القصير اكثر من استراتيجية

العميد الياس فرحات

منذ اكثر من سنة بدأت المعارضة السورية المسلحة وخصوصا جبهة النصرة, بناء معقل القصير ,فاستقدمت اليها مقاتلين مدربين وانشأت تنظيما تراتبيا متينا وبدأت تتلقى تجهيزات واسلحة متقدمة وتحصن المعقل بحفر انفاق وكأنها على جبهة مع عدو.كان الاهتمام بهذه المدينة غير عادي ويختلف عن مدن كثيرة سيطرت عليها المعارضة المسلحة .كثيرة هي المدن والبلدات في ارياف المحافظات التي سيطرت عليها المعارضة لكنها لم تحظ باهتمام مماثل للقصير من القوى التي تقف وراء المعارضة وتحدد تحركاتها واهدافها.

بالطبع ان الدول التي تدعم المعارضة من عربية واجنبية بالاضافة الى ما اتضح مؤخرا من دعم اسرائيلي, لا تهدف الى تغيير النظام في سوريا باجراء اصلاحات وتحقيق الديموقراطية فهذه الدول لها اهداف سياسية لا تتصل بالاصلاحات.لقد وضعت على رأس اجندتها انهاك سوريا بضرب البنى التحتية ومن هنا كان تفجير انابيب نقل النفط والغاز وتدمير محطات لتوليد الطاقة وتدمير باصات للنقل العام وكذلك تفجير خطوط سكك الحديد وصوامع الحبوب ومطاحن ومن دون ان ننسى تفجير وتخريب المصانع في حلب وريف دمشق وسرقة محتوياتها .هذه السلسلة من التفجيرات التي استهدفت البنى التحتية لم تأت بالصدفة ولا اثناء عمليات حربية او "انتفاضات ثورية" ,لقد جاءت تنفيذا لخطة معدة سابقا ومحددة الاهداف وطرق التنفيذ .

وتضمنت الاجندة ايضا الجيش السوري الذي كان هدفا اساسيا للقوى الداعمة للمعارضة المسلحة .نتذكر ان احد ايام الجمعة التي كانت تسميها المعارضة وتكون عنوانا لبعض التظاهرات كان "جمعة حماة الديار"اي ان من يقف وراء المعارضة كان يحسب ان يستميل الجيش الى جانبه ,هذا اذا ما كان هذا الجانب واضحا او موحدا بعد ما ظهرت فوضى الجوانب المعارضة . ليس سرا ان اموالا طائلة عرضت على ضباط وعسكريين وان ضغوطا كبيرة فرضت على عائلاتهم من اجل التمرد على القيادة.لقد استجاب عدد قليل من الضعاف لهذه الضغوط واظهرهم اعلام القوى الداعمة للمعارضة انهم اقوياء ومؤثرين وحظيوا بتغطية استثنائية في الصحف وعلى شاشات التلفزيونات حتى ظن البعض ان القوات المسلحة السورية قد اصيبت بالشلل ولم تعد قادرة على التحرك .لم تستطع تلك القوى ان تقنع قائد وحدة صغيرة بالانشقاق مع وحدته بل اقتصر ما سمته الانشقاق على عمليات فرار من الجيش.واخطر ما تعرض له الجيش السوري هو ضرب رادارات الانذار ومواقع الصوريخ المضادة للطائرات والتي يستلزم انتشارها ان تتموضع في تلال عالية او اماكن نائية ويقودها فنيون متخصصون بملاحقة الاهداف الجوية واطلاق الصواريخ عليها وليس عسكريون من المشاة . لقد قدمت المعارضة بذلك خدمة للعدو الاسرائيلي لانه المستهدف الوحيد من هذه الرادارات وهي بالطبع لا تستعمل في الداخل الامني .

