«فيليب الأحمر» حارس دير «الشيروبيم» في صيدنايا

«الملائكة» هي المرادف العربي لكلمة «الشيروبيم» بالآرامية القديمة، والشيروبيم هو دير يقع على علو ٢٠٠٠ متر فوق بلدة صيدنايا في سلسلة الجبال السورية لجهة الحدود مع لبنان، وملائكة هذا الدير كُثر ولا خلاف على تسميتهم هناك، فمنهم من حمل قرآنه من حارة «الجورة» ومنهم من حمل «إنجيله» ومشى من صيدنايا صعوداً على درب جلجلة «السلام»، ومنهم من جاء من أقصى المدينة يسعى، من «نُبُل» المحاصرة المنسية ليدافع عن نفس التراب ونفس الوجوه ونفس الهواء.. تحت نفس السماء التي يرفرف فيها العلم السوري.
هنا «الله» أقرب إلى رجاله لشدة قربهم إلى الإنسان، ودفاعهم عنه حتى تتلون الأسماء والتراب والراية .. بالأحمر القاني.
منذ فترة طويلة ودير الشيروبيم عرضة لهجمات التكفيريين من مختلف الفصائل المسلحة في القلمون، وهو يصد يومياً عدة هجمات، تصل إليه من القرى والبلدات المحيطة من رنكوس وتلفيتا وبِدا وغيرها من معاقل المسلحين في المنطقة، آخر هذه الهجمات كان عبارة عن تسلل تحت جنح الظلام والضباب، عبر محاولة التفافية مباغتة، لم تُفلِح، فقد كان بانتظارهم خلف الصخور رجال افتدوا الدير وكتبوا وصاياهم على مذبحه.
«فيليب الأحمر» أبوطوني، أبٌ لثلاث بنات وصبي، مواطن سوري يعمل في الحدادة، لكنه ومنذ بدأت تهديدات المسلحين تصل إلى مسامع أهل قريته، تطوع في اللجان الشعبية، مقرراً الدفاع عنهم وحماية مستقبل أبنائه، مردداً أمام رفاقه «هيدي البارودة قطعة من ايدي متل المطرقة اللي هيي قطعة من ايدي التانية»، صاحب الخمس وأربعين عاماً من الطرق على الحديد لتحصيل الرزق، حمل الحديد ليحمي الروح، ومستقبل وطنه.
عمل مع اللجان الشعبية مدة قبل أن يبدأ الجيش تنظيمها ضمن ألوية الدفاع الوطني، فالتحق سريعاً بها، وكان من الأوائل بين من حملوا شعاره على أكتافهم، ورقمه في اضبارات الدفاع الوطني رقم ٢ أو ٣ بحسب ما يقول رفاقه، هو دائماً في الصفوف الأولى، حتى على محاور القتال لا يبيت تحت سقف ولا ينزوي في ركن دافئ، يختار صخرة أو متراس أو خندق متقدم ليرابط هناك مغالباً التعب والنعاس.
يوم الهجوم، كان قد سجل اسمه في نوبات الحراسة والدوريات، وقد لبس بذته العسكرية الأحب إلى قلبه، بذة شقيقه الشهيد في حرب تشرين، وتوجه نحو الدير، وبوصوله كانت قد وردت معلومات عن محاولة الإلتفاف حول الدير من الكمائن المتقدمة، وأخذ مكانه مصراً أن يكون في مقدمة المدافعين، هناك عند صخرة تقع أسفل الدير بثمانين متراً، جلس يترصدهم وينتظر.
اقتربوا منه وبدأ الإشتباك، اطلقوا نيرانهم بغزارة باتجاهه فأصيب في قدمه، سكت الرصاص فظنوا أنه استشهد، فيما أنزوى هو جانباً يزود رفاقه بالمعلومات عبر جهاز اللاسلكي، ويستعد لهم، كانوا ستة، خرج اليهم واشتبك معهم بانتظار وصول رفاقه، قتل ثلاثة قبل أن تصيبه إحدى الطلقات في صدره وسقط قبل وصول رفاقه ليجهزوا على الباقين، ويجدوا «فيليب» يتأبط سلاحه «شهيداً».
حصيلة الهجوم الأخير كانت ما يقارب الخمسين قتيلاً في صفوف المسلحين، الذين قدرت أعداد قتلاهم في محيط الدير بحوالي ٢٥ جثة فيما كان لا يزال احصاء الباقين مستمراً، وقدرت مصادر حامية الدير عدد المهاجمين بحوالي ٢٠٠ مقاتل، يتوزعون على عدة فصائل وأغلبهم من جنسيات غير سورية، وقد وجد في منطقة الاشتباك مع «فيليب» جثة لأحد القتلى الليبيين، فيما سقط لحامية الدير ٣ شهداء، أحدهم شاب من «نُبُل» المحاصرة في شمال سوريا بمجموعات التكفيريين، ربما لم يستطع الوصول للدفاع عن أهل بلدته فأنضم للمدافعين عن صيدنايا ودير الشيروبيم، وآخر من حي «حارة الجورة» تطوع في سرايا الدفاع منذ فترة طويلة، و«فيليب الأحمر» إبن بلدة صيدنايا وأحد «ملائكتها».