المستقبل يصنعه رصيد الماضي

المستقبل يصنعه رصيد الماضي
اليد القابضة على الطائرة الأمريكية في باب العزيزية ، البيت الصامد في وجه 170 طائرة أمريكية ، خوذة الطيار الأمريكي الذي أسقطت طائرته في خليج التحدي ، حطام الطائرة الأمريكية التي أسقطها نسور الجو الليبي ، النصب التذكارية لمعارك الجهاد الليبي ، سارية السفينة الأمريكية فيلادلفيا التي اسرها البحارة الليبيين ، صور ركوع كبير روما لتقبيل أبناء المجاهدين الليبيين ، صورة شيخ الشهداء عمر المختار على صدر القائد معمر القذافي ، تسمية جمال عبدالناصر على قاعدة العدم البريطانية سابقا ، ومعيتيقة على قاعدة هويلس الأمريكية سابقا ، وعمر المختار على خزان النهر الصناعي العظيم ، وتخليد أسماء الفضيل والجويفي وبالخير والباروني ، وتغيير جردس العبيد لجردس الأحرار ، ووادي الآجال لوادي الحياة ، وأحياء ذكرى مناسبات طرد القواعد الأمريكية والبريطانية والطليان الفاشست ، ومقاومة الغزو الأسباني على طرابلس ، ويوم الحداد الذي تم فيه نفي خمسة ألاف ليبي للجزر الإيطالية النائية ، ورسم خط الموت أمام الأسطول السادس الأمريكي ، وطائرة التحدي التي كسرت الحصار الجائر ..
تلك وغيرها لم تكن من باب العبث ، أو الأضواء ، أو الترف .. لكنها كانت ترسخ تاريخ مجيد في ذهن الأجيال ، وتشكل الوعي الجمعي ، وتحدد بوصلة الموقف الفعل .
كانت محطات هامة ترسم السياسات العامة التي شهدتها حقبة زمنية في تاريخ الأقليم والأمة ، ورصيد زاخر يجسد ثقة الأنسان وقدرة الجموع وندية الوطن ويطيح بعقد النقص التي حاول المستعمر زرعها بوصفنا عالم ثالث ومتخلفيين وعجزة وجهلة وقصر .
كانت رسائل تحفر في شخصيتنا ثقافة الأنتماء والفخر والشرف ، وتؤكد نهج الإنتصار الحتمي مهما تطاول الظلم وثقلت المحن وأستبد الألم .
كانت تشكل مرجعية وبوصلة تصحح المسار كلما تعرضنا لحملة تشويش وتشكيك وخداع وتغرير لوضع ضباب يحجب الرؤية وجعل بعضنا ينحرف عن هدى الحق ويتيه عن صراط الوطن .
القيادة بحجم وعيها بالتاريخ ، وأحساسها بالمسئولية العظيمة ، وحملها للأمانة التي أبين السموات والأرض والجبال عن حملها ، كانت تدرك أن الوطن ليس رغيف خبز ، وحفنة أوراق نقدية ، وأحلام وردية ، وطقوس عبادة ، وأبراج طوب وأسمنت ، بل شواهد تنقش في الذاكرة للحصانة من السقوط ، ومواقف وأفعال وتحديات تكون كجرعات وعي في الشرايين تحدد الطريق ، وزاد من التضحيات الجمة والأنتصارات تستعيد الثقة والإرادة وترسم طريق القضايا .
فسنن الكون بين طمأنينة وأبتلاء ، بين سلم وحرب ، بين فرح وألم ، بين قوة وضعف ، وفروض التاريخ تؤكد مبدأ الصراع ، ورهبة العدو تكتسب من القوة ورباط الخيل ، والهيبة والشخصية الوطنية تتكون من تراكم سياسات وتحديات عظيمة ، والحروب أنتجت أجيال تغيرت فيها الأساليب والوسائل ، والعقل هو بؤرة الهدف ، والفكر هو أساس الوعي ، والبيئة حاضنة الأنتماء ، والإرادة صلب الموقف ، والإيمان هو المرجعية .
نستذكر هذا ونحن في عمق أزمة قاسية ، لم تكن الأولى التي تعصف بوطن تعرض لحملات أستعمارية كثيرة عبر تاريخه ، وحتما لن تكون الأخيرة ، لكن في كل مرة تنتصر الإرادة التي تنطلق من رصيد هذه المحطات والشواهد والمواقف ، وتسير على نهجها لكتابة صفحة مضيئة تضاف لتاريخ تليد ... الفارس الليبي