روسيا... ودفاعها المُستميت عن سوريا
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
روسيا... ودفاعها المُستميت عن سوريا
سيد مهدي نوراني
منذ أن شهد الملفّ السوريّ ذلك التغيير الجوهريّ والأساسيّ، المتمثّل في انتقاله من كونه مجرّد تحوّل داخليّ، إلى كونه أزمةً إقليميّة ودوليّة واسعة النطاق، ومنذ ذلك الحين وقفت روسيا في موقف المدافع عن نظام وحكومة الرئيس بشّار الأسد في وجه ما يتهدّدها من الضغوطات والتدخّلات الخارجيّة.
وفي وقتٍ بلغت فيه الأزمة السوريّة ذروتها خلال العام الحاليّ (2013)، وكانت الدول الداعمة للمعارضين المسلّحين تتحدّث عن "سقوط دمشق" خلال مدّة تقلّ عن الشهرين!! كانت موسكو دائماً ما تؤكّد على ضرورة عدم السماح بتكرار مشهد التجربة اللّيبيّة في سوريا.
وبالنظر إلى السلوك والتعامل الروسيّ غير المطَمْئِن تجاه الملفّ النوويّ الإيرانيّ، يتحدّث كثير من الخبراء والمراقبين السياسيّين عن أنّ ما تسعى إليه موسكو في سوريا من خلال سلوكها وتعاملها مع الملفّ السوريّ هو البحث في سوريا عن مكاسب وامتيازاتٍ سياسيّةٍ واقتصاديّة جديدة تنتزعها روسيا لنفسها من أيدي الغرب.
واستناداً إلى النهج الذي تتّبعه روسيا على مستوى السياسة الخارجيّة في منطقة الشرق الأوسطـ، والمتمثّل في سعي روسيا إلى امتلاك نفوذٍ واسعٍ لها في هذه المنطقة تمهيداً لإنتزاع مكاسب وامتيازاتٍ كان أخذها الغرب في دول شرق أوروبا، يؤكّد هؤلاء الخبراء والمراقبون السياسيّون على أنّ الروس ينظرون إلى الأوضاع في دمشق على أنّها نقطة التحوّل الرئيسيّة التي ستغيّر وجه التعامل والتوازن بين روسيا والغرب.
غير أنّه لاحقاً جرى استبعاد هذه النظرة، وهذا التحليل، بشكلٍ كبير، بعد أن تصدّت روسيا لمشاريع القرار المقدّمة من قِبَل كلٍّ من أمريكا وفرنسا وبريطانيا مستخدمةً في وجهها حقّ النقض (الفيتو) لعدم السماح بتمريرها في مجلس الأمن.
جدير بالذكر، أنّ موسكو قبل هذه الفترة، ومنذ انتهاء الحرب الباردة، لم يكن قد سبق لها أن استخدمت حقّ الفيتو في مجلس الأمن. وفي العام 1991 سكتت موسكو إزاء التشكيكات التي أثارتها السعوديّة في مجلس الأمن تجاه الهجمة العسكريّة الأمريكيّة على العراق التي كانت تهدف إلى إخراج صدّام حسين من الكويت.
وكذلك، لم يكن للروس من ردّة فعلٍ تُذكر إزاء الهجوم على أفغانستان، وكذلك، في فترة احتلال العراق في العام 2003، اختار الروس أن لا يكون لهم موقف حازم أو ردّة فعلٍ تُذكر إزاء سياسات الهجوم العدوانيّة التي اعتمدتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة، لا في مجلس الأمن الدوليّ، ولا على كلّ الساحة السياسيّة الدوليّة.
وحتّى في الفترة التي شهدت اندلاع الثورات الملوّنة في جورجيا وأوكرانيا وقرغيزيا، لم تكن روسيا قادرةً على اتّخاذ الموقف المناسب الذي يضاهي حجم التدخّل الغربيّ في تلك الدول، والذي انتهى بتوسّع انتشار قوّات حلف الناتو في الشرق.
ظلّ الأمر على هذه الحالة، حتّى وقع ذلك التدخّل الغربيّ في ليبيا، والذي تسمّيه الدول الغربيّة "تدخّلاً إنسانيّاً"، ما شكّل نقطة تحوّل رئيسيّة في السلوك والموقف الروسيّ تجاه الغرب، وتحديداً: تجاه قوّات حلف الناتو، بوصفها الذراع العسكريّة والهجوميّة التي تعتمدها الولايات المتّحدة الأمريكيّة في تنفيذ سياساتها البوليسيّة على الساحة الدوليّة.
