تحقيق مفصل: كيف خانت حماس مخيم اليرموك وأدخلت المسلحين إليه ؟

مخيم اليرموك أنشئ عام 1957، مساحته تقدر بـ 2110000 متر مربع لتوفير الإقامة والمسكن للاجئين الفلسطينين في سورية، ويقع على مسافة 8 كم من دمشق وداخل حدود المدينة ويشبه المنطقة الحضرية.

من حيث تصنيف وكالة الأونروا لا يعتبر "اليرموك" مخيماً رسمياً، مع العلم أنه أكبر تجمع للاجئين الفلسطينين في سورية، ويختلف تماماً عن تجمعات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى في سورية.

بدأ المخيم صغيرا وبمرور الأعوام قام اللاجئون بتحسين مساكنهم وإضافة الغرف إليها، وفي هذه الأيام يزدحم المخيم بالمساكن الإسمنتية والشوارع الضيقة ويكتظ بالسكان ولا يقتصر سكانه على اللاجئين الفلسطينيين فقط بل يضم عددا من السوريين الفقراء.

يوجد داخل المخيم شارعان رئيسان يمتلئان بالمحلات التجارية ويزدحمان بسيارات الأجرة والحافلات الكبيرة التابعة للشركات الخاصة التي تصل المخيم بالعاصمة دمشق، حيث يعتبر شارعا "لوبيا و صفد" من أكثر الشوارع في المخيم وفي دمشق من حيث النشاط التجاري، حتى أن سعر المحل فيهما وصل في الفترات الأخيرة قبل الأزمة إلى ما يقارب 50 مليون ليرة سورية.

يقدر عدد سكان المخيم من السوريين والفلسطينين بحوالي مليون شخص هُجر معظمهم بعد احتلال المخيم من قبل المجموعات المسلحة في 17-12-2012.

في بداية الأزمة السورية كانت المخيمات الفلسطينية على الحياد ولم تتدخل فيها ولم تشهد أي نوع من المظاهرات إلا ما قل، وكان يفرقها الأهالي قبل قدوم عناصر حفظ النظام، لكن مع دخول التسليح وانتشار الكتائب المسلحة في مناطق "الحجر الأسود والتضامن ويلدا والقدم" المحيطة بمخيم اليرموك من أربع جهات، ومع اشتداد المعارك في هذا المحيط بين قوات الجيش العربي السوري والمسلحين، تشكلت في المخيم "اللجان الشعبية الفلسطينية" لفرض الأمن وحماية سكانه ومنع امتداد الصراع إليه، وخاصة بعد احتضانه أعداد كبيرة من النازحين الهاربين من المعارك في المناطق المجاورة وشكلت اللجان الشعبية الفلسطيية برعاية "الجبهة الشعبية القيادة العامة" الفصيل الفلسطيني الوحيد الذي اتخذ على عاتقه مسألة حماية المخيمات الفلسطينية وتجنيبها الإنخراط في الصراع.

استمرت حالة الأمان في مخيم اليرموك والحياة الطبيعية في حين تكون الإشتباكات قائمة في المناطق المجاورة للمخيم، مما زاد عدد النازحين الذين وجدوا الأمان في المخيم.

كيف بدأت محاولات اقتحام المخيم ودور "حماس" في دخول المسلحين

في شهري تموز وآب الماضيين بدأت محاولات المسلحين اقتحام مخيم اليرموك والسيطرة عليه، وكانت اللجان الشعبية الفلسطينية تتصدى لهم بشكل يومي وتمنعهم من التقدم وقدمت العديد من الشهداء، لكن الغدر و العمالة والطعن في الظهر جائت من قبل بعض المتعاملين من أهل المخيم مع المسلحين، فشهد يوم احتلال المخيم معارك عنيفة وانشقاق مجموعات من اللجان الشعبية التي كانت بالأساس عبارة عن خلايا نائمة انتمت للجان الشعبية تحت اسم "حماية المخيم".

