العــراق.. حيــن يتحــول التاريــخ إلـى معانــاة
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
العــراق.. حيــن يتحــول التاريــخ إلـى معانــاة
نظريــة: النظــام يولــد مـن الفوضــى
لا شيىء يخضع للصدفة في السياسة والإستراتيجيا، ومهما تبدو الأمور ضبابية وشديدة التعقيد بسبب حالة الفوضى السائدة اليوم في العراق والمنطقة، إلا أن وراء كل شيىء خطة محكمة، بأهداف محددة، لنظام بديل جديد يولد من أتون الفوضى.
وبالتالي، لا يمكن إعتبار أن ما حدث في بلاد الرافدين كان مفاجأة غير متوقعة أصابت المنطقة والعالم بالذهول، إلا من قبل من لا يقرأ التاريخ ولا يفقه في لعبة الأمم ويرفض أن يفهم الواقع، ويصر على تفسير الأمور بغير علم من منطلق هواجسه و أوهامه الطوباوية.
وإذا كان تاريخ المنطقة مثل لنا دائما كابوسا ثقيلا لم نستطع التحرر من حدود زمانه وقيود مكانه وأختام معانيه الإديولوجية، منذ كربلاء على الأقل، لأننا أمة لا تقرأ الذهنيات، ولا تفكك النظائم الفكرية، ولا تحلل الأجوبة المتناقضة التي تعطيها مختلف الأطراف لمعرفة الحقيقة كما يقول ‘جورج دوبي’ أحد كبار الباحثين المعاصرين في فلسفة التاريخ.. فإن الجواب على سؤال الوجود والمصير المطروح في سورية والعراق ولبنان اليوم، لا يأتي مما نعرفه عن هذا التاريخ المكتوب بشكل غير علمي وغير عقلاني وغير منتج، بل مما نعاني منه بسبب تبعات هذا التاريخ بالتحديد، كما يقول عالم التاريخ وأحد كبار الباحثين في الإديولوجيا الدكتور ‘عبد الله العروي’.
يحدث هذا في عصر إعتقدنا أننا أمة قادرة على تجاوز محنتها بالتفلت من القيد الإديولوجي الذي يعيدها إلى الماضي السحيق بعقلية القبيلة ودافع العصبية التي تحدث عنه إبن خلدون باعتباره المغذي والمحرك لكل الصراعات والحروب في التاريخ العربي والإسلامي. وبذلك لا نستطيع التفلت من مصيدة التاريخ في الحاضر، والقفز نحو فضاءات المستقبل، لأن إعاقتنا فكرية وذهنية إنتقلت إلى جيناتنا من موروث حضارة الأجداد وخاصة جوانبها المسمومة. وهذا هو سبب تخلفنا والعائق الحقيقي في طريق تحررنا وانعتاقنا ونهضتنا كأمة.
وإذا كانت هناك من دروس نستخلصها اليوم مما حدث في منطقتنا العربية منذ سقوط الإتحاد السوفياتي السابق بالإرهاب الذي سمي “جهادا” من قبل أمريكا والسعودية في حينه، فهي أن لا حل مع الإرهاب إلا بالحسم، لأن الإرهابي الذي يخرج من السجن بالمراجعة يعود لحمل السلاح من جديد، وليس صحيحا أن الإرهاب ينمو في البيئة الفقيرة المعدمة فقط، لأن من يفجرون أنفسهم اليوم شباب مثقف وأطر علمية يفترض أنها تفكر بعقلية براغماتية غربية، وهذا ما دفعني للقول في أحد التقارير التي كتبتها للبرلمان الأوروبي حول ظاهرة الإرهاب الإسلاموي، أن الإرهاب جينة نائمة يتم تفعيلها بثقافة التكفير فتجري في الإرهابي مجرى الدم في العروق فيتحول إلى شبح موت متجول يتصيد الأرواح ليزيد من حظه في المغانم.