وكانت أمريكا والدول الغربيّة قد تمكّنت من تحويل ليبيا إلى ساحةٍ لنفوذها بالرغم من أنّ حدود التدخّل الذي كانت قد سمحت به الأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدوليّ اقتصرت على السماح لها بإقامة حظرٍ جوّيّ فوق ليبيا، غير أنّ الهجمات القتاليّة الشرسة والمتلاحقة التي شنّها سلاح الجوّ الفرنسيّ والبريطانيّ على المدن اللّيبيّة أدّت إلى تهديم وتقويض البنى التحتيّة اللّيبيّة، ما أسهم في توفير الأرضيّة المناسبة لتعاظم النفوذ الأوروبّي في منطقة شمال أفريقيا.
وبعد هذه الأزمة الدوليّة أدركت موسكو أنّ ما يسعى إليه الغرب وحلف الناتو ليس سوى العمل على تأمين مصالحهم بالكامل، وبدرجة 100 %، وأنّه ما من خطوةٍ تُقدم عليها تلك الدول إلّا وهي تهدف إلى تضييق دائرة الخناق أكثر فأكثر على خصومها من الدول المعارضة لها.
وهذا ما دفع بروسيا الاستنتاج التالي، وهو أنّه بعد فراغ الدول الغربيّة من سوريا فسيأتي الدور على سائر دول المنطقة، كما واقتنعت روسيا ـ بسبب ذلك أيضاً ـ بأنّ كلّ خطوةٍ تخطوها إلى الوراء، فهي لا تجعل روسيا خاسرةً لامتيازٍ ومكسبٍ كانت لتأخذه من الغرب فحسب، بل من شأن هذا التراجع أيضاً أن يدفع بتلك المساعي الغربيّة الطمّاعة إلى المزيد من التقدّم نحو الأمام.
روسيا، ومن أجل أن تُثبت للولايات المتّحدة الأمريكيّة جدّيّتها في دعم دمشق وعدم استعدادها للتخلّي عنها، عمدت إلى استقدام ما يقارب الـ 20 ناقلةً وسفينة حربيّة إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسّط والسواحل الغربيّة المحاذية لسوريا في خطوةٍ تهدف ـ بوضوح ـ إلى الحفاظ على التوازن العسكريّ في المنطقة.
روسيا التي حضرت في سوريا بهذه القوّة، إلى جانب الحضور الإيرانيّ، لم تُبدِ قلقاً أو اهتماماً كبيراً تجاه الحضور السعوديّ والتركيّ هناك، وإنّما جعلت اهتمامها منصبّاً ـ بالكامل ـ على مواجهة القوى العظمى التي حضرت هناك، والتي لا يقتصر حضورها السياسيّ على هذا الحضور في المنطقة والإقليم، وفي هذا الإطار، قامت روسيا بخطوتها الأخيرة التي فاجأت الجميع، والتي تمثّلت في إقدامها على بيع دمشق منظومتها الصاروخيّة للدفاع الجوّيّ المسمّاة بـ (اس ـ 300)، تعزيزاً للدفاعات الجوّيّة السوريّة. وهي المنظومة نفسها التي كانت موسكو قد امتنعت منذ عامين عن بيعها وتسليمها إلى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أنّه لماذا تصرّ موسكو كلّ هذا الإصرار على دعم دمشق وحمايتها والدفاع عنها؟
وللوهلة الأُولى يُقال: إنّ روسيا تُعدّ ـ بشكلٍ من الأشكال ـ آخر قاعدةٍ لروسيا في المنطقة، حيث كان لروسيا في ستّينيّات وسبعينيّات القرن الماضي نفوذ واسع في بلدانٍ عديدة، كاليمن والعراق وسوريا وليبيا، بل وحتّى مصر، ولكن وبعد انهيار الاتّحاد السوفييتي، فإنّ جميع هذه البلدان اليوم باتت مرتميةً في أحضان الغرب.
