لماذا فشل " ربيع " سوريا ؟ .

أحمد الحباسى

في 18 مارس 2011 ، في منطقة درعا ، كانت البداية ، و من درعا بدأ “ربيع” سوريا ،في مثل ذلك التاريخ و في تلك اللحظة التاريخية و من ذلك المكان ، كان مقدرا أن يبتدئ الربيع السوري ليكون امتدادا لربيع تونس و ليبيا و مصر و اليمن ، و في تلك اللحظات الحاسمة لم يكن ساسة الشام في وارد مجرد التفكير أن شيئا مرعبا بصدد الحدوث و أن النظام على قاب قوسين أو أدنى من مواجهة أكبر مؤامرة دولية شكلت الجماعات الإرهابية ركيزتها الأولى ، فشلت الاستخبارات السورية في توقع الكارثة أو لنقل من باب الموضوعية أنها لم تصب في كافة توقعاتها و لم تمكن النظام من كافة خيوط هذه اللعبة الدموية القذرة ، مع أن ما وقع في دول ما يسمى بالربيع العربي من سرعة امتداد اللهيب و ما طرح حول ذلك من علامات استفهام إعلامية قد كان كافيا لاستشعار الخطر و دفع النظام إلى إبراز مهارته في فن التوقي و التعامل الحذر مع الأحداث .

كانت هناك مؤامرة مدبرة بصورة مسبقة ، و كانت هناك مخططات مدبرة بليل ، وكان العدو متربصا بسوريا لإسقاط النظام في أجل مقدر ببعض الأيام و الأسابيع لا غير ، لأجل ذلك حشد كل ما “يملك” من قدرات استخبارية و إعلامية متنوعة، و بسرعة البرق “قتل” الإعلام الفاسد “الثوار” في درعا ، و بنفس السرعة نزل “البيان رقم واحد” في محطة الجزيرة حول “مجزرة ” يرتكبها النظام في درعا ، و بسرعة أيضا “رفع” المتظاهرون يافطات جاهزة تطالب بالقصاص لدم “الشهداء” ، بنفس السرعة طبعا تحولت مظاهرة درعا إلى حصان طروادة يختفي وراءه مشروع قذر مكتمل الأركان و الأغراض و النوايا و بات الجميع في الداخل و الخارج يتلون نفس البيان المعد مسبقا المطالب برحيل الرئيس الأسد ” فورا ” .

يلخص النائب البريطاني ما حصل في سوريا باختزال شهير ” ثورة تقف وراءها إسرائيل و أمريكا و الخليج لا يمكن أن تكون ثورة ” ، لكن الولايات المتحدة و إسرائيل تتقدمان للعالم بكونهما من الديمقراطيات المثالية و أول المدافعين عن حرية الشعوب و عن عشاق الحرية ، هنا تكمن مفارقة عجيبة باجتماع ” الديمقراطيتين ” المذكورتين مع محميات الخليج المعروفة بكونها من أكثر الدول كراهية للديمقراطية و حقوق الإنسان، فهل يختلط الماء بالزيت على رأى الفنان هاني رمزي في فيلم ” محام خلع ” ، هناك مفارقة عجيبة أخرى تتمثل في أن وقوف “أصدقاء سوريا ” قد كان إلى جانب “الإخوان المسلمين ” في سوريا و هؤلاء معروف عنهم كراهيتهم المعلنة للديمقراطية و لحقوق الإنسان من ناحية و من أخرى كراهيتهم المشكوك فيها “للشيطان الأكبر “و حليفه الولايات المتحدة و إسرائيل ، فكيف اجتمع الماء بالزيت يا ترى ؟ .