وهذه هي نقطة الضعف القاتلة التي يستغلها الغرب وأدواته في المنطقة اليوم لتجييش الشباب المتحمس للتغيير عبر العنف، بعد فشل كل مشاريع النهضة في الوطن العربي منذ الإستقلال وإلى اليوم، حيث ما زال المواطن يعاني من الظلم وغياب الحريات والحرمان من أبسط الحقوق، وغياب ضوابط الدين والأخلاق والقانون، وغياب ثقافة المقاومة والجهاد الحقيقي في سبيل الله، كما أمر به تعالى أن يكون، دفاعا عن النفس وسلاحا فتاكا في وجه كل طامع أو محتل. لهذا، فلا عجب أن نرى من يدعون “الجهاد” وهم يقاتلون إخوان لهم في الدين والوطن بدعم فاضح من إسرائيل.
لمـــاذا تفجيـــر العـــراق؟..
لا أريد حشو المقال بتفاصيل ما حدث في الميدان حتى الآن، فالمواقع الإعلامية لا شغل لها إلا هذه التفاصيل التي تتصدر عناوين الأخبار في المنطقة والعالم أجمع. كما لا أريد الخوض في الكباش السياسي الداخلي القائم بين مختلف الأفرقاء في العراق، حتى لا نخرج عن سياق القراءة الجيوسياسية لما يحدث ويهدد بالتمدد إلى كافة جغرافية المنطقة، وإن كان الجانب السياسي الداخلي قد تم إستغلاله أبشع إستغلال كما حدث في سورية ويحدث في لبنان مع الخونة والعملاء، حين يعدوهم بالسلطة والثروة، ويوهموهم أنهم هم من يصنعون التغيير ويكنبون التاريخ، وبيدهم خيوط اللعبة للضغط على المالكي في الحالة العراقية، من أجل تحقيق مكاسب سياسية في الحكومة الجديدة، وفق ما يروج لذلك المضللون.
كل ما يقال حول هذا الجانب، هو لحرف الأنظار عن حقيقة ما يجري ويدور من صراع في المنطقة، ليس العراق إلا ساحة من ساحاته، ولنا فيما يحدث في سورية لتحويلها من دولة قوية حرة ومستقلة إلى دولة ضعيفة، منهكة، فاشلة، وقابلة للتقسيم، المصداق الحي على هذا الواقع السيىء الذي نعيشه اليوم، ولا نستطيع مواجهته إذا لم نستطع فهمه وتفكيكه.
لكن دعونا نطرح سؤال المقدمة للفهم، فنقول مثلا: – هل يعقل أن لا تكون أمريكا وحلف الناتو وتركيا والسعودية وقطر والأردن في صورة ما كان سيحدث في العراق قبل أن يصبح حدثا بارزا وعنوانا رئيسا يتصدر التداول الإعلامي على المستوى الدولي؟..
لأنه حسب علمنا، “داعش” مصنفة كأخطر منظمة إرهابية في المنطقة والعالم بسبب إستقطابها لعديد الشباب من أوروبا والعالم العربي والإسلامي بل وأمريكا نفسها، خصوصا وأن أبو بكر البغدادي هو من جيل الأفغان العرب الثالث بعد ‘بن لادن’ و ‘مصعب الزرقازي’ الذي تتلمذ على يديه، وبالتالي، فـ”دولة البغدادي” القوية والغنية والأكثر تنظيما وانضباطا وصرامة وتطرفا وإجراما، لا يمكن تركها تتمدد على هواها دون قيد وخطوط حمر ومتابعة ومراقبة بشكل دقيق على مدار الساعة من قبل أمريكا وإسرائيل وحلف الناتو. وأمريكا كانت زودت العراق بمعلومات دقيقة عن تحركات مجاميع “داعش” في الأنبار قبل فترة، ما مكن الجيش العراقي من ملاحقتها وقصفها بالطائرات قبل أن تنفذ مخططاتها التوسعية من الحسكة السورية إلى الموصل العراقية، هذا كل ما فعلته أمريكا في هذا الصدد مع تقديم بعض الأسلحة غير الفعالة في محاربة الإرهاب، لأن ما أرادته إدارة ‘أوباما’، هو إيهام الرأي العام أنها تحارب الإرهاب وتساعد العراق في حربه ضد التكفيريين وخصوصا “داعش”. هذا صك براءة خادع في وجه من يتهم أمريكا اليوم بدعم الإرهاب في المنطقة.