هاجم المخيم عدد كبير من المسلحين من محاور "يلدا والحجر الأسود" وقدر العدد بـ 3000 مسلح على الأقل يملكون العديد من الأسلحة المتطورة والرشاشات الثقيلة المثبتة على سيارات، في حين لم تتلقَ اللجان الشعبية الفلسطينية التي كانت تقاوم المسلحين أي دعم من أي جهة، حيث استشهد العشرات من أبناء المخيم في معركة الدفاع الأخيرة عن المخيم، وكان بينهم قياديين بارزين من "الجبهة الشعبية القيادة العامة" والمطاردين من قبل العدو الصهيوني، وكان أبرزهم الشهيد "نضال عليان أبو النورس" مسؤول العمليات في الجبهة والمسؤول عن تدريب وتقديم الدعم "لقطاع غزة" و"لحركة حماس" من تدريب وتجهيز لمواجهة العدو الصهيوني.

بعد دخول المسلحين تم تهجير أهالي مخيم اليرموك، وظهر في المخيم العديد من المجموعات المسلحة والكتائب والتي أظهرت تورط "حركة حماس" في احتلال المخيم ومساعدة المسلحين، وكان من أبرز المتورطين المرافق الشخصي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل" الذي يدعى "بهاء صقر" والذي كان يعمل مع اللجان المسؤولة عن حماية المخيم، حيث انقلب على اللجان وهاجم مقرات القيادة العامة، وادعى أنه تخلى عن حركة "حماس"، ليتبين فيما بعد أنه من الذين ورطوا فلسطينيين وسوريين في القتال ضد الدولة السورية.

تفاصيل الاقتحام وكيف تمت الخيانة من قبل حماس

اللجان التي كانت متواجد لحماية المخيم عددها لم يكن يتجاوز 400 مقاتل وعدد المدربين من بينهم يقارب الـ200، حيث كان المقاتلون المدربون هم المسؤولون عن محاور التماس مع "التضامن ويلدا والحجر الأسود" في حين كان بقية العناصر منتشرة ضمن أحياء المخيم للحفاظ على الأمن.


في اليوم الذي انشقت فيه عناصر من اللجان الشعبية وتمت الخيانة كان أهم محور للقتال والدفاع عن المخيم هو "دوار فلسطين" وكان هناك حاجز كبير آخر يغلق المخيم ويحميه من جهة "يلدا والتضامن".

حصلت الخيانة في فترة الظهيرة والهجوم على الحاجز من الأمام والخلف من قبل المسلحين والمنشقين داخل المخيم، حيث تم اختيار فترة الظهيرة لتنفيذ الخيانة عندما يكون الوضع هادئا ويرتاح فيه المقاتلون من الذين ناوبوا ليلاً على حماية المخيم، كما أن هذا اليوم جاء بعد أسبوع اشتباكات يومي عنيف على محور "الحجر ويلدا" وإرهاق كبير للجان وعناصر القيادة العامة، وبعد عملية الخيانة قام هؤلاء العناصر بالتعاون مع الذين جندهم مرافق "مشعل" بتوجيه المسلحين القادمين من خارج المخيم إلى بيوت عناصر اللجان الذين كانوا يقضون فترة راحة في المنزل استعدادا لفترة مناوبتهم حيث تم اقتحام بعض البيوت وإعدام بعض عناصر اللجان في منازلهم ومنهم من تم قتله وهو نائم.

أثناء الهجوم الذي نفذه المسلحون تمت محاصرة عناصر من القيادة العامة لمدة يومين في مبنى "الخالصة" التابع للقيادة والمعروف جدا في المخيم، وتمكن العناصر المحاصرون من فتح ثغرة في صفوف المسلحين وانسحبوا إلى خارج المخيم.

