ابو احمد الاميركي.. ابو جورج الافغاني

نبيه البرجي
كان ينقصنا ابو احمد الاميركي. حتما لن نعثر في لائحة اولياء الامر من الذين يأكلون النصوص، ويأكلون الناس، اميراً يدعى ابو جورج الافغاني مثلا. وراهبات يتم سوقهن على شكل السبايا. حتى كبار الباحثين في الانتروبولوجيا لا يعرفون سببا لهذا الاصرار السيزيفي على الذهاب سيراً على الاقدام الى تخوم الجاهلية…
ذات يوم اسديت هذه النصيحة لمسؤول اردني «إياكم والتواطؤ ضد سوريا» بعدما جاء من يعد بالحاق درعا، بل وكل سهل حوران، بالمملكة الاردنية الهاشمية ليس فقط من اجل تحقيق التوازن بين العشائر البدوية والعشائر الفلسطينية، وانما لان الوطن البديل (للفلسطينيين) كما طرحه ييغال آلون يغدو اكثر قابلية ليس فقط لاستضافة اهل الضفة الغربية، وانما ايضا اهل القدس وربما اهل الجليل..
وقيل للمسؤول الاردني ان سوريا، بحساسيتها الجيوستراتيجية، كما بجاذبيتها التاريخية، مثل القنبلة العنقودية اذا ما انفجرت لا بد للشظايا ان تطاول الجميع. انفجرت فعلا، وانك لتجد شظايا الآن في عمّان واسطنبول، في بيروت وبغداد. غداً، حتماً، في امكنة اخرى. اسألوا الاميركيين يحدثونكم عن الاحتمالات التي تطرق الابواب. تطرق الرؤوس ايضاً..
المسؤول الاردني الذي يشغل منصبا شديد الحساسية تعهد واقسم بأن سلطات بلاده ستمنع حتى الطيور من اجتياز الحدود مع سوريا. حقاً، لقد منعت الطيور فقط، واطلقت العنان لكل تلامذة ابي محمد المقدسي الذي هو المرشد الروحي لابي مصعب الزرقاوي، ولكل تلامذة ابي قتادة الذي افتى، وهو في لندن، بذبح كل شرطي جزائري، وذريته، وجيرانه ومعارضته إبان المواجهة بين الحكومة الجزائرية والجماعات الاسلامية..
الآن، ابو احمد الاميركي الذي اعتقلته المخابرات الاردنية العامة بعدما بدا ان الشظايا السورية لن تصيب النظام بجراح عميقة، بل انها قد تجهز عليه بعدما تمكن اركان السلفية من اختراق العشائر، ومن التسلل الى داخل المخيمات بذريعة ان العودة الى الاصول، او الى الينابيع، وايضا الى الابل، هي السبيل لاستعادة فلسطين. اما التكنولوجيا بكل اشكالها، وتبعا لاحدى فتاوى ابي قتادة، فهي آخر ما ابتدعه الشيطان لاحداث هوة بين الخالق والمخلوقات (هكذا وبالحرف الواحد).
