حرستا بين ناري دوما وجوبر

وسام عبدلله

«البحر من خلفكم والعدو من أمامكم». يصح هذا القول على مدينة حرستا في ريف دمشق الشرقي، فالناظر إلى الجنوب تكون جوبر أمامه وخلف ظهره مدينة دوما شمالا، لتصبح المدينة بين ناريين، بالإضافة إلى كونها تشتعل بالاشتباكات تارة والتسويات تارة أخرى.
وأصبح من يردد كلمة «نحن سنذهب إلى حمص عن طريق حرستا» كمن يقول إنه يتوجه إلى طريق قد يصادفه الموت فيها، من خلال رصاصة قناص تأتي من داخل المدينة أو اشتباكات تصل شظاياها إلى القادمين بسياراتهم إلى داخل دمشق أو الخارجين منها، لذلك يتم إغلاق الطريق في الفترات التي يكون فيها المرور خطيراً على حياة الناس، وتحويل طريقهم للمرور من جهة معربا والتل في منطقة القلمون.
فقد تغير المشهد على مدخل المدينة، وهي المعروفة بوجود معظم شركات بيع السيارات على كامل الطريق الواصل بينها والاوتوستراد الدولي، بحيث كانت المقصد الدائم لمن يرغب بالشراء. وأصبحت هذه الشركات الآن أبنية مهدمة على الأرض، فاستبدلت «المرسيدس» و«السكودا» و«BMW» وغيرها من الشركات بالدبابات والرصاص وأسماء العمليات التي تعلنها الجماعات المسلحة بهدف السيطرة على الطريق الدولي.
تقع حرستا في شرق دمشق، بين دوما وعربين والقابون وجوبر، وتعد المدخل الشمالي للعاصمة، كونها تقع على الاوتوستراد الدولي بين حمص ودمشق. وكان يقدر عدد سكان المدينة بحوالي 300 ألف نسمة، نزح أكثر من نصفهم بسبب المعارك، وتوجهوا إلى دوما وسقبا وحمورية وغيرها من المناطق في عمق الغوطة الشرقية.
ترك السكان بيوتهم مع اشتداد المعارك بين المجموعات المسلحة والجيش السوري. وتعرضت بيوتهم وممتلكاتهم للدمار نتيجة ارتفاع شدة المعارك بينهما، فالأبنية مدمرة في منطقة الكوع ووحي السيل، إضافة إلى ما تعرضت له البيوت لسرقات ودمار واتخاذها مقارّ ومراكز عسكرية.
وتحدث مصدر ميداني لـ«السفير» عن الواقع الميداني لحرستا في ظل التطورات العسكرية التي تحدث في المنطقة الجغرافية المحيطة بالمدينة. ويشير إلى أن «المدينة تقع بين خطي نار، الأول من دوما والثاني من جوبر، فهي تشبه مدينة في انتظار ما سيحدث من تطورات في كلتا المنطقتين».
ويوضح المصدر أن سيطرة الجيش السوري على عدرا البلد والعمالية، وتقدمه نحو دوما، يشكل تضييقا على المدينة والمجموعات المسلحة فيها، كون دوما تشكل الشريان الأساسي لطريق إمدادها بالسلاح والمسلحين. كما أن خروج برزة والقابون من دائرة المناطق المشتعلة ودخولهما في عملية مصالحة جعل المنطقة الجنوبية من حرستا خارج خطوط الإمداد أيضا. ويضيف ان «السيطرة على جوبر والتقدم نحو دوما سيساهم في دفع عملية السيطرة على حرستا، كون معظم المسلحين، إما يرسلون إلى جوبر لمحاولة وقف تقدم الجيش، أو يتم سحبهم إلى دوما لتشكيل وتثبيت المراكز، منعاً من وصول وحدات عسكرية إليها».
وتعد «جبهة النصرة» من أهم الجماعات المسلحة في حرستا، وقامت بتنفيذ عدة عمليات، كتبنيها عملية تفجير مبنى للمخابرات الجوية بسيارة مفخخة، بالإضافة إلى مجموعات تابعة إلى «الجيش السوري الحر». وقد أطلقت الجماعات المسلحة أمس معركة أسمتها «غزوة العطاء لأهل الوفاء»، حيث دارت اشتباكات على محور حرستا عربين بين وحدات الجيش السوري والمجموعات المسلحة التي نفّذت الهجوم. وتهدف المعركة، بحسب نشطاء، إلى تخفيف العملية العسكرية عن مناطق عين ترما وجوبر والدخانية. كما أُعلن عن مقتل قائد ما يدعى «لواء فتح الإسلام» المدعو فهد الكردي، الذي اعتبرته الصفحات المؤيدة للمجموعات المسلحة من أهم قادة الجماعات داخل حرستا.
ولا يزال مسار المصالحة داخل المدينة في حالة تأرجح دائم بسبب عوامل مختلفة. وقالت مصادر لـ«السفير» إن وجود مقاتلين أجانب وعرب داخل المجموعات المسلحة يعيق التسويات بسبب رفضهم الدخول فيها، كما أن قربها من مدينة دوما يجعل منها بوابة مفتوحة لدخول المسلحين إليها.
الانتظار هو سيد الموقف في حرستا، فإما أن تدخل التسوية وتحافظ على ما تبقى من مدنيين فيها أو تقرر المجموعات المسلحة الاستمرار في المعركة في محاولة لتخفيف الضغط عن دوما ومنع سقوطها. وتشكل السيطرة على حرستا اكتمال الطوق حول دوما بالكامل من معظم الجهات.