المجموعات التي هاجمت المخيم من الخارج هي من جهة الحجر الأسود مايسمى "لواء الحجر الاسود ومجاهدي الحجر الاسود" ومن جهة "التضامن ويلدا" مايسمى كتائب "أبابيل حوران".

بعد مرور يوم على دخول المسلحين للمخيم اتضحت معالم الخيانة حيث تبين أنها تمت من طرفين، الأول عند حاجز "الداور" الذي كان مشرفا عليه المدعو "هادي السهلي" حيث تم من خلال هذا الحاجز الهجوم على عناصر القيادة العامة من خلف محور الدوار، وكان الطرف الثاني من قبل عناصر تابعة لحماس الذين خرجوا في لحظة الهجوم على المخيم وقاموا بمهاجمة مقر القيادة العامة "الخالصة".

دليل خيانة حماس تشكيل "بهاء صقر" لكتائب "أكناف بيت المقدس" بالتعاون مع المسلحين القادمين من خارج المخيم، ولا تزال هذه المجموعة تعمل في المخيم حتى اللحظة، كما تمت الاستعانة بمقاتلين من غزة للقتال وقتل بعضهم مثل "أسامة أحمد حمدان قشطة".

محاولات الحل السلمي.. وحال المخيم

جرت عدة محاولات لحل أزمة المخيم حيث تدخلت وساطات دعت إلى خروج المسلحين من المخيم مقابل عدم دخول الجيش العربي السوري إليه، ولكن بعض المسلحين رفضوا ذلك، حيث أنهم بعد دخول المخيم قاموا بسرقة البيوت وأتوا بشاحنات وقاموا بتحميل كل شي وسرقة حتى "كابلات الكهرباء في المنازل" وأكثر ماتم سرقته هي "الشاشات" ولم يبق منزل يحتوي على شاشة وكتبوا عبارة على الجدران وأبواب المحلات "تكبير حميل الشاشة وطير".

شهد المخيم عمليات سرقة ونهب منظمة لبيوت ومحلات المدنيين داخل المخيم وعمليات إعدام وخطف بدون أي أساس أو سبب للعديد من المواطنين الذين رفضوا الخروج من المخيم وقرروا البقاء في منازلهم وفضلوا الحياة تحت القذائف والاشتباكات على حياة النزوح في مراكز الإيواء التي تم تجهيزها من قبل الهيئات الخيرية، حيث تم تسجيل سرقة أكثر من 3000 منزل ومحل داخل المخيم وإحراق المئات من المنازل بعد سرقتها، وحاول هؤلاء افتعال اشتباكات مع الجيش بشكل دائم كي يمنعوا أي محاولة مصالحة ممكنه.

حال مخيم اليرموك منذ دخول المسلحين إليه حتى الآن

اشتباكات على مداخل المخيم وفي محيط مبنى البلدية الذي يحاول المسلحون اقتحامه منذ لحظة سقوط المخيم، وبعد مرور أكثر من 7 أشهر على احتلاله استطاع المسلحون تحصين أنفسهم وحفر أنفاق بين المنازل، ولم يشهد أي تقدم لأي من الأطراف، حيث يشهد المخيم اشتباكات يومية معتادة على محاور التماس وقصف يومي متبادل وعمليات قنص من قبل المسلحين المتحصنين والمتمركزين داخل المخيم للمدنيين صباحا أثناء دخولهم إليه وخروجهم منه لإحضار قوت يومهم وذهابهم إلى أعمالهم، وحتى اللحظة لم تتخذ القيادة العسكرية قرار الحسم في المنطقة الجنوبية لمدينة دمشق وأفادت مصادر مطلعة أن هناك بعض من الشباب والمجموعات من الشباب الذين تم توريطهم ولم تتلطخ أيديهم بالدماء بتسليم انفسهم للجهات المختصة ويبقى أهالي وسكان المخيم بانتظار الفرج وقرار الحسم في المنطقة الجنوبية مع استمرار الدمار بشكل يومي في المنطقة.