيقةً لاَ خيالاً، لكننا فتحنا أعيننا لنراها اليوم غريبةً كلّها، مهجورةً، قاحلةً كلها، مجردةً منكِ، تلفظكِ كأنفاسٍ أخيرةٍ، وتتصاعد كروحٍ تغادر جسداً منهكاً أتعبه المرض، وأقعده الفراش غصباً، فلا هو عولج وشفي، ولا هو مات فأراح واستراح.
هو الواقع المؤسف الذي يطبع صفحاتِ هذه المسافات المقسّمة بألوانٍ وأطيافٍ وأحزابٍ وأعلامٍ، وحتى بأسماء أيضاً، ولا ادري حقاً أيّ أشياءٍ سوف تُضافُ إلى تلك القائمة القاتمةِ، المفتوحة مستقبلاً.
تعبتُ يا سيّدتي وأنا أحدّثكِ، وأنتِ ما أزحتِ يديكِ عن حقائبكِ لحظةً، كمن يستعجلُ الذّهاب، لاَ بلْ ازداد إصراركِ أكثر على الرّحيل، لا باس أيّتها المغادرةُ، فقد أنهيتُ كلامي وانتهيت، قد قلتُ كلّ الذي عندي وأفرغتُ ما في نفسي وقلبي، ولكِ الآن أن تذهبي إن أردتِ، إن كنتِ لن تقولي شيئاً، لكِ أن تغادري يا سيّدتي، فلقد آن أوان ذهابكِ أيّتها الحرّية.
بيت الصمود- عضو فعال
-
عدد المساهمات : 2494
نقاط : 4934
تاريخ التسجيل : 06/05/2013
رد: رسالة إلى الحرية
سترجع ان شاء الله بتضحيات المقاومين ويحلو لها المقام في احضانهم فتستقر
شكرا بنت الصمود
شكرا بنت الصمود
عبد الله ضراب- شاعر المنتدى
-
عدد المساهمات : 2124
نقاط : 5367
تاريخ التسجيل : 11/06/2013
رد: رسالة إلى الحرية
مشكور أخي بانتظار المزيد منك
فارسة الصحراء- مشرفة المنتديات العامة
-
عدد المساهمات : 230
نقاط : 894
تاريخ التسجيل : 15/05/2013
مواضيع مماثلة
» يازنتان يازنتان ..الحرية لسيف الاسلام رسالة من اهلنا في الشرق
» مانديلا من أكبر إرهابي إلي "رمز الحرية"..هل يتكرر السيناريو مع "مرسي" ؟ شاهد المحتوى الأصلي علي بوابة الفجر الاليكترونية - مانديلا من أكبر إرهابي إلي "رمز الحرية"..هل يتكرر السيناريو مع "مرسي" ؟
» الحرية الجرذانية
» حقيقة الحرية
» نسائم الحرية
» مانديلا من أكبر إرهابي إلي "رمز الحرية"..هل يتكرر السيناريو مع "مرسي" ؟ شاهد المحتوى الأصلي علي بوابة الفجر الاليكترونية - مانديلا من أكبر إرهابي إلي "رمز الحرية"..هل يتكرر السيناريو مع "مرسي" ؟
» الحرية الجرذانية
» حقيقة الحرية
» نسائم الحرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 10:36 pm من طرف larbi
» جنائية الدولية تصدر أمري اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
أمس في 4:06 pm من طرف larbi
» الى فرسان اليمن
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:52 pm من طرف larbi
» كلمة مندوب الجزائر في مجلس الأمن بعد الفيتو الأميركي ضد قرار وقف الحرب على غزة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:34 pm من طرف larbi
» كلمة الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:32 pm من طرف larbi
» مقتل جندي و إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 7:00 pm من طرف larbi
» مقتل جندي إسرائيلي و جرحى من لواء غولاني بمعارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:48 pm من طرف larbi
» بيان المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع بشأن استهداف سفينة في البحر الأحمر
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:37 pm من طرف larbi
» كتائب القسام تستهدف قوة إسرائيلية متحصنة بإحدى العمارات..و قنص ضابط برتبة نقيب
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:29 pm من طرف larbi
» اليمن,,يحيى سريع استهدفنا ام الرشراش بعدة مسيرات
السبت نوفمبر 16, 2024 10:41 pm من طرف larbi