الشيء المسكوت عنه في الهجوم على المونديال القطري

فجأة، عاد المونديال القطري للواجهة، مطالبات إنجليزية صريحة بعدم قبول مونديال شتوي بسبب التوقيت ولا صيفي لأنه مضر بصحة اللاعبين وغير ملائم للجماهير.
يوم أمس سربت مصادر صحفية انجليزية أيضاً بأن خمسة اتحادات كروية كبرى تريد تقديم رفض رسمي بشأن المونديال الشتوي عام 2022، تحركات جاءت بسرعة، يحاول كثيرون إظهارها على أنها مجرد رياضة ووجهات نظر، لكن في الحقيقة هي أعمق من ذلك بكثير.
فالجميع عندما اختار قطر كان يعرف بأن الجو في منطقة الخليج خلال الصيف عبارة عن ساونا طبيعية، والجميع كان يعرف بأن فكرة المونديال الشتوي غير مطروحة أيضاً، ومن تحدث عن ذلك ليس قطر بل بلاتر وبلاتيني ومحاولة محاكمة الجهة المنظمة للمونديال على كلام مسؤولين دوليين هو تعامي مقصود.
والغريب أيضاً الاصرار على كلمة مونديال شتوي، مع أن تقديم المونديال شهر واحد فقط ليكون ما بين 30- نيسان “ابريل” إلى 31 أيار “مايو” هو خيار أكثر مناسبة من مونديال شتوي، فالجو يكون مقبولاً للغاية من خلال تجربتي هنا في أبو ظبي لثلاث سنوات، والتغييرات في الدوريات العالمية ستكون قليلة جداً، ولمن يسأل عن منطقية ذلك فإن عليه أن يتذكر بأن السنغال هزمت فرنسا في مونديال 2002 في تاريخ 31-مايو لأن المونديال الأسيوي تم تقديمه أسبوعين لتجنب الموسم المطري هناك، وتقديم أسبوعين “إضافيين” لمنح المنطقة العربية أول مونديال أمر يستحق التفكير، والاتحادات ليست بحاجة لتغيير ثوري في ذلك الموسم، وكل المطلوب تقديم موعد بدء البطولات والاتفاق مع الفيفا على إلغاء احدى جولات المباريات الدولية الودية حتى لا نسمع كلمة “الموسم مضغوط للغاية”.
ولا يحدثني أحد عن صعوبة ذلك، فنحن نتحدث عن 9 سنوات لعمل تغيير في المواعيد لمدة شهر واحد فقط، منها أسبوعان تم عملهما من قبل دون مشاكل، وبالتالي هي محلولة لمن يريد حلها!
نعود للمهاجمين الجدد، ونذكر بأن كرة القدم لعبة في الملعب لكنها خارج ذلك أكبر بكثير من ركلة وهدف، نحن نتحدث عن أكبر صناعة ترفيه في العالم حيث المال الكثير يعم كل من تدخل فيها، وانجلترا بالتحديد تطالب بسحب المونديال من قطر وليس منحه لصاحب المركز الثاني في التصويت “الولايات المتحدة الامريكية” بل إعادة التصويت تماماً ودخولها هي بالتأكيد من أجل الفوز به، فلماذا كل هذا؟
عند القراءة والبحث في اقتصاد مونديال كرة القدم، تستطيع أن تجد بأن المونديال المقام في أوروبا يحقق أفضل نتائج اقتصادية عادة، فالمونديال الألماني الأخير خلق 50 ألف فرصة عمل في الإعداد للمونديال، وتم تحقيق 400 مليون دولار دخلاً سياحياً في شهر واحد فقط، وكان هناك مبيعات مقدارها 3 مليار دولار لأمور منوعة مثل القمصان والميداليات المتعلقة باللعبة، وكانت المطاعم والحانات ممتلئة 24 ساعة خلال شهر كامل، وعندما نقول مملتئة “أي ممتلئة 100%”.
ويرى خبراء الاقتصاد الرياضي بأن مونديال 2006 هو سبب ثورة الدوري الالماني ونهوضه، فقد استثمرت الدولة في الملاعب من دون خوف لأن جزءاً من تمويلها سيكون من الجماهير المونديالية، وهذه الملاعب ساهمت بشكل مباشر بارتفاع عدد المشاهدين في الدوري الألماني وتطور اقتصادي مذهل لأنديته كانت ثماره واضحة في نهائي الماني لدوري الأبطال عام 2013، وبدء تسمية الدوري الألماني ضمن أقوى الدوريات في العالم، بل إن هناك من يراه الثاني مباشرة بعد الدوري الانجليزي حالياً.
وحسب ما جاء في ويكبيديا فإن عدداً من الرعاة الكبار في عالم الرياضة شاهدوا حجم الشغف الرياضي في المانيا، فقرروا دعم عدة أندية هناك والدخول في علاقات اقتصادية طويلة الأمد، ويمكن القول إن الكرة الألمانية تطورت بشكل مطلق مذهل بسبب هذا المونديال واستعادت هيبتها، والمشجع الألماني العقلاني يعرف جيداً حجم تطور الدوري في سنوات قليلة فقط مدعوماً بهذا المونديال.
البنية التحتية الرياضية الانجليزية رائعة ومتقدمة عن غيرها الآن، لكن كيف ستكون بعد 9 سنوات؟؟ الوضع لن يكون مثالياً بسبب تهالكها، وسيكون هناك حاجة لدفعة جديدة كي يستمر التفوق والريادة للبطولات الانجليزية المحلية على نظيرتها الأوروبية، وليس أفضل من أن تجعل الدولة تبني لك الملعب بشكل مبرر أمام المواطنين وضمن اتفاقيات شراكة معينة، ولا ننسى أن نضيف النتائج الاقتصادية الأخرى من فرص عمل ودخل كبير وتضاعف السياحة التي ستخدم حكومة تلك البلاد.
ملاحظة للتأمل فقط : عضوية انجلترا في الفيفا هي مسألة مثيرة للجدل بالنسبة لي على الأقل .. فليس هناك دولة عضو في الامم المتحدة اسمها انجلترا بل بريطانيا!