بعدما اعتبرت المعارضة ومن وراءها انها ضربت صمود المواطن السوري بضرب مقومات الصمود في البنى التحتية,وانها استطاعت شل الجيش السوري بدأت التحرك لتحقيق احد اهم اهدافها المعلنة وهي ضرب المقاومة اللبنانية(نلاحظ ان الشعارات الاساسية التي اطلقتها المعارضة منذ بداية التظاهرات كانت تهتف ضد المقاومة وليس طلبا للاصلاحات ) .ومن هنا كان الحشد الكبير في القصير.بالطبع ان مدينة القصير تتمتع باهمية استراتيجية فهي تشرف على طريق حمص- طرطوس وطريق بعلبك - حمص وانها مقر لاستقبال المقاتلين القادمين من لبنان وامدادات السلاح والمؤن والتجهيزات المختلفة التي ترد من لبنان ايضا .لكن هناك مدنا اخرى تقع على الحدود العراقية والتركية والاردنية وتستقبل مثلما تستقبل القصير من المقاتلين والمؤن, ولم تحظ بالاهتمام كما حظيت القصير .السبب ان مشروع القصير هو ضرب المقاومة اللبنانية ومشاغلتها في البقاع الشمالي اي نقل اهتمامها وتركيزها من جبهة المواجهة مع العدو الاسرائيلي الى حماية نفسها وشعبها في البقاع الشمالي.

كان تسليح القصير استثنائيا وكبيرا ,اضافة الى مئات السيارات التي تحمل رشاشات كانت معظم المراكز القتالية ومخازن الاسلحة والذخائر والمؤن تحت الارض كما انشئ مشفى ميداني ومستوصفات ومنها تحت الارض .اجهزة القيادة والسيطرة والاتصال كانت الاحدث والاجود وتمكنت قيادة النصرة من المحافظة على استمرارية القيادة ونقل الاوامر وتلقي الافادات عبر هذه الاجهزة والتي يعتقد انها كانت عصية على التشويش .بالاضافة ايضا الى البنادق القناصة المتطورة وانواع المتفجرات والصواعق المتطورة ايضا .

بدأ هذا المعقل الكبير تحركه مطلع العام الحالي وتقدم غربا باتجاه قرى غرب العاصي واوضح نواياه بقتل وتهجير بعض السكان المشكوك بهم. كان ذلك اعلانا بان المعركة مع المقاومة في لبنان قد بدأت من الشمال وانها في طريقها الى الداخل اللبناني (لم يعد سرا ما تتناقله وسائل الاعلام عن وجود مجموعات من المعارضة السورية المسلحة في بعض مناطق لبنان ,بالاضافة الى تصريح وزير الداخلية مروان شربل حول وجود معسكرين للمعارضة على الاراضي اللبنانية ).استشعرت المقاومة الخطر وشاركت الجيش السوري في عملياته في ريف القصير ونشبت حرب القصير وريفها التي انتهت بهزيمة جبهة النصرة وانهيار مشروع ضرب المقاومة المتفرع عن مشروع ضرب سوريا نظاما وشعبا وقدرات.كانت القصير مدينة استراتيجية لكن وظيفة ضرب المقاومة جعلتها اكثر من استراتيجية.

اذا كانت المقاومة قد صدت هجوما اسرائيليا نفذ باوامر اميركية واضحة في تموز 2006 فانها صدت ايضا هجوما اميركيا نفذته جبهة النصرة وداعموها عام 2013 .لقد نجت المقاومة من هذا الهجوم الكبير وستنجو سوريا من الهجوم الاكبر.كانت القصير مدينة ذات اهمية استراتيجية لكنها , مع مشروع ضرب المقاومة انطلاقا منها, باتت اكثر من استراتيجية.

القصير اسم على مسمى فهي قصرت عمر المجموعات الاجرامية في سوريا بصورة خاصة ومناطق الدول العربية الحرة بصورة عامة ونقول للجيش العربي السوري خلصوا على جرذان ليبيا والقاعدة لا نريد منهم احدا ان يعود حيا الى ليبيا