المسؤولون الاردنيون يقولون انهم كانوا مرغمين، اميركياً واسرائيليا وعربيا، على فعل ما فعلوه. يدركون مدى الهشاشة الداخلية، وقابلية المملكة للانفجار، لكنهم لا يملكون اي خيار اخر، فالآخرون هم الذين يؤمنون العائدات للخزينة، وهم الذين احاطوا المملكة بالاسوار لكي تبقى حيث هي، وكما هي. الآن بدأوا يتخوفون من انحسار المظلة الاميركية، فيما التفاعلات الداخلية، سواء كانت التفاعلات الايديولوجية ام التفاعلات العنصرية ام التفاعلات الاقتصادية تبلغ مداها…
بعض المعلقين لا يتورع عن استعادة قول الاخضر الابراهيمي ان الحرائق السورية لا بد ان تنتقل الى دول الجوار وتأكل الاخضر واليابس. من يعرف الاردن جيدا يعرف انه يقف على ساق اميركية واخرى اسرائيلية. ماذا اذا اختفت الساق الاميركية؟
وراء الستار كلام عن وسيط انكليزي، وابن صديق قديم للعائلة الهاشمية، حاول تسويق فكرة اقامة اطار كونفديرالي يجمع بين الاردن واسرائيل، وبينهما الضفة الغربية. الاسرائيليون رفضوا بشكل قاطع لان هذا يعني التمازج مع العرب، ومشروعهم هو الوطن البديل، والدولة البديلة، اي الاردن حتى اذا ما تمت تجزئة سوريا، وهو ما يراهن عليه بنيامين نتنياهو بقوة، بات بالامكان توسيع مساحة الاردن لتستوعب جغرافيا واقتصاديا النازحين من الضفة الغربية.
الاردنيون يشكون من ان دولا عربية حاولت اقناعهم او هي ارغمتهم على هذه الخطوة لان نظام بشار الاسد على وشك الزوال. لم يزل، ولقد بدأ اهل السلطة في الاردن اكثر احساساً بالمخاطر منذ ان تراجع الاميركيون عن الضربة العسكرية، ومنذ ان اعادت احدى الدول العربية القسم الاكبر من مستشاريها، كما قاذفاتها ودباباتها، بعدما كانت تراهن على الزحف في اتجاه الدمشق حالما تحدث الضربة وتزعزع اركان النظام.
ألم تصل شظايا القنبلة العنقودية الى تركيا ايضا؟ بذهول ينظر رجب طيب اردوغان، الضائع الآن بين واشنطن وموسكو وحتى بيكين، وهو يرى واشنطن تستضيف رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليشدار اوغلو، فيما تضج الصحف الاميركية الكبرى بتلك المقالات حول «الاراجوز العثماني»، فالرجل كان قد اعدّ نفسه فعلا لتلك اللحظة التي يتوج بها سلطانا على الشرق الاوسط بعد ان تسقط سوريا في يده، وبعدما استولى «الاخوان المسلمون» على السلطة في مصر، ودون ان يكون محمد مرسي اكثر من وال عثماني من الدرجة الثالثة…
لا شيء من هذا قطعاً، لا بل ان كليشدار اوغلو دق ناقوس الخطر، لان تركيا، وبفعل سياسات اردوغان لا تنكفىء خارجيا فحسب، بعدما تحطمت كل نظريات احمد داود اوغلو، بل انها تتصدع داخليا، وهي مهددة علويا و كرديا للانفجار..
المسرح لم يعد يليق الا للجثث. الجثث التي لا توصل الى مكان فالكل يلعبون عند خطوط التماس. لن تحدث تغييرات دراماتيكية في المشهد مهما اغدقت الاموال، ومهما تعددت جنسيات المرتزقة، ومهما تطورت الاسلحة التي لا تزال تصل عبر تركيا والاردن ولقاء بدلات هائلة، فها ان الاميركي ايريك اولمان يقول «كما لو ان الاسطول الروسي يرابط في نهر بردى» الذي استمد اسمه من الكلمة اليونانية براديوس، اي الفردوس، وها ان ثمة من يعمل لتحويله الى جهنم..
مرة اخرى نقول انها لعبة الامم. عادة لعبة القبائل هي لعبة الضحايا. اذاً، لمصلحة من لا يكون التعامل بواقعية مع الواقع الا اذا كانت الغاية، الغاية البلهاء، هي تفجير لبنان، كما هي سوريا، فالذي يحدث، وعلى نحو يومي، لا يترك مجالا للشك في ان الجمهورية باتت في العراء. العراء الكبير..
على امل ان نعود من الجاهلية، ولو سيرا على الاقدام. لندع ابو احمد الاميركي هناك. حبذا لو كان هناك…ابو جورج الافغاني!!