لماذا تصرّ فرنسا على التمايز وتصعيد الموقف في سوريا؟

أنطوان الحايك

ماذا تريد فرنسا من الشرق الاوسط ولماذا تصرّ على تصعيد الموقف في سوريا في وقت شعر فيه المجتمع الدولي بخطورة الموقف وحراجته، فبدأ حركة مكوكية دبلوماسية واسعة النطاق بحثا عن مخارج وتسويات تحفظ ماء الوجه وقد تؤدي أغراض الحرب من دون وقوعها؟ ولماذا تسير عكس سياسات أكثرية الدول الاوروبية المنضوية تحت لواء الاتحاد الاوروبي، وبالتالي هل تحاول أن تتمايز في مواقفها أم أنّها تقود حملة سياسية بعد أن شعرت بأنّها قد تكون خارج التسوية أو أنها صاحبة الحصة الأصغر في احتساب المغانم السياسية والاقتصادية والمعنوية؟

أسئلة تدور في رأس المراقبين الأكثر تمرسا في السياسات الاوروبية الخارجية والاقتصادية، في وقت لفت ما كشفته بعض التقارير الدبلوماسية الموصوفة بالسرية عن بعض الجوانب المتصلة بهذا الملف، حيث تشير أنّ لفرنسا كما لروسيا احلاما كبيرة ومصالح استراتيجية واقتصادية واستثمارات نفطية في الشرق الاوسط وفي افريقيا الشمالية، وهي تتعدى قدرتها على تحقيقها في ظل موازين القوى الراهنة من جهة، واصرار واشنطن ومافيات النفط والسلاح المتحكمة بسياساتها الدولية على حصة الاسد من المغانم التي تأتي على شكل مبيعات للسلاح وتحكم باسعار النفط الخام من جهة ثانية، فضلا عن صفقات كان من المقدر لها ان تعيد فرنسا الى خارطة الدول المتحكمة اقتصاديا بالغاز لو نجحت بالتعاون مع قطر وتركيا في اسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد، وذلك على حساب الاقتصاد الروسي.

ويكشف التقرير المذكور أنّ فرنسا تحاول تكرار المشهد الليبي الذي حقق لها بعض الصفقات على صعيد التسويق لطائرتها الحربية الجديدة “رافال” خصوصا بعد أن خسرت في سوريا منذ تورطها في ساحتها اكثر من عشرين مليار دولار وهي كناية عن استثمارات نفطية مفترضة لصالح شركة توتال الفرنسية فضلا عن عروض لانشاء شبكة انفاق المترو التي كانت سوريا تعد لها، وبالتالي التعويض من خلال صفقات سلاح لم تنجح في ابرام سوى صفقة اعادة تأهيل سفينة حربية سعودية بقيمة مليار دولار، فيما كانت حصة الاسد لمصلحة واشنطن وشركاتها النفطية.

ازاء هذا المشهد، يعرب معدو التقرير عن اعتقادهم بان فرنسا وجدت نفسها وحيدة في الرمال السورية المتحركة وعاجزة عن تبديل ميزان القوى بالرغم من دعمها للمعارضة السورية وسيرها جنبا الى جنب مع المملكة العربية السعودية باعتبار ان المكاسب القطرية محسومة لمصلحة الولايات المتحدة، وبالتالي فانه لم يعد لديها شيء لتخسره وهي تساوت مع الرئيس الاسد في هذه الناحية وهذا ما يفسر تشددها واندفاعتها في وقت بدأ العالم بالعد التنازلي في طريق العودة.

واكثر من ذلك، يشدد التقرير على نقطة وصفها بالسرية وهي ان للجيش الفرنسي اكثر من عشر رهائن هم بمثابة أسرى حرب وهم من فرقة المظليين اسروا في خلال عملهم بصفة خبراء او صحافيين، مع الاشارة الى ان بعضهم سقط بايدي مقاتلي “حزب الله” في القصير. والجدير ذكره، دائما بحسب التقرير، أنّ المفاوضات السرية بين الدولتين لم تؤد الى نتائج ايجابية بل ساهمت في تنفيذ التهديد بادراج “حزب الله” على لائحة الارهاب للاتحاد الاوروبي واسست الى اندفاعة فرنسية تجلت بموجة عارمة من الضغوط لم تؤثر في المسار العام نظرا الى ان الغرب ترك باريس وحيدة في المعركة الى جانب تركيا والسعودية دون سواها من دول مجلس التعاون الخليجي التي تحاول اعادة وصل خطوط جديدة مع ايران عبر بعض الوسطاء والحلفاء.