هل تدفع أميركا ثمن التسوية؟

د.عامر سبايله

يبدو انه بات من الطبيعي ظهور الانعكاسات السلبية لاقتراب الموقف الأمريكي من تبني ملف التسوية, هذه الانعكاسات تظهر في كل مرحلة ضمن تعبيرات متعددة الأشكال لكنها تستهدف و بصورة مباشرة الولايات المتحدة.
بالاستعراض السريع لانعكاسات تماهي الولايات المتحدة مع فكرة اغلاق ملف الحرب في سوريا و المضي قدما في مخاضات ملف التسوية السياسية, يظهر ارتباط واضح بين طبيعة الموقف الامريكي و انعكاساته على الأرض. الوقوف السريع على بعض مفاصل محطات الأزمة يظهر أن توقيع الولايات المتحدة على بيان جنيف الأول, قاد الى حالة من التأزيم في الداخل السوري بما عرف حينها بهجوم دمشق الذي أعقب حادثة تفجير خلية الأزمة. فشل هجوم دمشق دفع الولايات المتحدة لتبني نظرية تفعيل اتفاق جنيف الأول, الجنرال ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية زار حينها اسرائيل و أشار بوضوح الى عدم وجود اي نية أمريكية لتبني الرؤية الاسرائيلية المتعلقة بشن عدوان على ايران, على العكس تماماُ أظهرت المفاوضات أن الولايات المتحدة سعت لإنضاج ملف التسوية السياسية في سوريا. التأزيم الأمريكي جاء حينها عبر نشر مقطع من فيديو مسيء للنبي محمد (ص) و بالتالي تهيئة المناخ لاستهدف الولايات المتحدة بشتى الطرق مما ادى الى الهجوم على قنصلية بنغازي و التي أدت حينها الى مقتل السفير ستيفنس و بالتالي انتقال الأزمة الى اروقة القرار الأمريكي في واشنطن. المحطة الثانية اعقبت اشتعال أزمة شبه الجزيرة الكورية و جمعت جون كيري بالوزير لافروف, شهد هذا اللقاء تفاهمات روسية أمريكية جديدة سعت لتفعيل برنامج التسوية. رغبة الوصول الى التسوية انعكست على الداخل الأمريكي مجدداً و تمثلت بحادثة التفجير في ماراثون بوسطن. اما المحطة الأخيرة فأظهرت تجدد الميل الأمريكي لتبني خيار التسوية في سوريا عبر قبول الولايات المتحدة للمبادرة الروسية و العزوف عن تبني سيناريو الضربة العسكرية. النتيجة تظهر مجدداً في حادثة اطلاق النار داخل مبنى البحرية الأمريكية في واشنطن. هذه القراءة السريعة تشير بوضوح الى احتمالية وجود ارتباط ضمني بين هذه الانعكاسات الأمنية و اقتراب الموقف الأمريكي من تبني الحل السياسي للأزمة في سوريا.
تحليل الوضع القائم يشير انه من الطبيعي ان تسعى دول محور تأزيم سوريا الى العمل على وأد اي فرصة للوصول الى التسوية السياسية في سوريا, بالأخص عبر منع الولايات المتحدة من تبني نهج التسوية, و السعي الى توريط الولايات المتحدة بمواجهة عسكرية في سوريا. حيث أن خسارة هذا المحاور لخيار اللجوء الى الحرب يعني منطقياً خروجه من المشهد السياسي. لهذا فمن الطبيعي ان تتحول المعركة بالنسبة لهذه التيارات الى معركة وجودية. انعكاسات هذه التجاذبات -بلا شك- تشمل معظم دول المحور الأمريكي. أردنياً ظهرت انعكاسات هذه التجاذبات بوضوح مؤخراً على التصريحات المتضاربة لأطراف متعددة في الدولة الأردنية, خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالموقف الأردني من التطورات في سوريا. فبين تيار يماهي الرؤية الأمريكية و الخليجية و يحرص على ان تنال تصريحاته اعجاب هذا المحور, دخلت المؤسسة العسكرية الأردنية على الخط و بقوة و قطعت الطريق على تضارب التصريحات. المؤسسة العسكرية التي أدارت المشهد على الأرض باقتدار على مدار الأزمة أكدت أنها تراقب الوضع في سوريا دون أدنى تفكير في التدخل في شؤون بلد عربي و ذلك انطلاقاً من المصلحة الاستراتيجية الأردنية العليا. أما الاعلان الأخير الذي كشف عن وجود أكثر من الفي ضابط سوري منشق في الأردن, فيمثل رسالة واضحة بعدم رغبة المؤسسة العسكرية بالانخراط المباشر او غير المباشر في الأزمة السورية, لا بل ان ذلك يؤكد مراقبة المؤسسة العسكرية لمسار التسوية السياسية و يؤكد موقفها الرافض للانخراط بأي شكل من اشكال الصراع في سوريا.
تكون المشهد السياسي على الأرض ضمن اطار التسوية قد يعني ضمناً خروج شخوص و تيارات التأزيم المتماهية مع الرغبة الأمريكية و الهوى الخليحي من المشهد, و ضرورة ان يحل مكانها تيارات قادرة على التعامل مع أخطر محطات الأزمة المتمثلة بالتحديات السياسية الناتجة عن انطلاق قطار التسوية السورية-السورية و تداعياتها المرتقبة على الداخل الأردني.