أوباما على مفترق طرق حاسمة
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
أوباما على مفترق طرق حاسمة
سید مهدي نوراني
دلّت الوقائع ومجريات الأحداث التي حصلت مؤخّراً على صعيد العلاقات الخارجيّة لإيران بالولايات المتّحدة الأمريكيّة، على أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة باتت اليوم تشكّل قوّةً إقليميّةً عظمى ذات موقعيّةٍ وازنة ومشهودة في المعادلات والتوازنات السياسيّة القائمة في العالم اليوم.
ومع أنّ العلاقات بين أمريكا وإيران لا تزال ـ في وقتنا الراهن ـ متأرجحة ومثار بحث وجدالات عديدة، بسبب تاريخ العلاقات بين البلدين الحافل بالتوتّرات والاضطرابات التي نشأت بفعل الممارسات والانتهاكات الأمريكيّة ضدّ الشعب الإيرانيّ، غير أنّ الأحداث الأخيرة التي اتّفق حصولها خلال السفر الأخير الذي قام به الوفد الإيرانيّ إلى نيويورك، أثبتت ـ وبما لا يدع مجالاً للشكّ ـ قوّة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة والمستوى الذي بلغت إليه.
فمن سعي أوباما إلى الاتّصال المباشر برئيس الجمهوريّة الإيرانيّ، إلى خطابه ذي اللّهجة التصالحيّة في منظّمة الأمم المتّحدة، إلى ما أعلنه مسؤولون كبار في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، كوزير الخارجيّة الأمريكيّ الذي أعلن عن رغبته في إجراء اتّصال مع نظيره الإيرانيّ.. هذه ـ كلّها ـ شكّلت جانباً من الخطوات التي أقدمت عليها واشنطن لجهة التقارب والتواصل مع طهران.
وفي الواقع، فإنّ أمريكا كانت منذ فترة قد أعطت الضوء الأخضر للمضيّ في عمليّة التقارب مع إيران، معلنةً جهوزيّتها لرفع المشكلات والتوتّرات القائمة على مستوى العلاقة بين البلدين.
ومن هنا، يمكن أن نقول: إنّ هذه الأحداث الأخيرة يوجد فرقان أساسيّان بينها وبين سائر المساعي والجهود الأمريكيّة المبذولة في هذا الإطار:
١ـ بعد مجيء الحكومة الإيرانيّة الجديدة، واستبدال إيران ممثّليها السابقين بممثّلين آخرين، خرجت هذه الرغبات والمطالب الأمريكيّة إلى العلن وصرّح عنها المسؤولون الأمريكيّون إلى وسائل الإعلام.
٢ـ بعد أن كرّرت أمريكا مطالبها بالتقارب مع الجمهوريّة الإسلاميّة، أعلنت السلطات الإيرانيّة عن سياستها الجديدة التي أطلقت عليها اسم «النعومة البطوليّة»، سامحةً لأجهزتها بتقديم ردودٍ أوّليّة تمهيديّة على الطلبات الأمريكيّة المتكرّرة.
ولأجل هذا، وبالرغم من كلّ المزاعم والادّعاءات الإعلاميّة التي زعمت حصول اتّفاق جديد بين إيران وأمريكا على مستوى العلاقات الخارجيّة بين البلدين، ينبغي الالتفات إلى أنّ الخطابات الأمريكيّة القائمة على مبدأ الاستسلام والرضوخ في وجه إيران ليست في الحقيقة توجّهاً جديداً لدى الإدارة الأمريكيّة، بل هو لطالما كان أمراً طبيعيّاً ومتكرّراً.
وأدّى ارتفاع قوّة إيران في المجالات العسكريّة، والعلميّة، والتقنيّة، وكذلك حالة الاكتفاء الذاتيّ التي استطاعت أن تحقّقها في المجال الاقتصاديّ، والتي تتعاظم فيها يوماً بعد يوم، إلى جانب قدرتها السياسيّة الخلّاقة التي لا يمكن إنكارها في المسائل والملفّات الإقليميّة، وبخاصّةٍ: ملفّات سوريا، وفلسطين، والمقاومة، مضافاً إلى مكانتها الخاصّة والمتميّزة في العالم الإسلاميّ و… أدّى كلّ ذلك إلى أن تجد الولايات المتّحدة الأمريكيّة نفسها، وبكلّ وضوحٍ وشفافية، مرغمةً على تغيير أدبيّاتها وسياساتها وخطاباتها في مقابل الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.
الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة التي جرت في إيران، والمشاركة الواسعة فيها من قبل مختلف شرائح المجتمع الإيرانيّ، والتي جاءت تلبيةً لنداء قائد الثورة الإسلاميّة، جعلت الحكومة الإيرانيّة الجديدة تحظى بدرجةٍ عالية من الشرعيّة، وأتاحت لها أن تلعب دورها بوصفها واحداً من العوامل الأساسيّة في تعزيز القدرة الوطنيّة للبلاد، وسمحت لها أن تكمّل النقص الطارئ على بعض عناصر ومكوّنات القوّة الإيرانيّة الإقليميّة والدوليّة.
كلّ ذلك، جعل الولايات المتّحدة الأمريكيّة تعتبر طرقها وحلولها القديمة والمتكرّرة التي لطالما اتّبعتها في العلاقة مع سائر دول العالم، جعلها تعتبر هذه الطرق والحلول غير ذي جدوى، وغير قابلةٍ للتطبيق، في الحالة الإيرانيّة، بل جعلها ـ وفقاً لما جاء في خطاب الرئيس أوباما في الهيئة العامّة للأمم المتّحدة ـ تسحب عن الطاولة خيار “تغيير أو إسقاط النظام في إيران”، ليحلّ بدلاً منه خيار آخر، وهو خيار إجراء اتّصالات مباشرة مع الإيرانيّين.
وأوضح شاهدٍ لإثبات هذا المدّعى هو اعتراف أوباما نفسه، حيث تمّ الإعلان عن ثلاث محاولاتٍ قام بها أوباما ـ لحدّ الآن ـ لإجراء اتّصالاتٍ مع مسؤولين رفيعي المستوى في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، صرّح فيها عن رغبته في إجراء محادثاتٍ ثنائيّة بين البلدين.
وعلى الجانب الآخر، وخلال المراحل الزمنيّة المختلفة التي كانت أمريكا فيها تتقدّم بطلب إجراء اتّصالاتٍ للتقارب ورفع التوتّر مع إيران، كان قائد الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة يُعلن في كلّ مرّةٍ أنّ إيران لديها شكوك جدّيّة في واقع الأهداف والنوايا الأمريكيّة، معتبراً أنّنا لم نشاهد أمريكا ـ لحدّ الآن ـ تقدّم أيّ خطوة تُثبت حسن نواياها، وابتعادها عن سياساتها السابقة، الأمر الذي كان يجعل القائد لا يرى مصلحةً ـ في تلك المراحل الزمانيّة ـ في القبول بالجلوس إلى طاولة مفاوضات مع الأمريكيّين.
وبمرور الوقت، وتكرّر ردود الفعل الإيرانيّة الرافضة لهذه السياسات الأمريكيّة، إلى جانب صمودها وعدم تراجعها واستسلامها أمام الضغوط المفروضة عليها اقتصاديّاً ودبلوماسيّاً و..، وجدت إدارة البيت الأبيض نفسها مضطرّةً إلى تغيير موقفها، من “السعي إلى دفع إيران للقبول بالمحادثات”، إلى “السعي نحو الحوار وبناء الثقة مع إيران”.
وهذا هو السبب المباشر في هذا التغيير والتحوّل الاستراتيجيّ الذي شاهدناه في خطاب الرئيس الأمريكيّ أوباما بالنسبة إلى إيران. وهذا أيضاً هو ما جعل أوباما مضطرّاً إلى الإعلان صراحةً عن أنّ “الولايات المتّحدة الأمريكيّة” لا تسعى إلى إسقاط أو تغيير النظام في إيران”. وفي الواقع، إنّ هذا يمكن اعتباره استسلاماً ورضوخاً أمريكيّاً لإيران؛ ذلك لأنّ هذا الإعلان من قبل الرئيس الأمريكيّ لا يعكس فحسب اعترافاً بحالة العجز والفشل التي وصلت إليها السياسات الأمريكيّة السابقة التي كانت ترمي إلى تغيير النظام في الجمهوريّة الإسلاميّة، بل هو يعكس أيضاً موقفاً جديداً للرئيس الأمريكيّ، ويجعله في عداد المعارضين لفكرة العمل من أجل إسقاط النظام الإيرانيّ.
