الجربا في موسكو … كسر جليد العلاقة بلا اختراق

عمر الصلح
جاءت زيارة رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض احمد الجربا الى روسيا في أدقّ مراحل الازمة السورية، ولا سيما أنّها تشكل بداية لكسر جليد العلاقة بين «الائتلاف» وموسكو وتأتي في الوقت الضائع بين الجولة الاولى والثانية من مؤتمر «جنيف – 2».
على رغم أنّ معلومات كثيرة لم ترشح عن مضمون اللقاءات التي جمَعت الجربا بكبار المسؤولين الديبلوماسيين، وفي مقدمهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فإنّ مما لا شك فيه أنّ موسكو تعوّل كثيراً على هذا اللقاء الذي جاء لافتاً من حيث المكان، إذ عُقد في مبنى دار الضيافة التابع للخارجية الروسية وليس في مبنى الوزارة، وهو المكان المخصَّص حصراً للقاءات لافروف مع وزراء خارجية الدول الاجنبية.
وبالتالي فإنها المرة الاولى التي يستقبل بها لافروف وفداً سورياً معارضاً في هذا المكان، الأمر الذي اعتبره المراقبون دلالة على تعويل موسكو على مدّ وسائل اتصال ايجابية ودائمة مع الائتلاف السوري. وبعيداً من المواقف التي اطلقها الطرفان بعد اللقاء، أطلقت كواليس الخارجية الروسية إشارات عديدة ومهمة، وتحديداً استباق نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف لقاء لافروف بالجربا بالدعوة الى “تشكيل فرق عمل خاصّة بالمواضيع الرئيسة المتعلقة بمفاوضات جنيف”، محدّداً أولويات هذه اللجان بـ”وقف اطلاق النار، إيصال المساعدات الانسانية وتشكيل هيئة حكم انتقالية”.
وتكشف مصادر الخارجية الروسية أنّ هذا ما اكده لافروف خلال لقائه وفد الائتلاف، ما يعني أنّ محاولة الجربا إقناع موسكو بأن يبدأ النقاش في جولة جنيف الثانية بالمرحلة الانتقالية، قد باءت بالفشل. ولعلَّ هذا ما دفع الجربا الى التأكيد قبيل مغادرته على “اهمية التواصل مع روسيا لتسوية الازمة، على رغم عدم وجود منهج مشترك في هذا الشأن”. الامر الذي يشير الى عدم تمكن الجربا من احداث اختراق في الموقف الروسي.
وتؤكد المصادر ثبات المواقف الروسية لاعتبارات عدة ترى فيها موسكو اولوية لازالة العقبات امام المرحلة الانتقالية، وأبرز هذه الاعتبارات توسيع دائرة تمثيل اطياف المعارضة السورية لكي تتمكّن من عكس نبض المجتمع السوري بفئاته كافة، اضافة الى اشراك العوامل الاقليمية المؤثرة في سوريا، وتحديداً ايران. ولم تنفِ المصادر ما تمّ تسريبه عن توافق أميركي – روسي لتحويل مفاوضات جنيف من المرتبة الدولية الى المرتبة الاقليمية برعاية دولية.
وتعتبر المصادر أنّ التحرك الاقليمي على طريق حلّ الازمة هو أمر ضروري لأنّ المجتمع الدولي ادرك أنّ النزاع في سوريا يتحول من نزاع داخلي الى نزاع اقليمي بالوكالة وبأدوات داخلية، وتحديداً بين طهران والرياض، ناهيك عن دور انقرة في هذا المجال، لذلك فإنّ التوافق او التقارب الاقليمي في الازمة السورية، سيعيدها الى مسارها الداخلي وسيساهم ايضاً في تحييد دول الجوار عن تداعيات الازمة وخصوصاً لبنان.
وتلفت المصادر إلى أنّ النزاع في سوريا لن ينتهي حتى تدرك كلّ اطراف الازمة وجود طريق سلمي نحو مستقبل مشترك لمكوّنات المجتمع السوري كافة، وللوصول الى هذه الغاية لا بدّ من مدّ خيوط الثقة بين الاطراف المتنازعة، وهذا يبدأ بحلحلة القضايا الانسانية لأنّها محطّ اجماع من طرفي النزاع، ومن ثم يمكن العمل على اطلاق الاسرى والمعتقلين، الامر الذي ترى فيه موسكو بداية طيبة لتوطيد أواصر الثقة المفقودة، وتمهيداً للنقاش جدياً في تفاصيل المرحلة الانتقالية، لانها مرحلة دقيقة وحساسة، إذ ينصّ “جنيف – 1″ على أن تكون هيئة الحكم الانتقالية ذات صلاحيات كاملة في كلّ المرافق الرسمية والدستورية، لكي تتمكن من خلق بيئة مناسبة لخوض انتخابات نزيهة وشفافة يستطيع من خلالها الشعب السوري تحديد مستقبل بلاده.