د. موسى إبراهيم:قصيدة "ضمير الغائب"

من طرف الشابي الأحد أغسطس 31, 2014 11:51 am

مهداة إلى يوسف وكريم العربي، وكل شهداء معركة بوسليم 2011.

هو.. شهوة الجميلات
حين يتفتحن،
كنوار الصيف الباكر
بين الشجيرات،
السدرة والطلحة… والرمان!
يمنحنه أثداءهن
مع القهوة الصباحية
في ضجيج "الشرقية"
ويرتمين قبالة الجسد الفاتن عند أول "أم درمان"
بينما هو، يوسف العربي
جندي النبي
يدندن آخر شِتّاوةٍ
سمعها من البدو
الذين جاؤوا اطرابلس
يطلبون الموت في شوارعها
والمجد،
ورائحة المكان

هو.. شهوة الجميلات
يلم بحر تاجورا بيمناه
وتحت شمس الهضبة الخضرا
يهش أغنام الرعاة العابرين
بعصاه
وفي بوسليم
حيث يتشقق إسفلت الظهيرة
يتمدد في ظل الهجيرة
في حضن البلد-الأم
يتفحص الحبل السُّري
يشم رائحة الفل البري
الذي نبت بعد أن
تناثرت أجساد الرفاق الطيبين،
كالقصائد،
في الهواء

قال الذي يجلس على حصير المسجد
كان فتنة الله في الأرض
بالطول وبالعرض
وليد اطرابلسي
جميلاً كرملة الشط
مهيباً كشجرة النخل
غامضاً يربك ضمير البنيات
اللاتي أقسمن عليه
بالسنة والفرض
أن يختم على القلوب
بالحب
قبل أن يتيمم
بتراب الوطن-الخواء

***

كان صوته وهو يقرأ النص المقدس
يصل نافذتي
في الطابق الأخير قبل الفضاء
فتنوش رقة المعاني حائط غرفتي الوحيدة
تعيد تشكيل الحروف في كراريسي
تسترد الروح نضارة الخلق القديم
البشارة الأولى، قبل رتق السماء،
وحين ينقطع الصوت عند أول الصبح
والحنجرة الجهيدة
أكون قد صرت كائناً
من خمر (خبز) وماء
ويكون هو، يوسف العربي
الصحابي
وحيداً، بجوار الإله، تطلبه بنات طرابلس،
وشط قرقارش، والجنة السعيدة

وفي بوسليم
كان يهيب بالرجال أن يستشهدوا قبل الصباح
لأن الجراح
تنادي الدماء التي غادرت العرق ذات مجد
وكان أولاد العربي يحرجون الجند...
جند الله
يصدعون بالأمر دون أجنحة ملائكية
ويحضنون الراية المنكسة
وكانت البراق بين الصهيل والنباح
تمنح ظهرها للقادمين على أسنة الرماح
لأن الذي يقرأ الكتاب
في ليالي الصيف الطرابلسية
اشتهى الغناء
ولم يعرف كيف يستعيد السورة المقدسة

قال الذي يفترش حصير المسجد
جاء الغرباء يلبسون ثياب أولاد البلد
ويمتطون الطيور الجارحة
دخلوا بوسليم بأحذية روما،
وعطور الغزاة الطيبين
و خمرة البارحة
والبنت التي تولهت بالولد
لم تعد
تجد…
غير طعم المرارة الكالحة
****

هو شهوة البنات والجنيات
يطلعن من طين ليبيا في هدرزات الأمهات
يربكن عقول الأولاد الأشقياء
ويشبكن قلوبهم الفتية
وحين يذرع شارع البريد
ينوش الجنة بكتفه الأيسر
وبالأيمن يدفع ملاكاً كان يعبر الإشارة الضوئية الخضراء
وفي ميدان جامع القاسي
يجلس على الإسمنت
يتحسس نبض الإسفلت
يبوس أحجار الطريق
يسترق السمع إلى ليبيا النائمة
قبل أن تفيق
ثم ينهض ضاحكاً
ينفض عنه غبار الوقت
وصدأ الهواء
ملامساً،
حين يستوي جسده الطرابلسي قائماً،
أول السماء

وفي ليلة الواحد والعشرين
من حن بعل الحزين
أقسمت البنات أنه طار فوق البيوت
معلقاً بجناحي نبي طاعن في الحب
وأن السكوت
خيم على قبب المساجدِ
وفي الساحات والأفنيه
وأن الله احتضنه كما يعتنق
الزهر شذاه
وأنه براه
حرفاً من النور، وأغنيه
ثم اصطفاه
سورة في كتاب الحزن، والصبر،
والتمكين

هو شهوة الجميلات
يسمينه الفاتن
أسماه الله يوسفَ حبيبَ البنيات
يرتمي الآن على أول الدرب إلى رحم طرابلس
فمه يلم ليبيا في قبلة واحدة
وذراعاه تشدان خصر البلدة الصامدة
الدم يلهث خارج العرق المفتوح
القلب يهدأ في النبض
والجروح
تصير شبابيك مشرعةًَ على الوطن المذبوح
تنطفئ العينان، الشرفتان،
في لحظة الفداء،
لحظة اللقاء،
لحظة الممات

كان شهوة طرابلسية
صار الآن فتنة … سماوية
وبهجة للملكوت الضائع للإله العتيد
بينما أمه تتلهف عليه
تبكي ابنها الوحيد
الذي لثم كف النبي
ذات عشية
وأنا في غرفتي يحاصرني الهواء الفاسد
وروائح الغزاة، والصديد
أنتظر صوته يقرأ النشيد
أو آية من كتاب الحب،
والدم
والأرض السبية