ولذا، إن شئنا أن نترجم هذا الإعلان الأمريكيّ الواضح والصريح، نستطيع أن نقول: “إنّ أمريكا التي رضخت للإرادة الإيرانيّة هي أعجز من أن تكون لها القدرة حتّى على التفكير بإسقاط أو تغيير النظام في إيران”، وهذه هي الحقيقة، لا كما يروّج له البعض من أنّ أمريكا غيّرت أهدافها ونواياها تجاه إيران دون سببٍ يُذكر، وأنّها ـ ببساطة ـ استبدلت خيار الحرب الذي كانت تتبنّاه بخيار الحوار والتفاوض.
في الواقع، إنّ هدف أمريكا من كلّ تلك الإشارات الإيجابيّة التي بعثت بها، ولا سيّما من خلال إعلان رغبتها بإجراء اتّصال هاتفيّ مع أعلى مسؤولٍ تنفيذيّ في إيران (رئيس الجمهوريّة الإيرانيّة)، إنّما كان عبارةً عن تجسيدٍ للإرادة السياسيّة الأمريكيّة المستجدّة بالعمل على بناء الثقة في سبيل الارتقاء بالعلاقات بين البلدين.
هذا. لكنّ أوباما الذي خرج إلى وسائل الإعلام وألقى خطابه في هيئة الأمم المتّحدة، كان مختلفاً أيضاً عن أوباما الذي كان حاضراً في اللّقاء مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء كيان العدوّ الصهيونيّ، والأهداف “النيوكانطيّة” هذه المرّة كانت بارزةً بشكلٍ لافت في خطابه.
أوباما الذي كان في هيئة الأمم المتّحدة كان يتحدّث عن المصالح القوميّة والوطنيّة لأمريكا، وكان يسعى إلى إعلان أنّ موقفه من إيران كان منحازاً ومستقلّاً عن اللّوبيات الصهيونيّة النافذة والمؤثّرة. لكنّه سرعان ما تراجع خطواتٍ إلى الوراء إثر الضغوطات التي مورست عليه من قبل نتنياهو والشبكات والتنظيمات الصهيونيّة.
الصهاينة الذين رأوا في الأحداث الأخيرة التي جرت بين إيران وأمريكا في منظّمة الأمم المتّحدة إنذاراً يتهدّدهم بهزيمةٍ ذريعة، سارعوا إلى إيفاد نتنياهو إلى البيت الأبيض، ليضع أوباما ـ مجدّداً ـ تحت ضغطٍ هائل وجعله يرضخ لرغبات المسؤولين الصهاينة والمجموعات والتنظيمات القويّة التي يشرفون على إدارتها.
وبالرغم من أنّه قد يمكن الوثوق بأنّ الكلام الذي صدر عن أوباما خلال لقائه مع نتنياهو لم يصدر إلّا من أجل إسكات الصهاينة واجتناب تأزّم العلاقات بين أمريكا و”إسرائيل”، وأنّه لا يُحدث أيّ تغيير على الرؤية الجديدة لأمريكا التي أتت كنتيجة لقدرة إيران على إثبات قوّتها في المنطقة والعالم، إلّا أنّ هذا الكلام من جهةٍ أُخرى كاشف عن نوعٍ من التناقض والتعقيد، لا بالنسبة إلى إيران، بل بالنسبة إلى المسؤولين الأمريكيّين الواقعين في أسر الصهاينة وقبضتهم المحكمة.
السبب الرئيسي في هذا التناقض هو عدم اتّخاذ الرئيس الأمريكيّ موقفاً حاسماً من الضغوطات المستمرّة التي يمارسها المتطرّفون الصهاينة ولوبياتهم المعارضة للجمهوريّة الإسلاميّة الموجودة داخل الأراضي الأمريكيّة.
وكانت اللوبيات الصهيونيّة والمتطرّفون المتعصّبون لـ “إسرائيل”، قد وجّهوا خلال الأيّام الأخيرة انتقاداتٍ عديدة لأوباما على خلفيّة مواقفه الأخيرة من إيران، مبدين تهكّماً وسخرية على طريقة تعامله مع إيران.
