هكذا دخلت بريطانيا الحرب على العراق... تفاصيل الإتفاق السري بين بوش وبلير (الجزء 1)
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
هكذا دخلت بريطانيا الحرب على العراق... تفاصيل الإتفاق السري بين بوش وبلير (الجزء 1)
بعد ست سنوات وحوالي تسعة ملايين جنيه استرليني، لا يزال تقرير التحقيق الذي أجراه السير جون تشيلكوت حول مشاركة بريطانيا في حرب العراق غير منشور. فهل سيتمّ إخبار الرأي العام البريطاني بحقيقة الصراع الذي عارضه الملايين منهم، والذي لا تزال تداعياته القاتلة متناثرة في جميع أنحاء العالم اليوم؟
في غياب الرواية الرسمية، هذه السلسلة من المقالات - بناءً على أدلة قُدّمت إلى لجنة التحقيق، وحسابات أخرى تنتمي الى المجال العام - هي محاولة للمحافظة على أكبر قدر من الموضوعية في الكتابة حول الحقائق المعروفة والأسئلة التي لم يُجب عليها بعد والمتعلقة بأكثر الحلقات إثارةً للجدل في تاريخ بريطانيا الحديث.
كان توني بلير في غرفة الفندق يقرأ الخطاب الذي كان من المقرر أن يلقيه في المؤتمر السنوي TUC، عندما دخل عليه اليستر كامبل وأصرّ أن يشغل التلفاز. في تمام الساعة 01:46 بتوقيت جرينتش، طائرة ركاب من طراز بوينج 767 ضربت البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي في نيويورك. وقد ضرب البرج الجنوبي بعد 17 دقيقة.
أدرك رئيس الوزراء أنّ ما أشاهده، من فندق جراند، برايتون، في 11 أيلول عام 2001، كان لحظةً محورية في الشأن العالمي، سيتبعها بالطبع رد فعلٍ من الحكومة الأمريكية قد يظهر في جميع أنحاء العالم: ومهما فعلت الولايات المتحدة، قرر بلير أنّه يجب على المملكة المتحدة دعمها.
وأورد كامبل في مذكراته: "قال توني بلير أنه علينا مساعدة الولايات المتحدة، لأنها لا يمكنها أن تذهب من تلقاء نفسها، وأنها تشعر بأنها محاصرة وهذا من شأنه أن يدفعها للتفكير بهجومٍ عسكري".
بالطبع، لم يكن توني بلير رئيس الوزراء الوحيد الذي وعد بالوقوف الى جانب أميركا في ما أصبح يعرف باسم "الحرب على الإرهاب". فقد كان المستشار الألماني جيرهارد شرودر من أول قادة العالم الذين تواصلوا مع واشنطن عبر الهاتف، وفي اليوم التالي للهجوم، وقدّم شرودر تقريرًا الى البرلمان أعلن فيه أنه قد وعد بوش أنّ "ألمانيا في تضامنٍ كامل، وأكرر، كامل." أما رئيس الحكومة الأجنبي الأول الذي زار برجي التجارة في نيويورك كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وذلك بعد أسبوعٍ من الهجوم، حيث أعلن أنّ "فرنسا لن تقف على الحياد في مكافحة آفةٍ تتحدى كل الديمقراطيات".
وعلى الرغم من أنّ شيراك وشرودر لم يقولا ذلك حينها، إلّا أنّ وعدهم بالدعم لم يكن غير مشروط: فإنّ ذلك يتوقف على ما تقرر الولايات المتحدة القيام به. وخلال 14 شهرًا، تمّ تنسيق معارضة شرودر وشيراك لمخطّط غزو العراق.
لكن عندما بثّ توني بلير من داونينغ ستريت مساء يوم 11 أيلول/سبتمبر، واعدًا أنّ "نحن هنا في بريطانيا نقف جنبًا إلى جنب مع أصدقائنا الأمريكيين"، لم يكن هناك شرطًا غير معلن، فقد قال بصراحة أنه يعتزم الذهاب أينما ذهب الأمريكان. وكان هذا الالتزام أهم قرار اتخذه توني بلير، لكنه الأسوأ.
