خلفيات التهرب من جنيف 2

غالب قنديل

لا يملك أحد من المعنيين القدرة على البت بأن مؤتمر جنيف 2 سيعقد بالفعل في الموعد الذي أعلنته الأمم المتحدة مبدئيا يوم 22 كانون الثاني 2014 ويعود السبب في ذلك إلى أن العوائق التي اعترضت هذا السبيل مستمرة بصورة أو بأخرى.
أولا: تهربت الولايات المتحدة ودول الناتو وحكومات السعودية وتركيا وقطر منذ عامين من مسؤولية الالتزام باتخاذ التدابير الهادفة لقطع أي مساعدة أو دعم عن العصابات الإرهابية في سوريا.
في البداية كان هذا التحالف العدواني ينكر وجود الإرهاب ويزعم أن ما يجري هو ثورة ومن ثم انتقل المتآمرون على سوريا إلى الإقرار بوجود الإرهاب والقاعدة وشغلوا اسطوانة تعزيز من أسموهم بالمسلحين المعتدلين تحت راية ما يسمى بالجيش الحر وبعدما تحولت جميع الرهانات إلى إفلاس مبرم وعجز فاضح عن تعديل التوازن الميداني وكذلك عن إثبات وجود جماعات مسلحة يسميها الأميركيون بالمعتدلة فأطراف هذا الحلف تروج لروايات عن “اعتدال” جبهة النصرة القاعدية والكتائب التي جمعت بالمال القطري وبالمخابرات السعودية تحت زعامة زهران علوش وكلاهما حصدا من مآثر الإجرام والإرهاب الكثير من المجازر وأعمال القتل والتفجيرات الانتحارية إضافة إلى تعميد أيمن الظواهري زعيم القاعدة للنصرة فرعا رسميا في سوريا.
إفلاس حلف العدوان وطبيعة أدواته في سوريا التي هي تجمع من إرهابيين ولصوص وقطاع طرق وفارضي إتاوات، يمثل حافزا لعرقلة عقد جنيف بينما ما تزال أطراف العدوان تراهن على إطالة أمد الاستنزاف ضد الدولة الوطنية السورية ولذلك فهي لم تقدم أي التزام جدي لوقف إمداد العصابات بالمال والسلاح والإرهابيين.
ثانيا: على الرغم من المناورات السياسية التي قامت بها حكومتا تركيا وقطر للإيحاء بأنهما تراجعتا لمسافة عن دورهما النشط في العدوان المستمر على سوريا إلا أن الوقائع والأدلة الملموسة تشير إلى العكس واحد الأدلة هو قيام خالد العطية وزير الخارجية القطري بترؤس اجتماعات مطولة في تركيا ضمت أكثر من ثلاثين فصيلا من الجماعات المسلحة التي تمولها قطر وتحظى بمساندة من بندر بن سلطان وبتسهيلات تركية وأردنية في التدريب والتسليح والتهريب والانتقال عبر الحدود .
كما أن النشاط الإرهابي لتنظيم الأخوان المسلمين في سوريا يلقى دعما قطريا تركيا فالحكومتان تتبنيان التنظيم العالمي للأخوان عبر الفرع السوري للتنظيم وبعض الفصائل الحماسية وما يثار من شائعات وانطباعات مخالفة ليس سوى تضليل مأجور تتولاه وسائل إعلامية عديدة بعضها محسوب على حلف المقاومة والمراجعة المحكي عنها في قيادة حماس لم تصل إلى درجة كافية لتبرئة حماس من تبعات الدم السوري والفلسطيني الذي تآمر بعض تلك القيادة في سفكه منذ انطلاق العدوان على سوريا.
ويحظى استمرار المتورطين وتماديهم في العدوان بمظلة الولايات المتحدة ودول الناتو .
ثالثا: الواجهات السياسية المعارضة والمتعارضة التي اعتمدها حلف العدوان ما تزال على خلافاتها ومناحراتها وقد فشلت جميع المحاولات لتوحيدها أو لإخضاع الجماعات الإرهابية على الأرض لسطوتها ومرجعيتها ورغم المحاولات المستميتة التي قادتها الولايات المتحدة فإن تلك المعارضات المبعثرة المكونة من مجموعة من العملاء المرتبطين بالمخابرات الأجنبية تبدو عاجزة أكثر فأكثر عن التكيف مع مبدأ الحوار السياسي وهي ما تزال تتخفى خلف شروطها التي تعلم أنها سقطت وسلم الأميركيون بسقوطها ولكنها تسعى بالإيعاز الأميركي إلى بلورة مجموعة من المطالب والبنود التي يراد بها اختراق المنظومة الوطنية السورية سياسيا وأمنيا انطلاقا من مقاعد الحوار في جنيف فهم يطرحون مؤخرا موضوع إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية السورية ويستعدون بإشراف أميركي للمشاركة في الانتخابات النيابية ولاختراق النسيج السياسي لصالح مشغليهم وأسيادهم في الخارج وهذا ما يصطدم باستحقاق الموقف من الإرهاب كشرط أساسي لإنهاء العنف في سوريا وهو ما يتهرب منه عملاء الغرب والخليج وجماعة الأخوان المسلمين الضالعين أصلا وأساسا في دعم الإرهابيين والتكفيريين.
رابعا: الدولة الوطنية السورية هي الجهة الوحيدة الجاهزة لحضور جنيف بدون شروط وهي تحمل معها أجندة واضحة لإنقاذ سوريا ولاستعادة الاستقرار الذي يستدعي قبل أي شيء آخر تصفية الإرهاب وإنهاء وجوده على الأرض.
الدولة الوطنية السورية تحشر جميع أعدائها في الزاوية من خلال تبنيها لأولوية مكافحة الإرهاب وهي تلبي بذلك إرادة الشعب العربي السوري فمكافحة الإرهاب كأولوية تعني إغلاق جميع المسارب المتاحة لتهريب السلاح والمسلحين وتعني إلزاما دوليا لا مهرب منه لجميع الحكومات المتدخلة بوقف إرسال المال والسلاح وتجنيد الإرهابيين ويبدو أنه عاجلا أم آجلا ستجد روسيا نفسها مضطرة إلى طرح الموضوع على مجلس الأمن الدولي وسيكون العالم بأسره أمام استحقاق دعم جهود الدولة الوطنية السورية في مجابهة الإرهاب وفي هذا السياق تسقط مسبقا محاولة حكومات الغرب والخليج وتركيا لبناء معادلة افتراضية تساوي بين وجود حزب الله وغيره من القوى الداعمة للدولة الوطنية وللشعب في سوريا من جهة وبين فصائل القاعدة والتكفير التي تضم خمسين ألف أجنبي من جهة أخرى وهذا ما يولد حرجا خانقا لحلف العدوان ، فسوريا هي الدولة الأولى في العالم التي تقاتل الإرهاب القاعدي بجدارة وسيجد المسؤولون الغربيون أنهم مجبرون على التصريح العلني بالكلام الذي يهمسون به سرا في دمشق التي يقصدونها ويرسلون الموفدين إليها لطلب التعاون ضد الإرهاب.
قد يأتي 22 كانون الثاني ولا يعقد المؤتمر الموعود لكن الأكيد أن الجيش العربي السوري سيكون قد أحرز المزيد من التقدم في تصفية معاقل الإرهاب وحين ستنجز الدولة الوطنية هذه المهمة بقدرات شعبها وقواتها المسلحة ستقلب الطاولة على رأس حلف العدوان وعملائه الصغار.