ومن جهةٍ أُخرى، فإنّ أوباما مرغم على أنّ يحافظ على حلفه مع “إسرائيل”، هذا الحلف الذي تعتبره أمريكا خطّاً أحمر لا يجوز الاقتراب منه؛ لما لهذا الكيان من تأثير على أمريكا في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والصحافة والاستراتيجيا والتحليل والدعاية و… وعلى أوباما أن يراعي ذلك، وأن لا يمعن في إغضاب هذا الحليف.
وعلى هذا الأساس، أمام أوباما اليوم مسار متعرّج وشديد الالتواء والتعقيد، وهو مسار عليه أن يمضي فيه قدماً إذا ما أراد إثبات أنّ أمريكا قد ابتعدت عن سياسة “الكانطيّين” الجدد القائمة على مبدأ “الهيمنة والغلبة على العالم”، ولا يسعه أن يغطّي على سياسة الهيمنة والتدخّل هذه بمجرّد إدخال تغييراتٍ على خطابه السياسيّ.
حقيقة الأمر، أنّ أمريكا إذا أرادت أن تُثبت حسن نواياها وصدق قرارها بإعادة بناء جسور الثقة بها، فعليها أن تقدّم المزيد من الخطوات الجدّيّة في هذا المجال، وأن تُثبت أنّ التصريحات الرسميّة التي صدرت عن المسؤولين الأمريكيّة في حقّ إيران كانت بمثابة “استدارة استراتيجيّة”، وليست مجرّد “التفاف تكتيكيّ” يهدف إلى تحقيق مصالحها ومنافعها الخاصّة.
ومن هنا، يتوجّب على الرئيس أوباما أن يحدّد ـ بدقّةٍ ووضوح، وبشكلٍ قطعيٍّ ونهائيّ ـ قراءته في كيفيّة التعامل مع إيران، وهو اليوم يقف على مفترق طرقٍ تاريخيّة حاسمة، فإمّا أن يُثبت حسن نيّته تجاه إيران، وإمّا أن يتراجع عن مواقفه الأخيرة ليبقى الأمر على ما كان عليه في السابق وتظلّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة مرتهنةً للسياسات الصهيونيّة.
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» عالم على مفترق طرق
» تركيا تدفع نحو خياراتٍ سياسيّةٍ حاسمة
» تركيا تدفع نحو خياراتٍ سياسيّةٍ حاسمة
» بنغازي اغتيال زوجة المواطن " عطية العمامي " في مفترق المساكن
» بنغازي: تفجير سيارة تابعة للصاعقة في مفترق بريد السلماني
» تركيا تدفع نحو خياراتٍ سياسيّةٍ حاسمة
» تركيا تدفع نحو خياراتٍ سياسيّةٍ حاسمة
» بنغازي اغتيال زوجة المواطن " عطية العمامي " في مفترق المساكن
» بنغازي: تفجير سيارة تابعة للصاعقة في مفترق بريد السلماني
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:32 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة سجلات الأعمال الإحصائية للبلدان العربية|قطاع التامين:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:31 pm من طرف ايمان محمد
» دورة إدارة وبرمجة وتخطيط وجدولة وضبط المشاريع بإستخدام الحاسب الالي MS Project و بريمافيرا:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:23 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة تخطيط وتطبيق مكاتب إدارة المشاريع والتحضير لشهادة مدير مشاريع محترف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:19 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة إدارة إتصالات ومخاطر وتوريدات المشاريع|إدارة المشاريع:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:16 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة تطبيقات الحوكمة فى القطاع المصرفى Governance|البنوك والمالية:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:07 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة مبادىء وإعداد القوائم المالية فى القطاع المصرفى|البنوك قطاع المصارف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:04 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة إدارة وتحصيل الإشتراكات التأمينية|البنوك قطاع المصارف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:02 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة استراتيجيات وتقنيات اعداد وادارة العقود والحد من المخاطر المالية والقانونيةالقانون والعقود:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:57 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة الأســـس الفنيـــة لصياغــــة عقـــود المقـــاولات الإنشائيـــــة|القانون والعقود:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:54 pm من طرف ايمان محمد