في الوقت نفسه، كان يجب اتّخاذ قرارٍ فوري حول خطاب رئيس الوزراء المقرر في مؤتمر TUC.. وكان نص الخطاب جاهزًا. وفي طريقه من الفندق إلى مركز المؤتمرات، وصلت بلير أخبارًا من نيويورك تفيد أنّ البرج الشمالي قد انهار، وأنّ جميع من كان بداخله قد لقي حتفه، بالإضافة الى جميع الركاب في الطائرتين. وأفيد أيضًا بأنّ طائرة أخرى قد ضربت البنتاغون. ثم انهار البرج الجنوبي.. وكانت هناك تقارير عن طائرة رابعة تحطمت قرب بيتسبرغ. وكان التقدير الأولي أنّ عدد القتلى يلامس الألف. على الأثر، تمّ التخلي عن الخطاب. وبعد بضعة تصريحات مرتجلة للمندوبين، عاد بلير إلى لندن للاجتماع بقادة الأجهزة الأمنية، قلقًا من أنّ جورج بوش قد يكون مدفوعًا للقيام بـ"عملٍ غير مسؤول" تحت الضغط.
كان اجتماعه الأول مع رئيس MI5، ستيفن لاندر، ورئيس لجنة الاستخبارات المشتركة، جون سكارليت، اللذين أخبرا بلير أنه لا يوجد أي سبب للاعتقاد بأنّ هجمات نيويورك كانت من عمل أيّة حكومة أجنبية، لأنّ هناك منظمة قادرة على التخطيط والتنفيذ دون أية مساعدة، أي تنظيم القاعدة، الذي يتزعمه أسامة بن لادن، والذي كان يختبئ في أفغانستان. وفي وقتٍ لاحق في نفس اليوم، تمّ إعلام جورج بوش بالشيء نفسه من قبل رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، جورج تينيت.
في الواقع، أول ما فعله الرئيس بوش لدى وصوله الى العمل في الساعة السابعة من صباح اليوم التالي هو الاتصال بتوني بلير، مشيدًا بدعمه الولايات المتحدة حيث قال: "لم يكن هناك أية مواربة في صوته" عند تقديم الوعود، مضيفًا: "ساعدت المحادثة بتدعيم أسس الصداقة. في السابق كان بعض حلفائنا يتردد. توني بلير لم يفعل ذلك أبدًا".
خلال 24 ساعة من أحداث 11 أيلول، كان يجري إقناع بوش من قبل نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ونائب رامسفيلد، بول وولفويتز، بضرورة استهداف ليس فقط الإرهابيين، بل أيضًا الحكومات التي تأويهم. وكان وولفويتز يصرّ أنّ بغداد يجب أن تكون الهدف الأول. في ذلك الوقت، كان بوش مقتنعًا برأي وزير خارجيته كولن باول، بأنّ ما يتوقعه الرأي العام الأميركي هو العمل ضد مرتكبي هجوم 11 أيلول، وهذا يعني الذهاب أولًا إلى أفغانستان، حيث كان بن لادن بحماية حكومة طالبان.
يوم 20 أيلول/سبتمبر، خطب بوش الى الكونغرس على الهواء، مستغرقًا بعض الوقت للترحيب بضيف الشرف، توني بلير. اصطحب بوش ضيفه إلى الغرفة الزرقاء في البيت الأبيض لمحادثة خاصة استغرقت 20 دقيقة، أسرّ له خلالها أنّه لن يتم قصف أفغانستان فقط، بل سيتبع ذلك إرسال قوات برية أيضًا. كان بلير ممتنًّا للحصول على هذه الإحاطة الشخصية قبل خطابٍ يمكن أن يجعل رئاسة بوش على المحك، لكنه بوش قال إنه "أعرب عن تقديري لأن أكون بصحبة صديقي."
بدأ قصف أفغانستان في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2001، راسمًا إحدى أطول الحروب في التاريخ الحديث، والتي كلّفت حياة 453 جنديًا بريطانيًا، أكثر من 2000 أميركي، وعدد غير محدّد من الأفغان، حيث وصل عدد الضحايا المدنيين بحسب الأمم المتحدة التي ابتدأت العد عام 2007، الى حوالي 11864 ضحية بحلول عام 2011. لم تؤثر هذه الخطوة سلبًا على مكانة بلير، ولم تشهد الشوارع احتجاجات جماعية أو تمرد برلماني كبير، لأنّ الروابط بين طالبان، القاعدة وهجمات 11 أيلول كانت واضحة، وبالتالي فإنّ الرأي العام البريطاني فهم لماذا ذهبت كل تلك القوات إلى أفغانستان.
