بعد انهيار الحلم العثماني.. من هم الفرحون و القلقون في المنطقة ؟

كمال حلف
نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت الاحد الماضي في تركيا وضعت حزب ((الشعوب الديمقراطية)) الكردي كلاعب اساسي في الحياة السياسية التركية ,وهذا وان كان له تاثير كبير على مستقبل عملية السلام مع الكرد في تركيا خاصة ان ((حزب العمال الكرستاني)) الذي يحمل السلاح من اجل حقوق الكرد في تركيا اصبح جناحه السياسي في البرلمان بصفته الحزبية وليس ممثلا بافراد كما كان سابقا. وهذا قد يؤدي الى ان يرمي حزب العمال سلاحه استعدادا لان يكون داعما لجناحه السياسي في المعادلة الداخلية التركية.
ولكن البعد الاستراتيجي للنتيجة ابعد من الاطار الداخلي للبلاد ويتعلق بجملة واحدة تفتح لنا باب النظر الى مستقبل السياسية الخارجية التركية في الاقليم وهي ((ان حزب العدالة والتنمية لم يعد يحكم بمفرده)) وبالتالي لن يرسم السياسيات الداخلية والخارجية وفق ما يريده الاب الروحي للحزب ((رجب طيب اردوغان)) فاي حزب سوف يأتلف مع العدالة والتنمية من الاحزاب التي دخلت البرلمان( حزب الشعب الجمهوري- الحركة القومية – حزب الشعوب الديمقراطية) سيكون له رأيه الذي طالما عبرت هذه الاحزاب عنه خاصة ما يتعلق بالسياسية الخارجية التركية . اذ طالب حزب الشعب الجمهوري الذي زار وفده سوريا في شهر نيسان ابريل الماضي حكومة اردوغان بوقف دعم الجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري ووصفها بالمجموعات الارهاربية وكذلك كان راي حزب الحركة القومية التي طالبت اردوغان باغلاق الحدود امام تدفق الارهابيين الى سوريا والتضييق على حرية حركة المعارضين السوريين في البلاد.
انقلاب السياسية الخارجية التركية بعد ماعرف ((بالربيع العربي)) على النهج السابق الذي كان شعاره (صفر مشاكل ) وضع تركيا في قلب الصراع الداخلي في الدول العربية وجلعها طرفا اساسيا في هذه النزاع الذي اخذ طابعا ايدولوجيا , وهو ماجعل الكرد الاتراك ينتقمون من سياسية اردوغان التي اخذت موقف المتفرج والرافض لاي مساعد للكرد السوريين ، وهم يخوضون معركة مصيرية في ((كوباني)) التي حاصرها تنظيم الدولة من كل الجهات بعد ان هجر الكرد من عشرات القرى المحيطة بالمدينة ، كما صوت العلويون في تركيا ضد حزب العدالة والتنمية ولعبت المخاطر التي تحدق بالعلويين في الساحل السوري دورا في هذا بسبب تهديد الجماعات المسلحة بالانتقام منهم لدعمهم النظام السوري وهذه المجموعات تعتمد على الدعم التركي السياسي والعسكري.
ولذلك لم يعد بامكان حزب العدالة والتنمية ان ينفذ مشروع العثمانية الجديدة وهو لا يملك السلطة المطلقة .
بلا ادنى شك ان الفرحيين بتكبيل طموحات اردوغان كثر في منتطقتنا ، واولهم الرئيس ((بشار الاسد)) فلم تعد تركيا بعد اليوم قادرة على المضي في مشروع ابتلاع الشمال السوري عبر المطالبة بمنطقة عازلة فيها. هذا المشروع من وجهة نظرنا انتهى الى الابد. كما ان النظام في مصر يشعر اليوم بانه خصومة في حركة الاخوان المسلمين خسروا سندا قويا . وقد ينظر المناؤون لجماعات الاسلام السياسي الى تراجع شعبية العدالة والتنمية كجزء من تراجع عام لهذه الجماعات في مصر وتونس وليبيا. وقد يكون هذا صحيح رغم ان هذه التيارات لازالت تملك فاعلية كبيرة وقدرة على لعب دور في المعادلات الداخلية والاقليمية .
