عذاب القبر ، غير موجود .

أحمد الحباسى

يقول الصحفي إبراهيم عيسى أن عذاب القبر غير موجود ، و أن حكاية الثعبان الأصلع الذي يقال أنه يتلقف المذنبين في القبر مجرد خيال مهووس ، هذا ما يقوله السيد عيسى على رؤوس الملأ ، و هذا ما شغل صفحات التواصل الاجتماعي و أسال كثيرا من الحبر ، و لان الجميع كانوا يعلمون أن السيد عيسى لا ينطق عن هوى أو لمجرد مليء الفراغ ، فقد توكل البعض على أقلامهم و ألسنتهم لمواجهة هذه البدعة كل بما يملك من أسلحة الدمار الشامل اللغوية الهابطة أحيانا و قليلة الذوق أحيانا أخرى لنشهد معارك داحس و الغبراء الصحفية على المباشر و بأعلى تقنيات البث المباشر الإعلامي الحديث .
السيد إبراهيم عيسى ، صاحب الفتوى الأخيرة ، يملك فنيات كثيرة و متشابكة في صناعة الخبر و تحليله و تطويعه و استثماره ، هذا مؤكد ، و ما جاء على لسانه في خصوص نفى وجود عذاب القبر ليس خطأ ” مطبعيا” أو هفوة قلم جامح ، أو زلة لسان تلفزيونية ، الأمر أعمق بكثير لأنه يدخل في باب الاستنتاجات و التحاليل الدينية بما يعنى أن الرجل قد وضع قدما في مجال من غير اختصاصه و في دكان من دكاكين الفتوى و تحليل الباطل و تحريم الحلال التي “نشاهدها” على القمر المصري على مدار العام و الساعة ، و السؤال هنا ، هل دخل السيد عيسى مجال الفتاوى الدينية على ” المباشر” و في المباشر ، و هل هو رقم جديد من بين ” الأرقام” الدعوية الأخرى التي تفتى في بقية القنوات و المحطات الإذاعية ، السؤال أيضا ، هل يملك السيد عيسى ” الشهادات ” العلمية التي تؤهله إلى التنظير و التفسير و التأويل في الأمور الدينية بجميع عناوينها .
مشكلة الشعب المصري أنه يموت اقتصاديا ببطيء في ظل حكومة تسول تعيش على المكرمات السعودية و بعض الفتات ” الدولي ” ، الرغيف مشكلة ، الماء مشكلة ، الكهرباء مشكلة ، البطالة مشكلة ، العشوائيات مشكلة ، حماس مشكلة ، إسرائيل مشكلة المشاكل ، أمريكا مشكلة ، تركيا مشكلة ، قطر مشكلة ، لنتساءل بين هذه المشاكل و إرهاصاتها و ارتداداتها المفزعة ، هل أن ما أتاه السيد عيسى من نفى وجود عذاب القبر و وجود الثعبان الأصلع هو من الأفعال الايجابية التي لها تأثير في معالجة مشكلة من هذه المشاكل المصرية المستعصية على الحل ، و هل انتهت مشاكل مصر حتى يتفرغ عقل و لسان السيد عيسى إلى هذه “التحاليل” الخالية من الجدية ؟ …نسأل ، لان المشهد الإعلامي المصري قد تلوث بشكل لم يعد مسموحا بالسكوت عنه .
قبل أيام ، خرج السيد توفيق عكاشة ، بتهديد بأنه على الجيش المصري توجيه ضربات جوية داخل التراب التونسي ضد الجماعات الإرهابية ، لم ينتبه ” الدكتور ” أنه يتحدث عن انتهاك سيادة دولة عربية شقيقة ، و أن الجيش المصري نفسه يعانى داخل ” قواعده ” مأزق مواجهة عنف الإخوان ، لم ينتبه أيضا أن هذا المنطق الأبله هو منطق أمريكي صهيوني بامتياز و أن المشاكل العربية – العربية لا تحل “بالضربات” الجوية بل بالحكمة و التآزر ، و يكفى العرب ما هم فيه من إرهاصات التدخل السعودي في الشأن السوري و العراقي ، اليوم ، يأتي “الدكتور” عيسى بفاحشة جدلية أخرى تخلق تباعدا و جدلا بين الأوساط المتداخلة في الشأن الديني كل ذلك بداع التمايز عن الآخرين و خلق داع للجدل البيزنطي .
ما هو مبرر هذه ” الإثارة” الجدلية في هذا التوقيت بالذات ؟ … نحن لا نريد اتهام السيد عيسى بأي شيء لكن ألم ينتبه الرجل أن نفى عذاب القبر ليس بالأمر المهم في هذا التوقيت و أنه أمام كل هذه الفظائع و الانتهاكات الدموية التي تقترفها الجماعات الإرهابية السلفية التكفيرية على طول و عرض مساحة الأرض العربية فمن المستحسن ، حتى لو كان قوله صحيحا ، أن نترك عامل التخويف و التهديد هذا ماثلا في العقول من باب الردع ، نحن نقول هذا من باب السخرية السوداء لان الجماعات الإرهابية لها من الحصانة الذهنية بفعل عمليات غسل الدماء و تناول المخدرات ما يجعلها تقفز على كل عوامل الردع و التخويف لأنها تظن نفسها الأحق بالجنة و بحواري الجنة ، و بالتالي فنحن نطالب السيد عيسى بأن يفتح دكانا آخر للفتاوى ، من باب “فتاوى عيسى ” …” عيسى و الثعبان الأصلع ” …