ولكن، في 29 كانون الثاني/يناير 2002، استعمل جورج بوش مصطلح "محور الشر" لوصف ثلاثة أنظمة لا يجمعها إلّا العداء للولايات المتحدة، وهي كوريا الشمالية، إيران والعراق. من بين الثلاثة، كان العراق الهدف الأول لواشنطن. ومع انقسام مجلس الوزراء البريطاني حول الأمر، أصبح توني بلير لاعب خلف الكواليس في السياسة الأميركية، متناسيًا ربما وجهة النظر الأيديولوجية، التي كان قد أردها في خطابٍ ألقاه في شيكاغو في عام 1999، حيث وبّخ برفق حكومة الولايات المتحدة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، معتبرًا "عدم التدخل مبدأً هامًا في النظام الدولي".
"اتفاق" بلير / بوش
في نيسان، كان توني وشيري ضيفي جورج ولورا في مزرعة بوش في كروفورد بولاية تكساس. عرف بلير أنه كان على وشك الحصول على وظيفة حساسة تقتضي إقناع نواب حزب العمال، إن لم يكن الجمهور كلّه، بقضية غزو العراق.
وقبل رؤية المراسلات بين بلير وبوش، لا يمكننا أن نعرف بالضبط ما تمّ الاتفاق عليه في كروفورد، عندما تحدث الرجلان على انفراد قبل العشاء ليلة السبت، 6 نيسان. ليس هناك شك في أنّ بلير حثّ بوش للذهاب إلى الأمم المتحدة واستصدار قرار من شأنه أن يمنح الشرعية الدولية للغزو، في حال حصوله. ما لم يثبت (إلّا اذا أثبت تقرير تشيلكوت خلاف ذلك) هو أن يكون بلير قد ألمح أو وعد أنه إذا توجهت القوات الامريكية الى العراق، فستكون القوات البريطانية هناك الى جانبها.
وكان هذا بالتأكيد ما حصلت عليه الصحف البريطانية، حيث ذكرت صحيفة ديلي تلغراف في اليوم التالي أنّ "توني بلير أعلن لأول مرة الليلة الماضية أنّ بريطانيا مستعدة للقيام بعمل عسكري ضد العراق"، في حين وصفت صحيفة ديلي ميرور بلير بأنه "أصبح كلب الحرب". السير كريستوفر ماير، الذي كان حاضرًا في كروفورد بصفته سفير بريطانيا إلى الولايات المتحدة، قال لتحقيق تشيلكوت: "ليس واضحًا تمامًا حتى يومنا هذا... على أي درجة من التقارب كان التوقيع بالدم في مزرعة كروفورد."
أجاب بلير على مطالبات ماير في مذكراته، كاشفًا أنّ إحدى المضاعفات العديدة هي أنّ بلير وشعبه لم يكونوا يثقون بالسفير. معتبرًا أنّ رواية التوقيع على وعد "بالدم" للذهاب إلى الحرب هي "أسطورة".
بعد قمة كراوفورد، كانت الاستخبارات البريطانية والسلك الدبلوماسي يعلمان ما عليهما القيام به: إقناع مجلس الأمن الدولي بإصدار إنذارٍ يجبر صدام حسين على إثبات أنّ بلاده لا تمتلك أسلحة دمار شامل، مع التهديد الضمني أنه إذا فشل، فإنّ العمل العسكري سيستكمل.
وفي 8 تشرين الثاني 2002، اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 1441، الذي أعطى الحكومة العراقية "فرصة أخيرة للامتثال لالتزاماتها المتعلقة بنزع السلاح"، دون أن يحدد ما يمكن أن يحدث إذا فشل العراق في الامتثال. وكان "نجاح هذا النشاط الدبلوماسي يعود إلى خبرة واحتراف العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين البريطانيين"، حسب ما عبّر جاك سترو.
