تقسيم سوريا وضياع النيل والعربي الجميل..

ابراهيم عبدالمجيد القيسي

إطالة أمد النزاع السوري، يمكن اعتباره بمثابة حالة من حرج واختلاف حسابات بين القوى المتصارعة، ويبدو أن الاحتمال الأكثر منطقية بات في تقسيم سوريا الى دويلات، إذْ أخفقت أو أريد لها الإخفاق كل محاولات إسقاط الأسد، وتوريط قوى دولية باستخدام القوة لهذه الغاية، وحين يدخل الصراع في نفق المذابح ذات السيناريو والإخراج الجيدين «ككيماوي الغوطة»، فإن ذلك يشي بدخول الأزمة السورية في مرحلة أكثر خطورة، لن تكون بحور الدم وتفشي الجريمة الدولية فقط هي نتائجها، وهنا يبرز شكل سوريا الجديد، فالأسد متمترس تماما خلف موقف دولي داعم، لن يسمح بسقوطه بسهولة، وربما لن يسمح مطلقا باختفاء الأسد ونظامه، لكنه – الأسد – قد يلوذ بساحل المتوسط، ويعزز من قوته، ويترك الجنوب والشرق وأجزاء من الشمال للاعبين الدوليين الخصوم.. ويبدو أن السؤال الأردني المهم في هذه الحالة: لمن تتركون الجنوب السوري بعد كل هذا الديناميت والكيماوي؟!.
مصر؛ هبة النيل، شرعت فعلا في دخول النفق المظلم، واجترحت مآثر غير مسبوقة في الرقص على الحقيقة والعدالة والحرية، ولن يلبث طويلا شعار السلمية لدى المعارضة المصرية، التي كانت بالأمس هي الحكومة والنظام، إذْ اختفت قياداتها نسبيا عن الساحة، بسبب الاعتقالات والمطاردات الأمنية والقتل، ولا أعتقد أن المواطن العادي او الشخص المتعاطف مع المعارضة سيلتزم بشعار السلمية في المظاهرات والاعتصامات الداعية لعودة الشرعية، ومحاكمة القتلة، وسينزع هؤلاء للرد على النار بالنار..و»متعهدو النار الدوليون على أتم استعداد لتزويدهم بالعتاد».. وهي ربما واحدة من أهداف التحالف الذي يضم العسكر والأمنيين حول العالم ضد الإسلام السياسي المعتدل وجماعة الإخوان المسلمين، أي دفعهم للتخلي عن شعار السلمية، وتوريطهم بالقتال، لتزداد ذرائع استئصالهم من أكبر دولة عربية، وهو السيناريو المرشح للظهور على المشهد المصري، والذي لن يتوقف على مقربة من أمن وسلامة وبقاء مصر في حال انطلق دمويا، فمصر التي هي هبة النيل، الحضارة القديمة، والتي لم تكن لتظهر او تبقى لولا وجود نهر النيل، لكن الصراع الذي سيصل حد حمل السلاح واندلاع الفوضى والعنف، سيمتد ليحرق الأخضر واليابس، وتختفي السيادة المصرية والإرادة، وتتناسل خنادق القوى الدولية والمتصارعة في عمق أرض الكنانة، ولن يفيق المقتتلون من غفلتهم هذه إلا وقد تبخر النيل أو نقصت مياهه الى ما دون النصف، ليصبح السؤال حينها: فين مصر يا جدعان؟!
والعربي الرومنسي الجميل، الذي لا تاريخ مهما له قبل الإسلام، سوى التغني بليلى وبعيونها وولائها ووفائها لسيرة ومسيرة القطيع، ما زال يبتعد عن ذاته حتى ارتضى أن يكون مجرد وقود لمجازر وحرائق، فالعربي؛ هو بضاعة المصالح الدولية في المنطقة، بدمه يتم تزويد الحرائق لتستشيط ضراما، ثم تجري عمليات تجميل لوجهه الذي أصبح مسخا، من كثرة وشدة الاحتراق.. لا سؤال عن مصير الوجه العربي، فهو لن يعود جميلا مهما جمّلوه، لأنه ارتضى الانمساخ شكلا، وتماهى مع الظلام، وتعايش مع غياب الحرية والعدالة والكرامة، ولن يعود جميلا حتى لو أصبح الوجه بدرا..
«وعشان انول كل الرضا، يوماتي أرحله مرتين»..الخ.