«بطاطا» كيري و«فَرو» لافروف وما بينهما

أجمعَ السياسيّون والمواطنون الروس على أنّ مزحة وزير الخارجية الأميركي جون كيري التي تمثّلت بإهداء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «كرتونة بطاطا»، لم تأتِ في الزمان والمكان الصحيحين ولا حتى في مضمونها.
فعلى رغم من أنّ كيري وُلد في أرض “البحث عن الذهب” أي في عمق الغرب الأميركي في ولاية كولورادو، وترعرع في ولاية ماساتشوستس المتخصصة بالجامعات والمعاهد التقنية، إلّا أنّه اختار “البطاطس” هدية للافروف وهو يدرك تماماً أنّ أراضي بلاد لافروف التي تشغل ثلث مساحة الكرة الأرضية لا تصلح في غالبيتها إلّا لزراعة البطاطس. ولعلّ حجم حبَّتي البطاطا كما ظهرتا بين يدي كيري ولافروف لهما دلالة واضحة على أنّها مزحة ذات خلفيات سياسية، إن لم نقل أيديولوجية، في اعتبار انّ البطاطا الروسية لا تنمو بأحجام كبيرة، وأنّ تاريخاً حافلاً في المجاعات التي باتت فيها “حبّة البطاطا برَجُل”، خصوصاً في بداية الثلاثينات من القرن الماضي حيث أتت المجاعة على أكثر من 8 ملايين سوفياتي. فهل إنّ كيري هو فعلاً بهذه البراءة ليقدّم هدية من هذا النوع للافروف امام عدسات الإعلام العالمية؟ أم أنّ بطاطا كيري هي رمز لموقف سياسي؟ من يعرف لافروف جيّداً يقرأ في الابتسامة التي ارتسمت على ملامحه عند تسلُّمه الهدية تعابير الاستهزاء، وهي ابتسامة يستخدمها الديبلوماسي الروسي في مواقف معينة، وحتى مستشاروه الذين كانوا إلى جانبه استدركوا مفاجأة كيري بعد لحظات بابتسامات مصطنعة. فهم يدركون جيّداً أنّ قوانين الأمم المتحدة المتعلقة بالأمن الغذائي تعتبر البطاطا العامل الأساس في النظام الغذائي للفقراء. بالطبع الجواب الروسي كان حاضراً، لكنّه جاء على دفعات، إذ إنّ لافروف عند تسلّمه هدية كيري أجاب باستهزاء واضح: “لن نصنع منها الفودكا بل سنأكلها”، في اعتبار أنّ الفقراء الروس، وتحديداً في المناطق النائية، يصنعون من البطاطا مشروباً يسمّى “ساماغون” وهو مشروب كحوليّ بديل من “الفودكا” ويشتهر بقساوة مرارته وقوّة فعاليته، وذلك عندما لا يكون القمح متوافراً. أمّا في ختام المؤتمر الصحافي الذي جمع الرجُلين بعد مفاوضات جرت خلف الأبواب المغلقة، فقال لافروف إنّ لحبَّتي بطاطا كيري شكلاً ذا خصوصيات معينة، إذ يمكن اعتباره تجسيداً للمثل الروسي القائل “يُحِب ويضرب”، وهو المثل المرادف للمثل الإنكليزي “العصا والجزرة” ما يعني أنّ كيري يتبع في التفاوض سياسة “الترغيب والترهيب”. وما إن انتهى المؤتمر الصحافي حتى سارع الديبلوماسيون الروس الى تقديم هدية للمتحدثة باسم الخارجية الاميركية جينيفر بساكي تمثّلت بقبّعة من الفَرو الروسي ذات أذنين طويلتين، وهي الهدية القيِّمة لدى الروس في فصل الشتاء، وتعني بحسب التقاليد الروسية “تهيَّؤوا لتحمُّل لسعات البرد القارس”، وتُعتبر ايضاً رمزاً للثبات والصمود، الامر الذي يشكّل دلالة واضحة على ثبات المواقف الروسية في المفاوضات. “كرتونة بطاطا” كيري حظيَت باهتمام كبير في مختلف وسائل الإعلام الروسية، فالإعلام المرئي أعدّ عنها تقاريرَ خاصة، والإعلام المسموع استضاف خبراء لقراءة معانيها، حتى إنّها تصدّرت العناوين الأولى لبعض وسائل الإعلام المكتوب التي أفردت لها مساحات واسعة على صفحاتها، ولعلّ الردّ الروسي الأنسب والمتعارف عليه، بحسب العادات والتقاليد والأعراف الروسية، على هذه الهدية، جاء على لسان أحد المواطنين الروس الذي علّق على الموضوع بقوله: “كان على كيري أن يقدّم حبَّتي البطاطا للرئيس بوتين”. وعندما سُئل لماذا؟ قال: “كان بوتين سيحدّد للوزير الأميركي أين هو المكان الصحيح لحشرهما.