بين الدِّين والأخلاق
عمر بلقاضي / الجزائر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
بعض أحلاس التّغريب في بلادنا العربية والإسلامية ينفون كون الدين هو أساس الأخلاق ومصدرها ويعزونها إلى العقل وحده، وهذا غمطٌ للحق وتزوير للواقع والحقيقة، ونبيِّن ذلك في ما يلي ك
أولا : الدين الصّحيح لا يتعارض أبدا مع العقل الرّاشد الذي يفكِّر بطريقة صحيحة ، فكلاهما ميزان وضعه الله سبحانه لإدراك الحق ولكن الدور الأساسي للعقل هو النّظر والاستدلال في قضايا الإيمان كالإيمان بوجود الله عز وجل ووحدانيته والإيمان بالرسل والكتب السماوية والآخرة والحساب والجزاء على الأعمال والسلوك ، وذلك بالتّفكُّر في آيات الله الكونية وآيات الله القرآنية، فإذا آمن واطمأن الى تلك الحقائق خضع لله تعالى وأخبت له بالطّاعة في فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن ضمن تلك الأوامر والنّواهي والتّوجيهات ما يندرج ضمن الأخلاق،فالحقيقة ان الدين الإسلامي ليس أساس الأخلاق فقط بل هو كله أخلاق: أخلاق مع الله الخالق بالاعتراف به وشكره وعبادته وطاعته وتقديره حق قدره وذاك نجده في أحكام العقيدة والعبادة والتقوى
أخلاق مع النّاس بحسن المعاملة وكفِّ الأذى وذاك نجده في أحكام المعاملات في جميع المجالات
أخلاق مع النّفس بتزكيتها وتطهيرها من المساوئ وتعويدها على الفضائل او ما يسمى بالتّحلية والتّخلية
أخلاق مع الكون والمحيط والطبيعة والحيوان وذلك بعدم الإفساد وبحسن الاستثمار وعدم التّبذير للثروات....
فكل أحكام الحلال والحرام والأمر والنهي في الدّين الإسلامي تندرج في إطار الأخلاق بالمفهوم الشّامل لها ، لذلك فكثير من الآيات القرآنية تسمِّي الأديان السّماوية قبل ان تحرف والاسلام المحفوظ من التّحريف حكمة لأنّها تلهم الإنسان حسن التّصرف في الحياة في جميع ميادين الحياة.
ثانيا : كثير من الأخلاق من وجهة النّظر العقلية المادية البحتة التي لا تراعي الجانب الروحي هي سفاهة وبلاهة وسوء تصرف ، خذ الإيثار مثلا وهو تقديمك مصلحة غيرك على مصلحتك، فالعقل وحده من غير دين يرى ذلك سوء تصرف وبلاهة لأن الذي يضيع مصلحته من أجل غيره من غير مقابل إنسان معتوه أبله غبي
لكن الدِّين عندما يُرغِّب المسلم في الإيثار يعده بمقابل أكبر وأثمن وأغلى في الحياة الآخرة وهو رضا الله سبحانه والجنّة قال تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يُوق شحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون)
وقس على ذلك كثير من الأخلاق كالتّضحية من أجل الوطن ، ومساعدة المحتاجين بالجهد والمال والسّخاء ،والإحسان، ورعاية الوالدين، والصّبر عند الشّدائد، وكظم الغيظ، وعدم الظلم عند المقدرة ،ومقابلة السَّيّئة بالحسنة في المعاملة ....هنا يظهر دور الإيمان والعقيدة في التّحفيز على الأخلاق الحميدة مهما كانت مخالفة للمصلحة المادية
ثالثا : وهذه تساؤلات مشروعة ووجيهة
ماذا يمنع هؤلاء الذين يُنكرون علاقة الأخلاق بالدين والإيمان أن يتاجروا بزوجاتهم لأنَّ العقل يُصنِّف ذالك الفعل في خانة الرِّبح المادي السّهل ؟ وكذلك يفعلون
وماذا يمنعهم من خيانة أوطانهم مقابل امتيازات معتبرة يحصلون عليها من أعداء الوطن لأنَّ العقل يُصنِّف تلك الخيانة في خانة الصّفقة الرّابحة ؟ وكذلك يفعلون
بل ماذا يمنعهم من معاشرة أمّهاتهم وأخواتهم وبناتهم لأن العقل المادي يصنّفها في خانة تلبية رغبة طبيعية ؟ وكذلك يفعلون
هذا وغبره يحدث في الحضارة الغربية التي تنصّلت من الدّين فأحدثت المجازر في الأخلاق لذلك هي على وشك الانهيار وهؤلاء المتغرِّبون يريدون أن ينقلوا الينا مساوئ الغرب لكي لا تتعافى بلداننا وشعوبنا وحضارتنا أبدا وتلك خيانة كبرى
أنّهم يُنكرون دور الدّين في الاخلاق لأنهم ببساطة لا يؤمنون بالدّين لكنّهم لا يجرؤون على إعلان ذلك في مجتمع متديّن فيُغلِّفون إلحادهم بسفسطة وزندقة يسمُّونها علما وفكرا
إنَّ الدّين الإسلامي هو الذي وضع منهاجا كاملا للإنسان في حياته وبين له ما يجب وما لا يجوز في جميع المجالات ليسلم ويسعد في دنياه وأخراه وتلك هي الأخلاق والحكمة .
والحمد لله رب العالمين