ماذا تريد موسكو من احمد جبريل ؟

بعد عقود من انقطاع التواصل وبدون مقدمات وبشكل مفاجئ بعثت الخارجية الروسية رسالة الى الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة احمد جبريل المقيم في دمشق وجهت فيها دعوة له لزيارة موسكو الجبهة التي تراجع دورها على الساحة الفلسطينية منذ العام 1990 اي العام الذي رتبت فيه سوريا المسرح السياسي اللبناني اعتمادا على اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية.

قبل ذلك وفي العام 1982 وبعد حصار بيروت وسقوط العاصمة اللبنانية بيد القوات الاسرائيلية وتوقيع اتفاق فليب حبيب اختار احمد جبريل ومعه منظمات يسارية فلسطينية التوجه الى دمشق بدلا من تونس ومن هناك اطلق العمليات الفدائية انطلاقا من الحدود اللبنانية الفلسطينية وكان اشهرها عملية الطائرات الشراعية على معسكر اللواء غولاني عام 87 ومنذ العام 1992 وهوالعام الذي خاضت فيه سوريا مفاوضات سلام مع اسرائيل بعد مؤتمر مدريد للسلام اوقفت الجبهة الشعبية نشاطها العسكري حتى اليوم لكن دون ان تعلن ذلك.

تراجع بعدها عداد كوادر التنظيم وتراجعت معه مصادر تمويله التي كانت تعتمد على ليبيا وايران وسوريا ولكن ظل التنظيم القوة المسيطرة والفاعلة على صعيد المخيمات في سوريا ومخيم برج البراجنة في لبنان الى ان وصل المد الاسلامي الفلسطيني المتمثل بحركة حماس والجهاد الاسلامي وسيطر التنظيمان الاسلاميان وخاصة حركة حماس بمباركة سورية ورعاية ايرانية على المخيمات الفلسطينية في سوريا وبعض مخيمات لبنان.كان ذلك مع بداية العام 2003 حتى اندلاع الاحداث في سوريا في اذار عام 2011 .

وخلال الازمة السورية غادرت حماس سوريا نهائيا بعد تاييدها للمعارضة انسجاما مع توجهها الاخواني وانكفأت حركة الجهاد عبر موقف محايد لا يريد التدخل في الشان السوري بينما اعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة موقفا واضحا يؤيد النظام في سوريا ويقف ضد المعارضة وعاد التنظيم بعد مغادرة حماس للمخيمات القوة التي اولكت اليها مهمة حماية المخيم لكن الوقت لم يكن في صالح القيادة العامة ففي حين كان يستعد التنظيم لاعادة بناء قدراته الذاتية وتجيند ابناء المخيمات تحت عنوان الحماية الذاتية للمخيمات الفلسطينية انقضت جبهة النصرة ومعها تنظيمات اسلامية سورية ومتشددة على المخيمات وعلى مخيم اليرموك حيث المقر الرئيس للجبهة الشعبية حوصر احمد جبريل ومعه عدد من قادة التنظيم في مبنى الخالصة في شارع الثلاثين في مخيم اليرموك وكاد يقتل لكنه نجح من فك الحصار على المقر واعادة السيطرة لبعض الوقت فقط لان هجوما كاسحا وهذه المرة بالاسلحة الثقيلة شنته جبهة النصرة واخواتها على المخيم وسيطرت عليه بالكامل وهجرت منه اكثر من 150 الف فلسطيني لازلوا يعانون حتى اليوم من النزوح عن المخيم.

وبالعودة الى زيارة وفد الجبهة الشعبية الى موسكو فان الوفد الذي تالف من الامين العام المساعد طلال ناجي وعضو المكتب السياسي انور رجا والسيد ابو عبدو مخللاتي قال خلال المؤتمر الصحفي له في موسكو ان الزيارة جاءت لبحث ملفات فلسطينية واقليمية فما هي جاجة موسكو للتواصل مع الجبهة الشعبية القيادة العامة في الشان الفلسطيني وهناك قطبان رئيسان على الساحة الفلسطينية السلطة وحماس يملكان الفعل والتاثير في هذا الملف ولماذا تدعى الجبهة الشعبية القيادة العامة دونا عن باقي الفصائل داخل منظمة التحرير وخارجها اما الملفات الاقليمية فلا يوجد للتنظيم اي صلة بما هو خارج دائرة الملف الفلسطيني سوى الوضع القائم في سوريا .

فماذا تريد موسكو من التنظيم على مستوى سوريا ولماذا يدعو السيد بوغدانوف والخارجية الروسية احمد جبريل المصنف ارهابيا ومطلوبا لدى الولايات المتحدة هل هي رسالة لهذه الاخيرة ام اعادة احياء سياسيات وتحالفات الحرب الباردة بين السوفييات ووشنطن ام ان دورا سوف يعطى للتنظيم بعد دعمه واعادة ترميمه خاصة انه يضم في صفوفه كوادر مدربة تدريبا عاليا منذ زمن الحرب الاهلية اللبنانية فقد تدرب عناصر وقادة التنظيم في معسكرات ايرانية وليبية وسورية . وما هو هذا الدور وعلى اي مستوى . ولماذا تنسق معه روسيا وليست حليفته لعقود ايران.

هذه الاسئلة ربما احصل على اجابات عليها عندما التقي بالامين العام للجبهة السيد احمد جبريل في دمشق فالرجل صريح وشجاع في قول ما يريد فعله كضابط مخضرم ولايتقن حتى اليوم اللغة الدبلوماسية الرمادية.

اذكر عندما التقيته في دمشق في شهر حزيران يونيو الفائت وسالته عن سبب هزيمة قواته في المخيم وانسحابها منه قال لي ان مقاتليه لم يتقلوا اي دعم للصمود في المخيم وكانوا يقاتلون جبهة النصرة المعززة بالاسلحة الثقيلة بالبنادق الروسية القديمة وكان عاتبا جدا على حلفائه في حزب الله وايران وسوريا لانهم تركوا قواته دون ان يقدموا اي نوع من الدعم العسكري لوقف تقدم النصرة واخواتها في المخيم وقال لي لو اننا نحصل على هذا الدعم لكان مقاتلوا الجبهة اليوم قد حرروا كل المخيمات الفلسطينية وليس فقط مخيم اليرموك فهل ان الاون ليحصل جبريل على هذا الدعم .

سنعرف حتما لاحقا ماذا تريد موسكو من احمد جبريل ففي اتون الحرب السورية لم يعد ثمة من اسرار تخفى.