ثلاثة قرون من الحروب الأمريكية: خسائر مادية وبشرية هائلة دون جدوى

لم تتعلّم الولايات المتحدة من حروبها الفاشلة في المنطقة وخارجها، ولا يبدو أنها تتجه الى مراجعة تلك الهزائم. هي اليوم تستعدّ لضرب سوريا ولوبحجج ضعيفة وغير مثبتة.. مشاورة الكونغرس لا تخرج عن إطار الشكليات، فكلّ معاركها السابقة لم تنطلق بصفّارة مزعجة، بل بحركة مجنونة ممن تولّى الحكم فيها منذ أواخر القرن الثامن عشر الى اليوم.

بين عامي 1775 و1783، خاضت أمريكا حرباً ضدّ الإمبراطورية البريطانية، وانفصلت عنها وأعلنت استقلالها حينها. هذه "الثورة" التي دامت ثماني سنوات أدّت الى تحرير الولايات المتحدة، لكن كبّدتها خسائر مادية وصلت الى 2.4 بليون دولار وخسائر بشرية بلغت 4486 قتيلاً.

بين عامي 1801 و1805، شنّت واشنطن الحرب البربرية الأولى على دول شمال أفريقيا التابعين للامبراطورية العثمانية المعروفة في ذلك الوقت جماعياً باسم الدول البربرية وهي الجزائر وتونس وليبيا. استغرقت 4 سنوات، وراح ضحيتها آلاف القتلى.. مضت سبع سنوات، ثمّ دخلت الولايات المتحدة في حرب أخرى ضدّ بريطانيا وكندا بين عامي 1812 و1815.. على مدى ثلاث سنوات، دفعت واشنطن ما يقارب الـ 1.6 بليون دولار كخسائر مادية في هذه المعركة، مخلّفة وراءها 2260 قتيلاً.

لم تكد تنتهي من حربها مع كندا وبريطانيا، حتى استأنفت الولايات المتحدة قتالها ضدّ الجزائر وتونس وليبيا، استغرق ذلك 5 سنوات، مكلفة خزينتها المزيد من الأعباء المالية والبشرية بفضل قرارات الحرب العشوائية.

أخذت الإدارة الأمريكية قسطاً من الراحة، ثمّ أعادت الكرّة ثانية، هذه المرة ضدّ جارتها المكسيك بين عامي 1846 و1848. خلال سنتين، بلغت كلفة الحرب 2.4 بليون دولار مع 58220 قتيلاً.

عام 1861، اندلعت الحرب الأهلية الامريكية الدامية وانتهت عام 1865، فاق فيها عدد الضحايا الـ750 ألف قتيل، عددٌ قد يوازي عدد القتلى في كل حروب الولايات المتحدة مجتمعة، غير أن أضرارها المادية بلغت 79.7 بليون دولار.


سنة 1865 انطلقت الحرب الامريكية ضد الهنود الحمر، طالت هذه المواجهات كثيراً استمرّت نحو 26 عاماً الى أن توقفت سنة 1891.. فترة زمنية كانت كفيلة بتدمير البنية الداخلية والاقتصادية للولايات المتحدة.

اسبانيا أيضاً طالها العداء الأمريكي، نشبت الحرب بين البلدين عام 1898 لكنّها لم تدم إلا عاماً واحداً. حصيلة هذه المواجهة كانت 9 بليون دولار خسائر مادية و4435 قتيلاً، نتج عنها تحول الولايات المتحدة إلى دولة استعمارية كبرى.

عام 1899، شنّت واشنطن حرباً على الفيليبين توقّفت مع بداية القرن العشرين أي سنة 1902، ثمّ أعقبتها بالانخراط في الحرب العالمية الاولى التي بدأت عام 1914 وانتهت عام 1918، فتحالفت آنذاك مع بريطانيا وفرنسا وروسيا مقابل ألمانيا وإيطاليا والنمسا والمجر. هذه الحرب كلّفت الولايات المتحدة 116516 قتيلاً و334 بليون دولار.

بالتزامن، كانت واشنطن تخوض حرباً مع المكسيك للمرة الثانية عُرفت بـ"حرب الحدود" بين عامي 1910 و1919، دامت تسع سنوات. هدأت جبهة الأمريكيين 22 عاماً، الى أن اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1941، فواجهت حينها ألمانيا وإيطاليا واليابان، قتال دام أربع سنوات، وألقت خلاله الولايات المتحدة أول قنبلة نووية في التاريخ على مدينة هيروشيما اليابانية في عام 1945. القنبلة التي تزن عشرة آلاف طن، أوقعت 66000 قتيل ياباني على الفور وعشرات آلاف الجرحى، إلا أن الحصيلة النهايئة للقتلى في هذه الحرب على حدّ سواء، وصلت الى حدود 405399 قتيلاً، مع تكلفة مادية لامست الـ4.1 بليون دولار.

