لماذا تحتاج أمريكا الى تنظيم داعش؟
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
لماذا تحتاج أمريكا الى تنظيم داعش؟
خاص
الدكتور خيام محمد الزعبي
إن اللعبة الأمريكية اليوم في المنطقة هي إعادة إنتاج مشروع الشرق الأوسط الكبير على نمط المحافظين الجدد، هذا التيار الذى بدأ يزحف على السلطة في الولايات المتحدة الامريكية من جديد، وفي هذا الإطار عادت أمريكا لإنتاج سياستها القديمة عبر جلوس داعش على طاولة التفاوض بشكل رسمي، ليترسخ وجودها كحالة أمر واقع فى المنطقة، ويتم الإعتراف دبلوماسياً بالتقسيم الجديد للشرق الأوسط، وأمريكا إذ تتجه الأن لتعويض خسائرها بالعودة العسكرية بقاعدة ثابتة فى العراق وسورية، خاصة بعد تشكيلها التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش لتبدأ معه المرحلة الأولى من مخطط اعادة تشكيل خارطة الشرق الاوسط الكبير ويجب على الجميع الصعود على متنه والنزول منه بأقل الخسائر، بإختصار شديد إن الصنيع الأمريكي"داعش" يلعب دوراً بارزاً ومكملاً لإستراتيجية التفكيك في المنطقة.
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من القوى الخارجية الأكثر تأثيراً على منطقة الشرق الأوسط، لكن الإضطرابات التي نشبت في هذه المنطقة إبتداءاً من عام 2011 خلطت أوراق أمريكا في المنطقة بوضوح كامل، من جهة لأن الفوضى فرصة فريدة لإعادة تشكيل أمريكا الأنظمة في الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى، إضطرارها الى ترقيع ما خلفته الإضطرابات من إسقاط وإنهيار الأنظمة الموالية لها، والفشل السياسي المتزايد لحلفائها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط، بعد إنعدام التوازن الأمريكي بين القوة العسكرية المتنامية وبين النفوذ السياسي المتراجع في كل القضايا الدولية والإقليمية، وخاصة بعد بروز الظاهرة التي لا تنسجم مع نفوذها وهي أن ما من حرب دخلتها الولايات المتحدة في هذه الحقبة، إلا وأنهتها عسكرياً بتفوق ملحوظ، وخسرتهاً سياسيا بصورة مأساوية.
واليوم تتجلى المأساة الأمريكية بأوضح صورها، من خلال عنوان الحرب الراهنة، والتفسيرات الأميركية لها، والأغلفة السياسية الملفقة التي تسوقها لتبريرها، والعنوان "تحالف دولي " ضخم تقوده أميركا على داعش، بإمكان هذا التحالف أن يسحق داعش ويزيله عن وجه الأرض، لكن هناك مجموعة من الأسئلة التي تفرض نفسها هنا بقوة هي، هل هناك رؤية سياسية شاملة لمرحلة ما بعد داعش؟، وهل سيعود العراق دولة واحدة موحدة، وهل تعود سورية الى وضعها الطبيعي آمنة ومستقرة، وهل تهدأ مخاوف من كانوا حلفاء بديهيين لأمريكا من حيث سياساتها، ونزوات تحالفاتها المتقلبة وغير المنطقية وذات المردود العكسي الدائم؟ كل هذه الأسئلة ينشغل بها غيرنا، ولا ننشغل بها نحن، تنشغل بها أمريكا وإسرائيل وأوروبا، من أجل إبقاء المنطقة داخل كتلة لهب، حتى يبقى مصيرها مرهوناً بالخارج، بالمقابل مازالت أمريكا تتجنب الإجابة عنها ولعلها تدرك أن سبب ما وصلنا إليه هو تجنب الإجابة وإعتمادها سياسة البدء بحرب دون التفكير بخلاصاتها السياسية، وهذا يعني أنها حرب لا ضمانة فيها بإندلاع حروب جديدة بأشكال ومساحات مختلفة، الخلاصة الوحيدة لها، لا إستقرار لا في منطقة الشرق الأوسط ولا حتى في أمريكا ذاتها، خاصة أن الحرب في مواجهة داعش ستمتد الى سنوات، لأسباب كثيرة تكون مصلحة اسرائيل في مقدمتها، ناهيك عن رواج تجارة السلاح والهيمنة الاقتصادية على خيرات المنطقة، فسياسات متطرفة كهذه، لا بد أن يمتلك صناعها الرؤية المحددة للهدف، حتى تستطيع الأدوات تنفيذها، وإنجاح مخططاتها، شريطة أن تقاس على مسطرة المصالح الأمريكية، وضمن الإستراتيجية العامة لمصالحها الكلية، والذي سيكون من أبرز ملامحها، دول تحكمها التمزق الطائفي، والتشرذم العرقي، من أجل أن تتحول المنطقة إلى كينونات صغيرة، ومفككة، بإعتبار أن العدو الذي يجب تدميره في نهاية المطاف، هو أيديولوجي "الشمولية الإسلامية"، فمن الواضح أنه داخل الحكومة الأمريكية يوجد نفور تام من البحث عن حلول جديدة للمشاكل القديمة، ويزجون بأنفسهم في كل ما لا يجب أن يكون لهم علاقة به من مشاكل الدول الأخرى، وتدخل في دوامة من التدخلات والحروب والتوسطات لا نهاية لها، لذا عليهم الإهتمام بشئونهم الخاصة وشعبهم، وترك من لديه مشاكل لحلها بنفسهم، فعندما يتدخل الأمريكان، تزيد المشاكل بالشرق الأوسط سوءاً، وبالمقابل فإن أكبر الخاسرين في المنطقة أولئك الذين راهنوا على القيم الغربية وتصورا أن الغرب سوف يدعمهم في الشرق الأوسط، لقد دعمت