الجبهة الاسلامیة السورية : علاقاتها و سر تشکيلها

سيد مهدي نوراني أعلن المتحدث باسم الجبهة الاسلامیة السورية أبو عبد الرحمن الصوري في بيان وفيديو تشكيل “الجبهة الإسلامية السورية” بتاریخ واحد و عشرين من كانون الأول/ ديسمبر، أن الجماعة تتبع المذاهب السلفية وأنها تخطط للإطاحة بنظام الأسد وحلفائه، وتعمل بعدها على تطبيق معاييرها في تفسير الشريعة في البلاد. ووفقاً لما قاله، إن ذلك سيعني إقامة مؤسسات تركز على القضايا السياسية والدعوة والتعليم الثقافي والإغاثة الإنسانية. وتتكون “الجبهة الإسلامية السورية” من أحد عشر لواء، من بينها “كتائب أحرار الشام” (التي تعمل في جميع أنحاء سوريا)، و”حركة الفجر الاسلامية” (التي تعمل في مدينة حلب وحولها)، و”كتائب أنصار الشام” (في اللاذقية وحولها)، و”لواء الحق” (في حمص)، و”جيش التوحيد” (في دير الزور)، و”جماعة الطليعة الإسلامية” (في المناطق الريفية من ادلب)، و”كتيبة مصعب بن عمير” (في المناطق الريفية من حلب)، والجماعات “كتيبة صقور الإسلام”، و”كتائب الإيمان المقاتلة”، و”سرايا المهام الخاصة”، و”كتيبة حمزة بن عبد المطلب” التي تعمل في منطقة دمشق. وليس لدى الألوية الخمسة الأخيرة سجل يُذكر أو ليس لديها أي سجل على الإنترنت في خوض المعارك مما يشير إلى أنها ليست لاعباً حقيقياً على الأرض. وتؤكد “الجبهة الإسلامية السورية” في نهاية بيانها أنها مفتوحة أمام التنظيمات الإسلامية الأخرى التي تتضامن معها في قضيتها. ميثاق الجبهة الاسلامية في سوريا
في ١٧ كانون الثاني/يناير، نشرت “الجبهة الإسلامية السورية” شرحاً مستفيضاً لأهدافها بصورة ميثاق مكون من سبع صفحات. أولاً، بعد الإطاحة بنظام الأسد، تأمل “الجبهة الإسلامية السورية” في تمكين الإسلام في المجتمع وذلك عن طريق إعداد الأفراد لتولي أدوار قيادية في عدة مجالات خلال الفترة الانتقالية. كما تتطلع أيضاً إلى إعادة بناء سوريا على أساس الوحدة والشفافية، مما يعني محاربة الفساد والاستغلال وفقاً للعقائد القرآنية والسلفية. وستسير عملية اتخاذ القرارات وفقاً لمبادئ التشاور وتجنب الخلافات والاستمرار حسب الشريعة الإسلامية. ووفقاً لهذا الميثاق، سينفذ هذا البرنامج تدريجياً — حيث تدعي “الجبهة الإسلامية السورية” أنها ستتجنب “التطرف” (بمعنى الاستخدام غير الضروري لمفهوم “التكفير” ضد مسلمين آخرين) وأنها سستفادى أخطاء الماضي. وعلى الرغم من ذلك، فإن القرارات ستكون ملزمة بمجرد إصدارها. ويتطرق هذا الميثاق أيضاً إلى المرأة، والقضايا الطائفية، وغير المسلمين. وتقوم وجهة نظر “الجبهة الإسلامية السورية” على أن المرأة تلعب دوراً تكميلياً، وأن المفاهيم الغربية لحقوق المرأة تعتبر ضد الإسلام وهي غير مقبولة. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من المطالبة بالحفاظ على الوحدة السورية ورفض الانقسامات العرقية والطائفية، تطالب الجبهة بأن يكون الدين الإسلامي السني دين الدولة والمصدر الوحيد للتشريع في مرحلة ما بعد الأسد. وتقوم وجهة نظرها بشأن حقوق الأقليات على تفسيرها للشريعة الأمر الذي يوحي بأن السكان من غير السنة سيكونون مواطنين من الدرجة الثانية. وعلى الرغم من تأكيد هذا الميثاق على العدل والإنصاف عند التعامل مع غير المسلمين، إلا أنه يرفض أيضاً أية أنشطة بين الأفراد من ديانات مختلفة كما يرفض الاختلاط. القیادة السعودیة للجبهة
وقد كان متوقعاً أن يجري الإعلان عن هذه الجبهة أسبوع قبل من تاریخ اعلان تشکيل الجبهة ولكن مقتل عبدالقادر صالح القائد العسكري للواء التوحيد، أجّل موعد الإعلان إلى اليوم، حيث كان صالح مرشحاً لتولي منصب القائد العسكري للجبهة الوليدة، وهو المنصب الذي حازه زهران علوش قائد جيش الاسلام رجل السعودیة و بندر ها في سوريا. و في موسم الحج هذه السنة لا يمكن تصديق أن ما يسمى بـ “قائد جيش الاسلام” في سوريا “زهران علوش” ترك ساحات القتال التي يقود بنفسه بعض جبهاتها في سوريا وغادر إلى المملكة العربية السعودية، فقط من أجل أداء مناسك الحج. ورغم انه ليس القائد العسكري الوحيد الذي تواجد في السعودية في موسم الحج، حيث رصد وجود عدد منهم قد يكون أبرزهم عبدالرزاق طلاس الذي يحتاج إلى التوبة بعد فضيحته الجنسية العلنية، إلا أن علوش سرق الأضواء من الجميع، أو ربما سلطت الأضواء على زيارته الأخيرة إلى المملكة لأن كافة المعطيات والملابسات المحيطة بهذه الزيارة، تشير إلى أنها ستكون بداية مرحلة جديدة في مسيرة علوش ونقطة تحول في بعض مناحي الأزمة السورية، وأن أوامر ومهمات وتوجيهات كان لا بد أن يتلقاها علوش بنفسه من المعنيين بالملف السوري في أروقة الحكم السعودي. وفي هذا السياق كشفت المصادر أن زهران علوش التقى بعدد من ضباط المخابرات السعودية في اجتماعات عديدة جرى خلالها تقييم الوضع الميداني في سوريا والإمكانيات المتاحة للتأثير فيه بما يخدم مصلحة المملكة ومواقفها السياسية المعلنة ولاسيما رفضها لعقد مؤتمر جنيف٢ بعد أن فتحت صفقة الكيماوي الأبواب الواسعة لانعقاده بتوافق دولي واضح. وتشير المصادر إلى أن ضباط المخابرات السعودية وضعوا علوش في أجواء مهمته الجديدة التي تقتضي العمل على عرقلة جنيف٢ من خلال العمل على الأرض ومحاولة استقطاب فصائل جديدة وازنة إلى صفه. و اما خيمة علوش في منى تحولت إلى ما يشبه المنتدى لكثرة اللقاءات التي شهدتها هذه الخيمة ولاسيما مع رجال دين ومشائخ ورجال أعمال سعوديين لهم دورهم في تمويل الجماعات المسلحة في سوريا ولاسيما تلك التابعة لعلوش. ولكن الخطوة الأبرز والتي تشكل التباساً حقيقياً، هي قيام علوش بصحبة أحد المشائخ السعوديين بزيارة مقر إقامة الشيخ السعودي سليمان العلوان المعروف بدعمه للتنظيمات الجهادية وتنظيم القاعدة، والذي صدر مؤخراً بحقه حكم قضائي غير قطعي بالحبس لمدة خمسة عشر عاماً بتهمة دعم التطرف.