السعودية نعتقد انها من المرتاحين ايضا لهذه النتيجة، فالمملكة وان كانت قد دخلت بتحالف مصلحي مع العدالة والتنمية بهدف التنسيق لقلب المشهد العسكري في سوريا ، الا انها في النظرة الاستراتيجية ترى انها تتخلص من منافس لها على المستوى الاقليمي في الزعامة الاسلامية ولم تكن يوما الرياض تنظر بايجابية للنموذج التركي الذي اخذ يتمدد داخل البلاد العربية عبر تيار الاخوان المسلمين.
القلقون ايضا من نتيجة الانتخابات البرلمانية التركية ليسوا بأقلية فدولة قطر على راس القائمة وهي التي دخلت في محور مع تركيا لتنفيذ سياسيات داعمة للحركات الاسلامية وايصالها الى السلطة كما عولت الدوحة على موقع تركيا الجغرافي وثقلها وحجم تأثيرها في الجوار السوري لتحقيق اهدافها في اسقاط النظام في دمشق ودعم المعارضين له والمجموعات التي تقاتله .
حماس كجزء من الاخوان المسلمين ستكون قلقه ايضا وهو التي اعتبرت نموذج العدالة والتنمية مثالي وداعم لها ضمن المحور القطري التركي الذي انضمت اليه بعد ان خسرت مركزها في دمشق بعد ان اصطفت انسجاما مع الموقف القطري التركي مع المعارضة السورية ضد حليفها السوري.
اما المعارضة السورية فهي اكثر القلقين، فمع ما تعانيه من تشرذم وفشل في توحيد قواها ستكون مكبلة. فهذا المطلب سيكون قاسم مشترك لاي حزب يأتلف مع العدالة والتنمية في حكومة واحدة . كما ان تراجع العدالة والتنمية سيخفف من الضغط الذي كان يمارسه اردوغان على وسائل الاعلام التركية التي ركزت بالاونه الاخيرة على الدعم الامحدود للمعارضة السورية وحرية حركتها في تركيا وعمليات تهريب السلاح للمجموعات المسلحة في سوريا ملف الاجئيين السوريين.
اما ايران اللاعب الاساسي فهي ستكون حذرة حيال هذه النتيجة فهي من جهة لها ايديولوجيا تجعل من النموذج الاسلامي في تركيا قريبا منها مع الاشارة الى العلاقة التاريخية بين الجمهورية الاسلامية وحركة الاخوان المسلمين والتي تاثرت فقط في الخلاف على تقييم الوضع في سوريا . وبين القلق الايراني من الطموح العثماني الاردوغاني الذي بدأ يدخل منافسا لها في الدول العربية المجاورة ويتعارض مع مصالحها في سوريا والعراق.
يجب علينا ان ننتظر السناريوهات والمسارات المقبلة في الداخل التركي بعد هذه النتائج، فقد يكون من ضمنها الذهاب الى انتخابات مبكرة ،عندها سيكون اردوغان قادر على تنفيذ سياساته في مدة لا تتجاوز ستة شهور وهي مدة قد يراهن عليها الرجل في تنفيذ ما يمكن تنفيذه من سياسيات خارجية قد يجعل من اي حكومة جديدة غير قادرة عن العودة عنها . وقد نشهد مثلا تسخينا غير مسبوق في الشمال السوري وتحديدا في مدينة حلب.
وقد يكون هذا التراجع بوابة لعودة الجيش التركي كلاعب في المشهد كما الحال قبل عام 2002، خاصة ان القوى العالمية التي كانت تضغط على الجيش سابقا لصالح حكم مريح للعدالة والتنمية لم تعد تفعل ذلك اليوم . وهذا سيفتح على سناريوهات متعددة ليس اقلها الانقلاب نهائيا على حزب العدالة والتنمية والحاقه بمن سبقه من الاحزاب الاسلامية. علينا الانتظار ولكن لابد من تثبيت حقيقة واضحة ان نهج التحول قد بدا في تركيا.