الولايات المتحدة وأوروبا الإحتجاجات السلمية العربية في البداية ولكنها سرعان ما تخلت عن كل هذه الوعود والقيم وأخلت مكانها لقوى التطرف الديني والطائفي الدموية عندما شعرت أن مصالحها في خطر داهم، بإعتبار ما سبق، القشة التي التي ستنقذها من الغرق، لتسمح لها بتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، مع أن ديمقراطيتهم قادت المنطقة إلى الفوضى، والصراع، والإرهاب، وبالتالي فإن القضاء على داعش لن ينهي ظاهرة التطرف الديني، وعلينا ان نتذكر ان دول المنطقة تحارب ظاهرة الارهاب والتطرف منذ عقود طويلة قبل القاعدة وبعدها، وفي كل مرة تهنئ هذه الدول نفسها بنجاح حملتها في القضاء على تنظيم ما يأتي ما هو أسوأ وأشد تطرفاً واليوم تنتشر ظاهرة الإرهاب باسم الدين من سورية الى العراق مروراً بمعظم الدول العربية والإسلامية.
في إطار ما سبق يمكنني القول يجب أن يدرك السوريون إن أمريكا وحلفائها لا يدافعون عن سورية إنما عن بلدانهم خوفاً من أن يصل اليهم خطر التنظيمات الإرهابية بدليل إن الضربات الجوية المتواضعة للتحالف الدولي ليس للقضاء على داعش وإنما لتحجيمه فقط والسماح له بخلق دولة حدودها هلامية تتمدد وتتقلص حسب الظروف المحيطة بها، وهي ما تسعى له أمريكا وحلفائها في الوقت الحاضر تحت مشروع الشرق الاوسط الكبير.
في سياق متصل ستظل هذه الدوامة التي خلقتها أمريكا أساساً في المنطقة تعمل بلا هوادة، علما انّ المخرجات اللاحقة ستقودنا بعدة سنوات قليلة الى كوارث أكبر سيعود على أثرها من جديد من هو أسوء من داعش، وبهذا يكون الإنتصار مجرد اعلان صاحبه خسائر فادحة في معسكر ومكاسب للمعسكر الآخر، لنعيد خلط الحسابات من جديد، وأخيراً أختم مقالي بالقول ستظل المصابيح تضاء بالنار والتخلف والفوضى في منطقة الشرق الأوسط وليس بالنور والإستقرار، حتى تولد إستراتيجية دولية واضحة المعالم موحدة وطموحة للقضاء على داعش وغيره من التنظيمات التي تشكل خطراً على المنطقة.
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» شاهد الحقيقة كاملةً لماذا أمريكا تهاب تنظيم الدولة الإسلامية داعش
» لعبة الثعالب: لماذا لا تقوم أمريكا بإقتلاع داعش؟
» لماذا تعشق أمريكا وإسرائيل الوهابية
» لماذا لا تتحالف أمريكا مع الرئيس الأسد..؟
» لماذا تفجر أمريكا الشرق الأوسط ؟
» لعبة الثعالب: لماذا لا تقوم أمريكا بإقتلاع داعش؟
» لماذا تعشق أمريكا وإسرائيل الوهابية
» لماذا لا تتحالف أمريكا مع الرئيس الأسد..؟
» لماذا تفجر أمريكا الشرق الأوسط ؟
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:32 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة سجلات الأعمال الإحصائية للبلدان العربية|قطاع التامين:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:31 pm من طرف ايمان محمد
» دورة إدارة وبرمجة وتخطيط وجدولة وضبط المشاريع بإستخدام الحاسب الالي MS Project و بريمافيرا:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:23 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة تخطيط وتطبيق مكاتب إدارة المشاريع والتحضير لشهادة مدير مشاريع محترف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:19 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة إدارة إتصالات ومخاطر وتوريدات المشاريع|إدارة المشاريع:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:16 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة تطبيقات الحوكمة فى القطاع المصرفى Governance|البنوك والمالية:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:07 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة مبادىء وإعداد القوائم المالية فى القطاع المصرفى|البنوك قطاع المصارف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:04 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة إدارة وتحصيل الإشتراكات التأمينية|البنوك قطاع المصارف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:02 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة استراتيجيات وتقنيات اعداد وادارة العقود والحد من المخاطر المالية والقانونيةالقانون والعقود:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:57 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة الأســـس الفنيـــة لصياغــــة عقـــود المقـــاولات الإنشائيـــــة|القانون والعقود:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:54 pm من طرف ايمان محمد