ومن بين هذه الدول، فإنّ سوريا هي الحليف التقليديّ الوحيد المتبقّي لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، وبالنظر إلى ذلك، وإلى أنّها ـ أي: سوريا ـ تختلف بشكلٍ كبير عن بلدانٍ ودولٍ مثل اليمن، لم يكن من الممكن للروس أن يُغمضوا عمّا يجري فيها من أحداث. هذا، بالإضافة إلى الموقعيّة الجيوبولوتيكيّة المتميّزة التي تحتلّها سوريا، فهي بوّابة آسيا، وهي تقع على ساحلٍ مهمّ جدّاً من سواحل البحر الأبيض المتوسّط، ما يُعطي هذا البلد أهمّيّةً جيوبولوتيكيّة قصوى.
السبب الثاني لهذا الإصرار الروسيّ، هو أنّ روسيا يمكن أن تحصل على منافع اقتصاديّة مهمّةٍ لها في سوريا، من اتّفاقيّات التسليح إلى سوق الاستهلاك، مضافاً إلى الكشف مؤخّراً عن وجود مصادر متنوّعة للطاقة، الأمر الذي يمكن له ـ دائماً ـ أن يكون محفّزاً ومرغّباً للكرملين الروسيّ على الحضور والتواجد الدائم على الساحة السوريّة.
السبب الثالث الذي يمكن أيضاً أن يفسّر هذا العناد في الموقف الروسيّ في قبال التدخّل الغربيّ في سوريا يتمثّل في حقيقة أنّ موسكو قلقة من البدع والذرائع التي جرى التسويق لها على أعقاب الأزمة السوريّة. وتصوّر أنّ دولاً كالسعوديّة أو قطر، من خلال ما تقدّمه من الدعم والحماية للإرهابيّين والمتشدّدين للعمل على تخريب مناطق عدّة، كمنطقة الشيشان في روسيا، أو إيغور في غرب الصين، ليُصار لاحقاً، وبالقوّة، إلى منحها كراسي ومحلّاتٍ في المحافل الدوليّة، هو ما تعتبره روسيا تهديداً لأمنها القوميّ.
وهناك سبب رابع يمكن ذكره في هذا المجال، وهو عبارة عن البعد الداخليّ للملفّ السوريّ بالنسبة إلى المسؤولين الروس. فعلى الساحة الداخليّة، بذل التيّار الرئيسيّ الحاكم في روسيا ـ والذي يشكّل امتداداً لـ سان بطرسبرغ ـ من خلال وجوهه البارزة المتمثّلة في كلٍّ من: (فلاديمير بوتين) رئيس جمهورية روسيا، و(سيرغي لافروف) وزير الخارجيّة الروسيّ، و(ديميتري ميدفيديف) رئيس الوزراء الروسيّ، بذل جهوداً حثيثةً في سبيل استعادة وإعادة إحياء إمبراطوريّة روسيا العظمى، الأمر الذي يحتّم على روسيا أن تكون لها مواقف حاسمة بما يتناسب وشأنها كقوّة عالميّةٍ كبرى في هذا العالم.
عندما قام فيتالي تشوركين (السفير الروسي لدى الأمم المتّحدة) برفع يده معلناً احتجاج بلاده على السماح بإيجاد منطقة حظرٍ جوّيّ فوق سوريا، فهو في هذا الاحتجاج حمل الرسالة التالية، وهي: أنّ روسيا لم تعد مجرّد قوّةٍ إقليميّة، بل هي اليوم واحدة من أهمّ القوى العالميّة على الساحة الدوليّة.
وفي الختام، لا بدّ لنا أن ننتهي إلى النتيجة التالية، وهي أنّ موسكو ستستمرّ فيما هي ماضية فيه من محاولة فرض التوازن مقابل أمريكا في خصوص الأزمة السوريّة، وأنّها لن تسمح أبداً بأن تتحوّل سوريا إلى ليبيا جديدة.
وكون روسيا قد دفعت أموالاً ومبالغ في الأزمة السوريّة أمر واضح للغاية، وهذا ما يدعونا إلى استنتاج أنّه لا يمكن بعد كلّ هذا إغراء الروس وتطميعهم بالانسحاب والتراجع من سوريا عبر وعود بمكافآتٍ اقتصاديّة أو مصالح صغيرة ضيّقة.
وفي وقتٍ بلغت فيه الأزمة السوريّة ذروتها خلال العام الحاليّ (2013)، وكانت الدول الداعمة للمعارضين المسلّحين تتحدّث عن "سقوط دمشق" خلال مدّة تقلّ عن الشهرين!! كانت موسكو دائماً ما تؤكّد على ضرورة عدم السماح بتكرار مشهد التجربة اللّيبيّة في سوريا.