كانت المشاكل في النصف الآخر من البعثة، عندما تعلّق الأمر بإنتاج أدلةٍ تؤكد أنّ العراق لا يزال يمتلك أسلحة الدمار الشامل. هذا يأخذنا إلى إحدى أكثر المسائل الخلافية حول كارثة العراق: هل كذب توني بلير عندما ادّعى أنّ العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل؟
بحلول شهر شباط، أعلن مفتشو الأسلحة أنّه تمت تسوية أمور الأسلحة المزعومة. وبالطبع، بعد أن راكم قوة كبيرة في الخليج تكفي لتجاوز العراق، لم يكن الرئيس بوش يعتزم التخلي عن هذه القوة. وبالطبع أيضًا، لن يتراجع بلير عن وعده بأن يقف "كتفًا الى كتف" مع الولايات المتحدة!
وارتفعت حدة معارضة الغزو العراقي في الشارع البريطاني، حتى وصف اليستر كامبل سياسته بالـ"استراتيجية الماسوشية"، من خلال وضع نفسه أمام هذه الفئات من الناس الذين صار من الصعب جدًا إقناعهم بدعم الحرب. تبع ذلك تهديد وزيرة التنمية الدولية كلير شورت بتقديم استقالتها في حال ذهبت بريطانيا الى الحرب، الموقف الذي عبّر عنه بليز بأنه "مثير للاشمئزاز".
في 18 آذار، أخذ توني بلير خطوة غير مسبوقة عبر الذهاب الى البرلمان للحصول على موافقة لخوض الحرب، وكانت هذه أول مرة في تاريخ بريطانيا. ففي نزاعات سابقة، كان رئيس الوزراء أو الملك يعلن الحرب أولًا ثمّ يعلن القرار للبرلمان بعد ذلك. كان بلير يعلم أنّ حزب المحافظين سيؤيده، وبالفعل، فقد فاز في التصويت النهائي بـ 412 مقابل 149 صوتًا. واستقال على الأثر وزير الداخلية، جون دنهام، ووزير الصحة، اللورد هانت، في حين بقيت شورت في وظيفتها على الرغم من التهديدات التي قدمتها. وقد كان بلير يحتاج الى دعم البرلمان بسبب المزاج العام في البلاد، والتي يمكن تلخيصها بأنهم "لا يشكون في أنّ صدام دكتاتور وحشي، لكنهم غير مقتنعين بأنه يشكل خطرًا واضحا وقائمًا على بريطانيا".
الاندبندنت / ترجمة مروة الشامي - سلاب نيوز
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» هكذا دخلت بريطانيا الحرب على العراق... تفاصيل الإتفاق السري بين بوش وبلير
» تفاصيل الاجتماع السري لمخابرات 6 دول للتآمر على مصر
» تفاصيل الاجتماع السري الذي دار بين الجربا و أوباما.. هذا ما قاله سيد البيت الأبيض
» تفاصيل صادمة ....طريق الولايات المتحدة السري لتسليح حلفائها في سوريا!
» روسيا دخلت على خط الحرب بين إيران وإسرائيل.
» تفاصيل الاجتماع السري لمخابرات 6 دول للتآمر على مصر
» تفاصيل الاجتماع السري الذي دار بين الجربا و أوباما.. هذا ما قاله سيد البيت الأبيض
» تفاصيل صادمة ....طريق الولايات المتحدة السري لتسليح حلفائها في سوريا!
» روسيا دخلت على خط الحرب بين إيران وإسرائيل.
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 9:34 pm من طرف larbi
» نكبة بلد المشاعر
أمس في 4:41 pm من طرف عبد الله ضراب
» صلاح الدين الايوبي
الخميس نوفمبر 21, 2024 10:36 pm من طرف larbi
» جنائية الدولية تصدر أمري اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
الخميس نوفمبر 21, 2024 4:06 pm من طرف larbi
» الى فرسان اليمن
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:52 pm من طرف larbi
» كلمة مندوب الجزائر في مجلس الأمن بعد الفيتو الأميركي ضد قرار وقف الحرب على غزة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:34 pm من طرف larbi
» كلمة الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:32 pm من طرف larbi
» مقتل جندي و إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 7:00 pm من طرف larbi
» مقتل جندي إسرائيلي و جرحى من لواء غولاني بمعارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:48 pm من طرف larbi
» بيان المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع بشأن استهداف سفينة في البحر الأحمر
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:37 pm من طرف larbi