كلّ هذه الأرقام لم تردع أميركا، تابعت مسلسل الحروب، فوقع الاختيار هذه المرة على كوريا الشمالية المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي والصين، خاضت المعركة بين عامي 1950 و1953. ثلاث سنوات من المغامرة الامريكية الى جانب كوريا الجنوبية، راح ضحيتها 36574 قتيلاً مع خسائر بلغت 341 بليون دولار.

عشر سنوات أخرى بين عامي 1964 و1975 صرفتها الولايات المتحدة من تاريخها لشنّ ضربات على فييتنام وتنفيذ مجازر مروعّة فيها حيث قُتل ما يقارب الـ58220 شخصاً. كلفة الحرب هذه بلغت 738 بليون دولار.

المعركة التالية كانت في الخليج، حين هاجم الجيش الأمريكي العراق عام 1990 من أجل "تحرير الكويت". توقفت الحرب بعد مضي عام واحد وبنتيجتها وصلت خسائر واشنطن الى حدود الـ102 بليون دولار.

في العام 1995، تدخّلت الولايات المتحدة في البوسنة والهرسك كجزء من حلف شمال الاطلسي، بحجة حماية الأقليات والدفاع عن المسلمين، لكن سرعان ما تبيّن أنها كانت تسعى الى تحقيق سيطرة على جزء أساسي من قارة أوروبا.

مع بداية القرن الحادي والعشرين، احتلّ الجيش الأمريكي أفغانستان وتحديداً عام 2001، ولم يزل تحت ذريعة محاربة "إرهاب تنظيم القاعدة". القتال المستمر منذ 11 عاماً في أفغانستان كبّد واشنطن وفق الأرقام الرسمية 600 بليون دولار.

العراق ظلّ وجهة الأمريكيين ولو اختلفت أسباب غزوه. في العام 2003، احتلّت القوات الامريكية العراق بعد أن لفّقت تهماً بامتلاكه أسلحة دمار شامل، فدمّرته ونهبت ثرواته ولم تعثر على سلاح نوعي واحد على أراضيه. كلفة الحرب في العراق التي انتهت عام 2011، أي استغرقت ثماني سنوات، بلغت 810 بليون دولار، وهي أكبر خسارة مادية للولايات المتحدة في تاريخها الى اليوم، فيما سقط 2174 قتيلاً حينها.

الولايات المتحدة غزت أيضاً بنما عام 1989 في عهد جورج بوش الأب، أما تبريرات هذه الحرب فتتلخّص بـ"الحفاظ على حياة المواطنين الأمريكيين في بنما، وبمكافحة تجارة المخدرات".

في المغامرات الأمريكية تحضر كوبا. الجيش الأمريكي غزا كوبا لكنّه فشل سريعاً، وذلك ضمن العملية التي اشتُهرت بـ"غزو خليج الخنازير" عام1962، على خلفية تنصيب الاتحاد الروسي صواريخ له على الاراضي الكوبية، وأُريد من خلالها قلب النظام على الرئيس آنذاك فيدل كاسترو.

يعود مسلسل فشل العمليات العسكرية الأمريكية المتنقّلة بين البلدان الى ما قبل استقلال الولايات المتحدة.. سقوط تلو سقوط لم يدفع كلّ من وصل الى سدة الرئاسة في واشنطن الى أخذ العبر من تجارب الحروب العبثية لجيشه أينما حلّ وتمركز. المجازر الأمريكية التي ارتبكت في فييتنام هزّت الرأي العام في الولايات المتحدة، ولاسيّما بعد أن أعقبته الخيبات المتواصلة في العراق وأفغانستان.. حروبٌ لم تحقق لواشنطن إلا أعباءً اقتصادية هائلة، فكلفتها الإجمالية وخاصة تلك التي خيضت في مرحلة ما بعد الاستقلال بلغت 1.4 تريليون دولار.. أرقامٌ خيالية، لا تروّع أياً من حكّام البيت الابيض. نهج سياسي عسكري لن يتبدّل طالما لغة المصالح السلطوية هي التي تتحكم برؤساء أمريكا.