وبالنظر إلى السلوك والتعامل الروسيّ غير المطَمْئِن تجاه الملفّ النوويّ الإيرانيّ، يتحدّث كثير من الخبراء والمراقبين السياسيّين عن أنّ ما تسعى إليه موسكو في سوريا من خلال سلوكها وتعاملها مع الملفّ السوريّ هو البحث في سوريا عن مكاسب وامتيازاتٍ سياسيّةٍ واقتصاديّة جديدة تنتزعها روسيا لنفسها من أيدي الغرب.
واستناداً إلى النهج الذي تتّبعه روسيا على مستوى السياسة الخارجيّة في منطقة الشرق الأوسطـ، والمتمثّل في سعي روسيا إلى امتلاك نفوذٍ واسعٍ لها في هذه المنطقة تمهيداً لإنتزاع مكاسب وامتيازاتٍ كان أخذها الغرب في دول شرق أوروبا، يؤكّد هؤلاء الخبراء والمراقبون السياسيّون على أنّ الروس ينظرون إلى الأوضاع في دمشق على أنّها نقطة التحوّل الرئيسيّة التي ستغيّر وجه التعامل والتوازن بين روسيا والغرب.
غير أنّه لاحقاً جرى استبعاد هذه النظرة، وهذا التحليل، بشكلٍ كبير، بعد أن تصدّت روسيا لمشاريع القرار المقدّمة من قِبَل كلٍّ من أمريكا وفرنسا وبريطانيا مستخدمةً في وجهها حقّ النقض (الفيتو) لعدم السماح بتمريرها في مجلس الأمن.
جدير بالذكر، أنّ موسكو قبل هذه الفترة، ومنذ انتهاء الحرب الباردة، لم يكن قد سبق لها أن استخدمت حقّ الفيتو في مجلس الأمن. وفي العام 1991 سكتت موسكو إزاء التشكيكات التي أثارتها السعوديّة في مجلس الأمن تجاه الهجمة العسكريّة الأمريكيّة على العراق التي كانت تهدف إلى إخراج صدّام حسين من الكويت.
وكذلك، لم يكن للروس من ردّة فعلٍ تُذكر إزاء الهجوم على أفغانستان، وكذلك، في فترة احتلال العراق في العام 2003، اختار الروس أن لا يكون لهم موقف حازم أو ردّة فعلٍ تُذكر إزاء سياسات الهجوم العدوانيّة التي اعتمدتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة، لا في مجلس الأمن الدوليّ، ولا على كلّ الساحة السياسيّة الدوليّة.
وحتّى في الفترة التي شهدت اندلاع الثورات الملوّنة في جورجيا وأوكرانيا وقرغيزيا، لم تكن روسيا قادرةً على اتّخاذ الموقف المناسب الذي يضاهي حجم التدخّل الغربيّ في تلك الدول، والذي انتهى بتوسّع انتشار قوّات حلف الناتو في الشرق.
ظلّ الأمر على هذه الحالة، حتّى وقع ذلك التدخّل الغربيّ في ليبيا، والذي تسمّيه الدول الغربيّة "تدخّلاً إنسانيّاً"، ما شكّل نقطة تحوّل رئيسيّة في السلوك والموقف الروسيّ تجاه الغرب، وتحديداً: تجاه قوّات حلف الناتو، بوصفها الذراع العسكريّة والهجوميّة التي تعتمدها الولايات المتّحدة الأمريكيّة في تنفيذ سياساتها البوليسيّة على الساحة الدوليّة.
وكانت أمريكا والدول الغربيّة قد تمكّنت من تحويل ليبيا إلى ساحةٍ لنفوذها بالرغم من أنّ حدود التدخّل الذي كانت قد سمحت به الأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدوليّ اقتصرت على السماح لها بإقامة حظرٍ جوّيّ فوق ليبيا، غير أنّ الهجمات القتاليّة الشرسة والمتلاحقة التي شنّها سلاح الجوّ الفرنسيّ والبريطانيّ على المدن اللّيبيّة أدّت إلى تهديم وتقويض البنى التحتيّة اللّيبيّة، ما أسهم في توفير الأرضيّة المناسبة لتعاظم النفوذ الأوروبّي في منطقة شمال أفريقيا.
وبعد هذه الأزمة الدوليّة أدركت موسكو أنّ ما يسعى إليه الغرب وحلف الناتو ليس سوى العمل على تأمين مصالحهم بالكامل، وبدرجة 100 %، وأنّه ما من خطوةٍ تُقدم عليها تلك الدول إلّا وهي تهدف إلى تضييق دائرة الخناق أكثر فأكثر على خصومها من الدول المعارضة لها.