فلماذا يزور علوش الشيخ العلوان؟ وهل يمكن له أن يقوم بمثل هذه الزيارة لولا أنه مأمور بها من قبل أجهزة المخابرات السعودية لأنه من المستحيل أن يجتمع علوش مع أكثر شخص مغضوب عليه في السعودية دون موافقة من ضباط المخابرات الذين يعمل بهديهم؟ وإذا كان الأمر كذلك، وأن زيارة العلوان كانت بطلب أو موافقة من ضباط المخابرات السعودية، فإن هذا يستدعي التساؤل عن مغزى الزيارة والسياق الذي يراد استغلالها فيه. ما تسرب عن اجتماع علوش مع العلوان، يقتصر على أن العلوان تحدث مع علوش كلاماً قاسياً حيث أنكر الشيخ عليه جهمية جماعته، وشدد عليه في ذلك، ودعاه للتحاكم للشريعة، وسأله ..كيف دخلت السعودية وأنت مع الثوار؟! وعن تلقيه الدعم، وما إلى ذلك، وأنكر عليه كلام كعكي، وقال هو جهمي صريح، ومن يقول بمثل ما قال في زمن الحرب فلا شك أنه سيحارب الموحدين”. هناك من يعتقد أن علوش زار العلوان وهو يعرف مسبقاً أنه سيسمع منه هذا الكلام، ولكن مطبخ العلاقات العامة في المخابرات السعودية أراد لمشهد اجتماع علوش مع العلوان أن يعطي علوش مصداقيةً ما أمام بعض الفصائل الجهادية التي يمكن استقطابها إلى طرفه، ما قد يشجعها إلى الانضمام إليه وبالتالي ضمان أنها أصبحت تحت السيطرة السعودية. ولكنّ تعمد الشيخ العلوان عبر أحد تلامذته تسريب مضمون الاجتماع وخصوصاً كلامه القاسي مع علوش قد يكون أفشل هذا المسعى، ووضع علوش في موضع شديد الإحراج. اماکن التواجد
مقاتلي الجبهة وهم موجودون على أرض المعركة في دمشق وحمص وحماه وإدلب وحلب ودير الزور، من بين أماكن أخرى. ومنذ ذلك الحين، كانت “الجبهة الإسلامية السورية” الواجهة الأمامية في عدة معارك هامة، منها تحرير مطار تفتناز مؤخراً وعملية هروب من سجن في إدلب وبذل جهود للسيطرة على جسر الشغور بمساعدة “جبهة النصرة”. التمویل
واما دعم المخابرات السعودیة بقيادة بندر بن سلطان لهذه الجبهة و قائدها کما اشرنا سابقا و هو أظهر من الشمس عند الکل . و لکن هناک من یمول انسانیا لتشویه الصورة و أن المساعدات التي تجي للجبهة انسانية فقط و لکن فینا نسلط الضوء على اثنين من الفاعلين الرئيسيين الذان يمولان هذه الجبهة علنا وهما: “صندوق الإغاثة والمساعدات الإنسانية” وهي منظمة مجتمع مدني مرتبطة بالحكومة التركية ولها علاقات مع حركة «حماس». وجمعية خيرية قطرية، وهي منظمة مجتمع مدني أخرى مرتبطة بالحكومة القطریة. علاقتها مع القاعدة و الفصائل الاسلامية تابعة لها في سوريا
ومن الواضح أن أغلب الفصائل المشاركة في تشكيل هذه الجبهة، هي فصائل لديها حساسية من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ونقول حساسية تجاوزاً لأن بعض الفصائل وصلت علاقتها مع الدولة الإسلامية (داعش) إلى درجة العداء والمواجهة المسلحة مثل جيش الاسلام بقيادة زهران علوش. ولا يخفى أن داعش تنظر إلى الجبهة الإسلامية الوليدة على أنها جيش الصحوات الذي يراد له من قبل الدول الداعمة والممولة أن يقوم بمحاربتها كما قامت عشائر العراق وبعض التنظيمات الجهادية كالجيش الاسلامي بذلك على مدى أعوام. هذا يطرح تساؤلاً ضرورياً عن جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في الشام، وعلاقتها مع الجبهة الإسلامية، فأين هي قاعدة الشام من هذه الجبهة؟ وما موقفها منها؟ وقد يبدو التساؤل مشروعاً إذا لاحظنا أن علاقة جبهة النصرة مع أغلب الفصائل المشاركة في تشكيل الجبهة هي علاقة تحالف قوية، حتى أن جيش الاسلام (لواء الاسلام) الذي كانت علاقته سيئة جداً مع جبهة النصرة، لدرجة أن الشيخ سمير الكعكه مفتي لواء الاسلام طالما وصف جبهة النصرة بالخوارج، إلا أن العلاقة بينهما شهدت تطوراً كبيراً في الآونة الأخيرة.

