بعض من خيبة ..

في أحدى المدارس .. معلمة مادة التعبير ، تطلب من الطلبة التعبير عن أنجازات ثورة فبراير في أسطر لاتقل عن ثمانية " وربما قصدت سطر على كل سنة من السنوات الثماني " .. أحدى الطالبات تفكر ، ثم تقرر سرد الواقع الذي عاشته طيلة سنوات فبراير ، وتكتب عن الفوضى ، وصواريخ الناتو ، وتهجير الناس ، وإعلاق الطرق ، وحرب المناطق ، وأنعدام السيولة في المصارف ، ومليشيات الإرهاب ، لدرجة أنه بمنطقتها لم يمر شهر دون حادثة قتل ، بل أنه قبل أيام فقط أشتعلت حرب بين المليشيات بكل أنواع الأسلحة الثقيلة ، وتنتهى الطلبة لنتيجة أن فبراير كانت مؤامرة ونكبة وليست ثورة .. في اليوم الثاني تستلم المعلمة كراسات الطلبة .. وفي اليوم الثالث تأتي غاضبة وتخبر الطالبة أنها أمام خيارين إما أن تمزق ماكتبت وتغير الكتابة بنقيضها ، أو ستحرم من الدرجات .. دون تردد ، ترد الطالبة بأنها كتبت عن الواقع ولن تغير الكتابة .. يزداد غضب المعلمة لدرجة التهديد بتقديم الكراسة للموجه ، وربما تصل حتى لوزارة التعليم .. ومع ذلك تصر الطالبة على موقفها ..
ومن ضمن كلام المعلمة أنها قالت لماذا تكتبون في السياسة ؟ .. وكأن 17 فبراير موضوع عن التزلج على الجليد في أسكندنافيا ، أو الغطس تحت الماء في الكاريبي ، وليس عمق السياسة التي حركت الأساطيل ودفعت العالم لإشعال الحرب بالسلاح من مخمور الأليزيه مرورا بمعتوه أسطنبول حتى زول الخرطوم وسبسي قرطاج ..
علما أن من نتائج فبراير وفي هذه المدرسة بالذات .. دخل ذات يوم أشاوس فبراير بالتكبير وطردوا المدير ونائبه ليضعوا بديلا عنهم صديقهم الثائر خريج المعهد الصناعي .. والمفارقة هي أن المدير الذي تم طرده كان له صلة قرابة بهذه المعلمة .. ومنذ ذلك العام حتى اليوم تعاني المدرسة من أزمة في الإدارة .. حيث ترك الثائر الفبرايري الإدارة بعد نهاية العام .. ورفض المدير السابق الذي تم طرده العودة للمدرسة ..
هذه حادثة بالتأكيد ليست أستثناء في مدارسنا .. ونطرح الموضوع لإيضاح مايحدث فيها .. وتحليل الحالة التي تجعل المعلم يتناسى أنه يحمل أمانة أمام الله قبل أن تكون أمام الضمير وتاريخ الأجيال .. والطلبة الذين يجدون أنفسهم في مفترق طرق بين إرضاء المعلم للحصول على درجات حتى لو كان بالأكاذيب ، وبين الأجتهاد والتفكير والإبداع الذي قد يقود لإجابات تتعارض مع الواقع ، ومع المعلم وتحرمه الدرجات وربما النجاح .
والسؤال الأهم ماذا سيكون رأي وزير التعليم الذي حتى اللحظة يفخر بأنه كان يعطي الأحداثيات لغرف عمليات جنود فرنسا .. فرنسا التي أرسلت صواريخها لقتلنا بينما شعبها يقود ثورة الجياع في شوارع باريس ؟.