سيناريوهات العدوان على سورية ما قبل المبادرة الروسية ؟!

غسان يوسف

يقول البعض مجرد إعلان روسيا أنها ستدافع عن سورية في حال تعرضها لعدوان أميركيي كما وصفه بوتين نفسه يعني ذلك أن الأمريكيين سيتراجعون نهائيا عن التهديد لأن من شأن ذلك أن يورطهم في حرب عالمية ثالثة !

كل الوقائع والمؤشرات تؤكد أن الروس اتبعوا حتى الآن سياسة هدوء الأعصاب التي تعتمد على التفكير والمراقبة والدعم وهم بذلك مثل لاعب الشطرنج بينما اتبع الأمريكان سياسة الصراخ والسقف العالي غير عابئين بالرأي العام داخل الولايات المتحدة وخارجها حيث أظهرت آخر استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أن من يؤيد ضربة عسكرية لسورية لا يتجاوز تسعة بالمئة .

الولايات المتحدة التي ترعد وتزبد أنها ستضرب سورية بحجة استخدام سورية للسلاح الكيماوي تكذب على العالم كما فعلت قبل احتلالها للعراق ولم يقتصر الكذب على استعمال الكيماوي وإنما وصل الأمر بجون كيري وزير الخارجية إلى حد نفي وجود القاعدة وهو ما استدعى الرئيس بوتين لاتهامه بالكذب .. كذب واضح موصوف أليست الولايات المتحدة هي من وضع جبهة النصرة على لائحة الإرهاب ؟! والسؤال أليست النصرة امتداداً للقاعدة ؟! وماذا عن دولة العراق والشام الإسلامية وغيرهما من المنظمات المتطرفة التي تعمل على الأراضي السورية ؟!

من هنا يمكن القول إن كيري الديمقراطي الذي كان يعرف بأنه يجنح للسلام تفوق على باول وما ينطبق على كيري ينطبق على كل من وزير الحرب تشاك هاغل ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي حتى أن العديد من الخبراء والمحللين الاستراتجيين يصفون الإدارة الحالية بالمتهورة والمقامرة ما يعيدنا إلى سياسة جورج دبليو بوش وعصر الفوضى الخلاقة .

اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة بالكذب يذكرنا بخطاب الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف الذي ألقاه في الأمم المتحدة عام 1960 عندما خلع حذاءه ودق به على المنصة متوعدا ومهددا الغرب، لكن بوتين الرجل الهادئ بطبعه وبحكم خبرته السابقة في جهاز «كي جي بي» السوفييتي لم يتوعد ولم يهدد لكنه أكد للعالم أن موسكو لن تسمح للأميركيين بالعودة إلى سياسة القطب الواحد وأن سيناريوهات يوغسلافيا والعراق وليبيا لن تتكرر .

حديث بوتين يختلف كثيرا عن أسلوب حديث خروتشوف عام 1960، وروسيا الآن تختلف كثيرا جدا عن روسيا ما قبل بوتين .

ألم تكن روسيا المنتصر الأكبر عندما تمكن حزب الله ومن خلفه كل من سورية وإيران من صد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وتحويله إلى هزيمة منكرة ؟!

الإدارة الأميركية المتهورة التي لا تزال قواتها في أفغانستان ولم تتعاف من حرب العراق تقامر وتغامر بضرب سورية لصالح تنظيم القاعدة – بحسب السناتور راند بول – حيث قامت مع حلفائها .. السعودية وفرنسا وبريطانيا وتركيا والأردن والإمارات والكويت بنقل عشرات آلاف الإرهابيين من ثمانين دولة في العالم إلى سوريا وسهلت فتح مكاتب التطوع في جميع تلك الدول تحت غطاء المساعدات الانسانية لتساهم هذه الدول ولو بصور متفاوتة في مخطط تدمير سوريا , والدول العربية لم تكتف بذلك بل تطوعت بتمويل العدوان ومنح التسهيلات اللوجستية كما أعلن جون كيري مؤخرا.

السؤال اليوم .. إلى ماذا سينتهي الخلاف الروسي الأميركي ؟ البعض يقول هناك أربعة سيناريوهات :

الأول : ضربة محدودة تحفظ ماء الوجه الأمريكي – هذا إذا بقي ماء – لا تؤثر على موازين القوى على الأرض السورية بين النظام والمعارضة المسلحة وعلى النفوذ الروسي في سورية ولا تمتد إلى دول الجوار .

السيناريو الثاني : تقوم كل من روسيا وإيران بتزويد سورية بدفاعات جوية وبحرية قوية قادرة على ضرب القواعد الأميركية في دول الجوار والبحر ما يؤثر على فعالية الطائرات والسفن والصواريخ الأميركية والفرنسية المهاجمة فتقع الولايات المتحدة في أزمة ويتمرغ أنفها في الوحل السوري ويبقى الروس والإيرانيون والصينيون يتفرجون على الهزيمة الأميركية أمام دولة صغيرة كما حدث مع بريطانيا عندما هاجمت الارجنتين من أجل استعادة جزر الفوكلاند وهنا تكون روسيا قد ضربت – وكما يقال بالعامية عصفورين بحجر – لم تدخل الحرب ولكنها هيأت الظروف للخسارة الأميركية مع تعالي الأصوات في الولايات عن جدوى الحرب مع دولة بعيدة عن أمن الولايات المتحدة القومي ( كما ذكر أوباما في مؤتمره الصحافي بعد قمة العشرين في سان بطرس بورغ ) فتلملم الولايات المتحدة أذيال الهزيمة وتنكفئ على ذاتها في حين يتساقط حلفاؤها الواحد تلو الآخر وفي مقدمهم بندر بن سلطان وأردوغان .

الثالث ( غير المرجح ) : اشعال المنطقة من خلال اشتراك كل من ايران وحزب الله والمنظمات الفلسطينية إلى جانب سورية وانخراط كل من إسرائيل وتركيا والأردن إلى جانب الولايات المتحدة في حين تقوم كل من السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين بفتح قواعدها وأجوائها للولايات المتحدة ما يضطر سورية وحلفاؤها للرد وإشعال المنطقة .

السيناريو الرابع ( وهو المرجح ) : مواجهة روسية أمريكية من وراء الكواليس تكون نتيجتها عدم وقوع العدوان يسبقها رفع بوتين صوته قائلا للأمريكيين لن نسمح بضرب سورية لأنها جزء من أمننا القومي وفي حال تم ضربها فسنرد .. هنا سيمتنع الأمريكان عن الضرب خوفا من وقوع حرب عالمية ثالثة !

الأيام القادمة ستكون حاسمة إما لجهة التفاهم بين الروس والأميركيين حول الحل السياسي والذهاب لجنيف 2 , وإما لسيناريوهات الحرب السابقة .. ولعل الغلبة تكون للحل السياسي والتعقل بدلا من الذهاب إلى الحرب والدمار .