وكان لافتاً أن ينشر بالأمس، أي قبل يوم من إعلان الجبهة، لقاء صحفي مع زهران علوش قائد لواء الاسلام يمدح فيه بجبهة النصرة وينفي الاتهامات والأوصاف التي وجهها الشيخ الكعكة إليها ويفسر بعضها الآخر، كاشفاً عن العلاقة الجيدة “المستجدة” بينه وبين جبهة النصرة (فرع القاعدة في الشام). ناهيك عن علاقة التحالف القوية جداً التي ربطت قاعدة الشام مع حركة أحرار الشام، والتي تجلت في الأشهر الماضية باشتراكهما في اغلب العمليات العسكرية والتنسيق العالي الموجود بينهما على أرفع مستويات القيادة. تؤكد مصادر مطلعة أن قيادة جبهة النصرة هي الفصيل الذي لم يذكر اسمه في إعلان تشكيل الجبهة الإسلامية، وأن قيادة النصرة (قاعدة الشام) كانت خلال فترة التحضير والمشاورات والمفاوضات على اتصال دائم مع كافة الفصائل الأخرى. كما أن قيادة حركة أحرار الشام ولواء التوحيد بالذات كانت حريصة على التنسيق مع قيادة جبهة النصرة في أدق تفاصيل الاتفاق على تشكيل الجبهة الإسلامية، انطلاقاً من إدراكها أن الجبهة الإسلامية لا يمكن لها أن تنجح في تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة إلا بالاتفاق مع قيادة جبهة النصرة. وتشير المصادر إلى أن العلاقة بين جبهة النصرة وبعض الفصائل الإسلامية مع الجهات الداعمة والممولة، تجعل من المستحيل تصور أن لا تكون جبهة النصرة طرفاً في الجبهة الإسلامية الوليدة.