وهذا ما دفع بروسيا الاستنتاج التالي، وهو أنّه بعد فراغ الدول الغربيّة من سوريا فسيأتي الدور على سائر دول المنطقة، كما واقتنعت روسيا ـ بسبب ذلك أيضاً ـ بأنّ كلّ خطوةٍ تخطوها إلى الوراء، فهي لا تجعل روسيا خاسرةً لامتيازٍ ومكسبٍ كانت لتأخذه من الغرب فحسب، بل من شأن هذا التراجع أيضاً أن يدفع بتلك المساعي الغربيّة الطمّاعة إلى المزيد من التقدّم نحو الأمام.
روسيا، ومن أجل أن تُثبت للولايات المتّحدة الأمريكيّة جدّيّتها في دعم دمشق وعدم استعدادها للتخلّي عنها، عمدت إلى استقدام ما يقارب الـ 20 ناقلةً وسفينة حربيّة إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسّط والسواحل الغربيّة المحاذية لسوريا في خطوةٍ تهدف ـ بوضوح ـ إلى الحفاظ على التوازن العسكريّ في المنطقة.
روسيا التي حضرت في سوريا بهذه القوّة، إلى جانب الحضور الإيرانيّ، لم تُبدِ قلقاً أو اهتماماً كبيراً تجاه الحضور السعوديّ والتركيّ هناك، وإنّما جعلت اهتمامها منصبّاً ـ بالكامل ـ على مواجهة القوى العظمى التي حضرت هناك، والتي لا يقتصر حضورها السياسيّ على هذا الحضور في المنطقة والإقليم، وفي هذا الإطار، قامت روسيا بخطوتها الأخيرة التي فاجأت الجميع، والتي تمثّلت في إقدامها على بيع دمشق منظومتها الصاروخيّة للدفاع الجوّيّ المسمّاة بـ (اس ـ 300)، تعزيزاً للدفاعات الجوّيّة السوريّة. وهي المنظومة نفسها التي كانت موسكو قد امتنعت منذ عامين عن بيعها وتسليمها إلى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أنّه لماذا تصرّ موسكو كلّ هذا الإصرار على دعم دمشق وحمايتها والدفاع عنها؟
وللوهلة الأُولى يُقال: إنّ روسيا تُعدّ ـ بشكلٍ من الأشكال ـ آخر قاعدةٍ لروسيا في المنطقة، حيث كان لروسيا في ستّينيّات وسبعينيّات القرن الماضي نفوذ واسع في بلدانٍ عديدة، كاليمن والعراق وسوريا وليبيا، بل وحتّى مصر، ولكن وبعد انهيار الاتّحاد السوفييتي، فإنّ جميع هذه البلدان اليوم باتت مرتميةً في أحضان الغرب.
ومن بين هذه الدول، فإنّ سوريا هي الحليف التقليديّ الوحيد المتبقّي لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، وبالنظر إلى ذلك، وإلى أنّها ـ أي: سوريا ـ تختلف بشكلٍ كبير عن بلدانٍ ودولٍ مثل اليمن، لم يكن من الممكن للروس أن يُغمضوا عمّا يجري فيها من أحداث. هذا، بالإضافة إلى الموقعيّة الجيوبولوتيكيّة المتميّزة التي تحتلّها سوريا، فهي بوّابة آسيا، وهي تقع على ساحلٍ مهمّ جدّاً من سواحل البحر الأبيض المتوسّط، ما يُعطي هذا البلد أهمّيّةً جيوبولوتيكيّة قصوى.
السبب الثاني لهذا الإصرار الروسيّ، هو أنّ روسيا يمكن أن تحصل على منافع اقتصاديّة مهمّةٍ لها في سوريا، من اتّفاقيّات التسليح إلى سوق الاستهلاك، مضافاً إلى الكشف مؤخّراً عن وجود مصادر متنوّعة للطاقة، الأمر الذي يمكن له ـ دائماً ـ أن يكون محفّزاً ومرغّباً للكرملين الروسيّ على الحضور والتواجد الدائم على الساحة السوريّة.
