أوباما «الطبيب» في مواجهة بوتين الفتوة

رغم طوفان «أزمة سنودن» فوق بحر الخلافات الأميركية - الروسية، إلا أنها تبقى قبعة القبطان الطافية على سطح الماء، فيما ترقد تحتها «سفينة غارقة» مليئة بالأسرار، فإلغاء زيارة اوباما الى روسيا، في وقت يشهد العالم فيه هذا الكم من الصراعات، ليس لسنودن يد فيه، فلن تلغي الادارة الامريكية لقاءً هي بأمس الحاجة اليه، فقط من اجل لجوء منحته روسيا لرجل استخبارات قد كشف معظم اوراقه التي يحملها ضد واشنطن، ولن يشكل خطراً اكثر مما قد شكله بوجوده في موسكو قبل منحه اللجوء. خيارات واشنطن ليست بهذه البساطة.

روسيا عادت لعقلية «الحرب الباردة»، هكذا وصف اوباما «روسيا الحالية» بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، وفي مقابلة له اجريت مساء الثلاثاء الاربعاء اي قبيل اعلان الغاء زيارته إلى موسكو، ثم تبع التصريح الموصوف اعلان رسمي من البيت الابيض بإلغاء الزيارة التي كانت مقررة مطلع الشهر المقبل والتي كانت ستجمع الرئيس اوباما مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين حيث كان من المقرر اجراء مباحثات تتضمن اخر ما يواجه العالم من مشاكل و تحديات اضافة الى تمكين التنسيق بين البلدين و تفعيل التعاون لحل الازمات.

علق الكرملين على هذا التطور متأسفا، معلنا عن خيبة أمله من قرار واشنطن بإلغاء الزيارة، واشار الناطق بإسم الكرملين إلى أن الدعوة الموجهة إلى باراك أوباما لزيارة موسكو لا تزال قائمة. واضاف مساعد الرئيس الروسي قوله إن "الممثلين الروس على استعداد لمواصلة العمل مع الشركاء الامريكان على كافة المسائل الرئيسية لجدول الاعمال الثنائي والمتعدد الجوانب". واضاف «من الواضح أن القرار الامريكي متعلق بقضية ادوارد سنودن الموظف السابق في الاستخبارات الأمريكية، مشيرا إلى أن روسيا ليست من خلق هذه القضية.» هذه القضية ليست الوحيدة التي اثارت الغيظ الامريكي على روسيا، فقد سبق وتلا هذا الحدث عدة احداث زادت فتور العلاقات بينهما، ولم تحلها المباحثات الدبلوماسية بين الطرفين، التي كانت تساهم في التمهيد لزيارة اوباما.

وقد عبر البيت الابيض عن تلك المشاكل بطريقة مبهمة بعض الشيء اذ انه لم يفصل المشاكل بل اكتفي بوصف الامور العالقة في بيانه ، وصرح المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني انه " نظرا الى غياب التقدم في مسائل كمنظومة الدفاع الصاروخي والانتشار النووي والتجارة ومسائل الامن وحقوق الانسان في الاشهر الـ12 الفائتة اعلمنا الحكومة الروسية باننا نعتبر ان ارجاء القمة حتى الحصول على مزيد من النتائج سيكون بناء بشكل افضل". في اشارة واضحة الى المشروع الايراني لتخصيب اليورانيوم عبر "الانتشار النووي" و الموضوع السوري "مسائل الامن و حقوق الانسان"، هذا بالاضافة الى المستجدات المصرية التي طرحت روسيا بديلا حقيقيا عن اميركا تلقى ترحيبا و دعما شعبيا.

اصغى الرئيس الامريكي لآراء و دعوات السيناتورات الذين نصحوه بعدم الزيارة، رغم الدعوات التي لا تزال قائمة من قبل روسيا، حيث اتهم السناتور تشارلز شومر ثالث أرفع عضو ديمقراطي في مجلس الشيوخ الأمريكي والحليف المقرب لأوباما، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسعي لمعاداة الولايات المتحدة من خلال منح المتعاقد السابق مع وكالة الامن القومي الأمريكية الهارب ادوارد سنودن حق اللجوء لمدة عام. وقال السناتور الجمهوري بول ريان في حديث لقناة سي.بي.اس ايضا انه يتفق مع شومر في ضرورة ان يكون هناك رد على ما تفعله روسيا. وكان مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة قال في حديث لمحطة ايه.بي سي ان "التصرفات الروسية مخيبة للامال". ولكن هل يصب هذا الاصغاء في مصلحة امريكا وادارة اوباما في تجاهل لقاء مع رئيس لدولة تعتبر اليوم مشروع لقطب عالمي ثان ؟ ام انها تظهر ضعف اوباما والشرذمة التي تصيب ادارته كما تظهر ضعفه امام ضغوط اللوبيات في امريكا؟

زار اوباما روسيا ام لم يزرها، لن يستطيع ايقاف المد الروسي الذي بدأ ينافس الهيمنة الامريكية، بل على واشنطن ان تستعد خلال الفترة القادمة للإعتراف بنظير عالمي لها، شارع في تنمية وجوده وبسط نفوذه وسيطرته، بدل أن تصر على التمسك بعقلية طفل يرفض ان يلعب مع أقرانه إذا لم يمثل دور الـ"طبيب" الذي يقدم الارشادات و النصائح، وإن لم يتفرد بالدور أوقف اللعبة او "الغى الزيارة". إلا إذا كان أوباما معجب بالسيناتور تشارلز شومر الذي قال ان "بوتين يتصرف مثل فتوة في مدرسة، تعلمت من واقع خبرتي انه ما لم تتصد لذلك الفتوة فسوف يطلب المزيد والمزيد والمزيد." عندها عليه ان يأخذ في الحسبان قيام "الفتوة" بتوجيه لكمات قوية في وجهه لو حاول بعناد التصدي له، وقد تكون قضية سنودن مجرد لكمة تحذيرية.

http://s5.hostingkartinok.com/uploads/images/2013/08/0586211d2f4f63dde0b4952fbef95ad5.jpg