لأنه من المعروف أن أكبر ممولي حركة أحرار الشام هم في نفس الوقت من يمولون جبهة النصرة، بل إن بعض الجهات الممولة تقسم الدعم بين النصرة وحركة الأحرار بالمناصفة. وتكشف المصادر عن حقيقة خطيرة على صعيد العلاقة بين حركة أحرار الشام مع تنظيم القاعدة العالمي الذي يقوده أيمن الظواهري والذي تعتبر النصرة فرعاً له في الشام. حيث تؤكد المصادر أن “أبو خالد السوري” الذي فوضه أيمن الظواهري بالإشراف على تطبيق حل الخلاف بين النصرة و الداعش بموجب الرسالة التي أرسلها الظواهري، ما هو إلا أحد مؤسسي حركة أحرار الشام ويشغل منصباً قيادياً كبيراً فيها، ولكن غير معلن عنه، كما أن له تأثيراً مباشراً على تيار واسع داخل منتسبي الحركة. وفي هذا السياق يغدو لافتاً، أن ابو ماريا القحطاني المسؤول الشرعي لجبهة النصرة وأحد أبرز من شجعوا الجولاني على الانشقاق عن البغدادي ومبايعة الظواهري، قال بعد مقتل عبدالقادر صالح أنه اجتمع به منذ أسبوعين وأن صالح أكد له أن الهدف النهائي للواء التوحيد هو “خلافة راشدة على منهاج النبوة” أي نفس هدف تنظيم القاعدة الذي تمثله الجبهة في سوريا.

وقد يكون هذا التصريح من صالح جاء خلال المفاوضات مع جبهة النصرة حول تشكيل الجبهة الإسلامية، والتي تؤكد الكثير من المصادر أن أبو ماريا كان يتولاها بنفسه. ولكن لم يكن ممكناً أن يعلن عن مشاركة جبهة النصرة في تشكيل الجبهة الإسلامية، أو ذكر أي دور لها في تشكيلها، وذلك لعدة اسباب:

منها أن الإعلان عن ذلك سوف يعطي ذريعة قوية لبعض تيارات المعارضة لإظهار الجبهة الإسلامية الوليدة على أنها مرتبطة مع تنظيم القاعدة مع ما يجره ذلك من تشويه وتضليل للرأي العام الذي يخيفه مجرد ذكر القاعدة، الأمر الذي سيؤثر على عمل الجبهة الإسلامية ويمنع من تقبلها شعبياً.

ومنها، الحرص على جبهة النصرة، لأن الإعلان عن دخولها طرفاً في تشكيل الجبهة الإسلامية، وفي ظل خلافها مع الداعش سيحرض قسماً من منتسبي جبهة النصرة على الانشقاق عنها سواء انضموا إلى الداعش أم لا، ومن المعروف أن جبهة النصرة تحاول وقف حركة الانشقاق عنها بعد أن خسرت في الفترة الماضية قسماً من مقاتليها بعد انشقاق كل من جند الأقصى وفرسان الصحابة عنها.