يقال أن الشهية تأتى مع الأكل ، هكذا ظن “أصدقاء سوريا ” بعد أن سقطت أنظمة ما يسمى بالربيع العربي و لم يبق إلا نظام الرئيس الأسد ، لا أحد تفطن أن سوريا فعلا ليست مصر و لا ليبيا و لا تونس و لا اليمن ، و أن الماء لن يجتمع بالزيت هذه المرة أيضا ، فنظام الأسد و مهما قيل فيه و عنه ، و مهما أساء إليه المنافقون مثل عبد الباري عطوان أو حمدي قنديل أو عزمي بشارة و بقية إعلام المدابغ لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بنظام حسنى مبارك أو بن على أو القذافى ، فسوريا هي عنوان عربي وحيد للمقاومة ، و النظام مهما أرتكب من أخطاء في حق الديمقراطية و حقوق الإنسان يبقى من أكثر الأنظمة العربية نجاحا في كثير من المجالات ، و عندما ترفع روسيا الفيتو لأكثر من مرة في وجه “أصدقاء سوريا ” مجتمعين فهذا أكثر الأدلة إقناعا بأهمية الدور السوري في المنطقة و هذه المرتبة لم تبلغها مصر زمن الاتحاد السوفيتي السابق رغم عدوان و هزيمة 1967 النكراء و لم يبلغها معمر القذافى رغم اعتداء رونالد ريغان على مقره في باب العزيزية .

في مصر حدث زلزال غير مسبوق بسقوط العميل حسنى مبارك ، و كان في الحسبان أن يسقط الرئيس الأسد خلال ساعات خاصة أن الرئيس الأمريكي قد طالبه بالتنحي فورا ، لكن من المفارقات أن أمريكا و أصدقاءها ” الصهاينة ” و عملائها العرب لم يستطيعوا لحد الآن الحصول على ” توليفة” متجانسة يمكن توصيفها بالمعارضة السورية لحما و دما ، فكل “الرموز” التي تداولت على هذا ” الائتلاف ” العجيب متنافرة لا تمثل حتى ظلها و بات واضحا أن مقعد سوريا المنتزع “بقرار” من الجامعة العربية أكبر من أن يتم شغله من بعض أزلام بيوت القمار الباريسية و منتجعات اللهو الغربية الصهيونية ، و إلى اليوم ، لا يعرف ” المتابعون ” للشأن السوري هوية أو أسماء هذه القيادات المنزوعة الدسم المنصبة على رأس هذا الائتلاف اللقيط ، بل لنقل أن أصدقاء سوريا قد فاجأهم المخاض و لم يدركوا بولادة داعش إلا بعد أن حصل المكروه و فاض كأس الإرهاب ليهدد عقر دار الخليفة السعودي و جاره العميل الأردني .

” الأخبار و الثورة المتلفزة ” ، كتاب الصحفية سوزانا فيشر ، يفضح خرق وسائل الإعلام الغربية لواجب المهنية في تناولها للشأن السوري بكيفية مغلوطة ، الأرقام تتحدث عن سقوط و انحدار سريع لنسبة مشاهدة قناتي العربية و الجزيرة بالذات ، هنا ، يجب التنبيه إلى مفارقة عجيبة أخرى ، لان قناة الجزيرة بالذات لم تنجح في إسقاط الرئيس الأسد و نظامه باعتبار أنها تدعى إسقاطها لأنظمة الربيع العربي الآيلة للسقوط بطبعها، هذا دليل ثابت على أن الإعلام الفاسد لا يمكن أن يطيح بالأنظمة المتماسكة بل من الممكن أن يكون للفيديوهات القذرة التي تفضح الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها الجماعات الإرهابية السعودية في حق الأبرياء السوريين و التي تبثها تلك القنوات وقع سيء على المتابع بما يجعله يتساءل السؤال الطبيعي : هل هذه ثورة ؟ .

في نهاية الأمر استهلك “أصدقاء سوريا ” كل ذخائرهم المالية و الإعلامية بما في ذلك الخطب التكفيرية ، و لم يبق للرئيس الأمريكي إلا أن يقر علنا بفشله في سوريا كما فشل بوش في العراق و أفغانستان و كما فشل سابقوه في فيتنام و كوبا و الصومال و لبنان ، بالنتيجة ، هناك حقائق مهمة تطرح من بينها تراجع القوة الأمريكية ، سقوط نظرية جيش إسرائيل الذي لا يقهر ، تراجع دور جماعة الإخوان المتشابك مع الدور الصهيوني ، سقوط دولة الخلافة في السعودية في بئر الخيانة ، رجوع الدور الروسي إلى مداره الطبيعي ، تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة ، قدرة حزب الله على التعامل مع خطرين في نفس الوقت ، يبقى الآن على قطر “استرجاع” قطيع الائتلاف و إرجاعه إلى دور البغاء السياسي الصهيوني ، فالثورة لا تنجبها نساء البغاء ، و سوريا لا تحتاج إلى ربيع بلون الدم.