السبب الثالث الذي يمكن أيضاً أن يفسّر هذا العناد في الموقف الروسيّ في قبال التدخّل الغربيّ في سوريا يتمثّل في حقيقة أنّ موسكو قلقة من البدع والذرائع التي جرى التسويق لها على أعقاب الأزمة السوريّة. وتصوّر أنّ دولاً كالسعوديّة أو قطر، من خلال ما تقدّمه من الدعم والحماية للإرهابيّين والمتشدّدين للعمل على تخريب مناطق عدّة، كمنطقة الشيشان في روسيا، أو إيغور في غرب الصين، ليُصار لاحقاً، وبالقوّة، إلى منحها كراسي ومحلّاتٍ في المحافل الدوليّة، هو ما تعتبره روسيا تهديداً لأمنها القوميّ.
وهناك سبب رابع يمكن ذكره في هذا المجال، وهو عبارة عن البعد الداخليّ للملفّ السوريّ بالنسبة إلى المسؤولين الروس. فعلى الساحة الداخليّة، بذل التيّار الرئيسيّ الحاكم في روسيا ـ والذي يشكّل امتداداً لـ سان بطرسبرغ ـ من خلال وجوهه البارزة المتمثّلة في كلٍّ من: (فلاديمير بوتين) رئيس جمهورية روسيا، و(سيرغي لافروف) وزير الخارجيّة الروسيّ، و(ديميتري ميدفيديف) رئيس الوزراء الروسيّ، بذل جهوداً حثيثةً في سبيل استعادة وإعادة إحياء إمبراطوريّة روسيا العظمى، الأمر الذي يحتّم على روسيا أن تكون لها مواقف حاسمة بما يتناسب وشأنها كقوّة عالميّةٍ كبرى في هذا العالم.
عندما قام فيتالي تشوركين (السفير الروسي لدى الأمم المتّحدة) برفع يده معلناً احتجاج بلاده على السماح بإيجاد منطقة حظرٍ جوّيّ فوق سوريا، فهو في هذا الاحتجاج حمل الرسالة التالية، وهي: أنّ روسيا لم تعد مجرّد قوّةٍ إقليميّة، بل هي اليوم واحدة من أهمّ القوى العالميّة على الساحة الدوليّة.
وفي الختام، لا بدّ لنا أن ننتهي إلى النتيجة التالية، وهي أنّ موسكو ستستمرّ فيما هي ماضية فيه من محاولة فرض التوازن مقابل أمريكا في خصوص الأزمة السوريّة، وأنّها لن تسمح أبداً بأن تتحوّل سوريا إلى ليبيا جديدة.
وكون روسيا قد دفعت أموالاً ومبالغ في الأزمة السوريّة أمر واضح للغاية، وهذا ما يدعونا إلى استنتاج أنّه لا يمكن بعد كلّ هذا إغراء الروس وتطميعهم بالانسحاب والتراجع من سوريا عبر وعود بمكافآتٍ اقتصاديّة أو مصالح صغيرة ضيّقة.
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» روسيا والعدوان على سوريا
» بين سوريا وأوكرانيا… هل ستهزم روسيا ؟
» روسيا تدافع عن نفسها في سوريا!
» اجتماع حاشد في دعم سوريا، 5.09 في روسيا
» الحرب على روسيا من سوريا إلى أوكرانيا
» بين سوريا وأوكرانيا… هل ستهزم روسيا ؟
» روسيا تدافع عن نفسها في سوريا!
» اجتماع حاشد في دعم سوريا، 5.09 في روسيا
» الحرب على روسيا من سوريا إلى أوكرانيا
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 9:34 pm من طرف larbi
» نكبة بلد المشاعر
أمس في 4:41 pm من طرف عبد الله ضراب
» صلاح الدين الايوبي
الخميس نوفمبر 21, 2024 10:36 pm من طرف larbi
» جنائية الدولية تصدر أمري اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
الخميس نوفمبر 21, 2024 4:06 pm من طرف larbi
» الى فرسان اليمن
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:52 pm من طرف larbi
» كلمة مندوب الجزائر في مجلس الأمن بعد الفيتو الأميركي ضد قرار وقف الحرب على غزة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:34 pm من طرف larbi
» كلمة الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:32 pm من طرف larbi
» مقتل جندي و إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 7:00 pm من طرف larbi
» مقتل جندي إسرائيلي و جرحى من لواء غولاني بمعارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:48 pm من طرف larbi
» بيان المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع بشأن استهداف سفينة في البحر الأحمر
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:37 pm من طرف larbi