تماما كما فعلت تركيا عندما استدعت حلف الناتو لإجتماع عاجب تشاوري تحت البند الرابع من ميثاق الحلف الذي يجتمع كلما دعت الضرورة بطلب من أحد الأعضاء لتدارس المخاطر القائمة والمحتملة على أمنه القومي، والإستعداد لمواجهتها في حال تعرض هذا الأمن للخطر. ولم يجد ‘أردوغان’ من مبرر غير خطف القنصل التركي وحوالي 50 من الموظفين والمواطنين الأتراك بالموصل ونقلهم إلى جهة غير معلومة. والجميع يعرف أنها مسرحية سخيفة لشراء صك براءة مما يحدث في العراق، وفي نفس الوقت التهديد بالتدخل العسكري في العراق إذا هاجمت داعش آبار النفط ومنطقة الأكراد.
وهو ما يؤكد إتحاد المصالح بين تركيا وإسرائيل وأكراد العراق و”داعش”، والأمر لم يعد مجرد فرضية في التحليل بعد أن كشفت معلومات أن هروب محافظ نينوى ‘أثيل النجيفي’ إلى أربيل بعد تسليمه محافظة الموصل لقوات داعش دون قتال، أثار علامات إستفهام حول موقفه المتواطئ من جماعات “داعش” من خلال المجرم الفار من العدالة والمحكوم بالإعدام أكثر من مرة بسبب إدارته للعنف الدموي في العراق ‘طارق الهاشمي’، وأن ‘النجيفي’ قام بما قام به بالاتفاق مع البارزاني وتركيا وقطر، فأصبحت بموجب هذا الإتفاق مقرات الاحزاب الكردية ضمن مناطق نفوذ “داعش” لتبرير تمدد الأكراد في المناطق المتنازع عليها بدعم من تركيا، بهدف وضع حدود نهائية لدولة الأكراد المستقلة في الشمال.
أما أنصار يزيد الحاكم في السعودية وداعمي جنده “داعش” من “سنة” العراق والذين يوفرون للمنظمة الإرهابية البيئة الحاضنة في نينوى والأنبار وصلاح الدين وغيرها… فقد أعلنوا بداية ربيعهم الدموي على شاكلة ما حدث في سورية، حيث قال المجرم ‘طارق الهاشمي’، إنه يبارك عملية سقوط مدينة الموصل على ايدي “داعش” واصفاً اياها بـ”ثورة المظلومين”. وقال هذا الإرهابي العميل في بيان نشرته الصحافة العراقية: “قد يصبر الكريم على ظلم السفيه ساعة، لكنه لن يصبر حتى قيام الساعة، أبارك ثورة المظلومين والمضطهدين والمهمشين في الموصل، نصر من الله وفتح قريب وبشر الصابرين”. هكذا ينم التلاعب بالدين في براثن السياسة.
لكن، وحتى نشبع هاجس حبنا للمعرفة، نطرح نفس السؤال بالنسبة لروسيا وإيران وسورية الذين يتميزون بعقل إستراتيجي جبار، وأجهزة مخابرات تضاهي إن لم تكن تتجاوز في أحيان كثيرة قدرات مخابرات أمريكا وحلفها الأطلسي، ولا نتحدث عن قدرات حزب الله مقارنة بمخابرات “إسرائيل” مثلا. هذا علما أن سورية وفق تقارير روسية موثوقة، تحولت إلى دولة بمقدرات قوة عظمى عالمية من الناحية الإستخباراتية وتكنولوجيا الإستشعار والرصد والمتابعة، خصوصا للمجموعات الإجرامية في سورية والمنطقة، وهذا أحد جوانب نجاحها في الحرب على الإرهاب.
أهمية السؤال تكمن في خطورة ومعنى ما حدث في العراق، ومؤداه أن الشرق الأوسط قد دخل اليوم منعطفا دراماتيكيا جديدا سيغير من الخريطة الجيوسياسية للمنطقة وإلى الأبد، لأن الظروف أصبحت مهيأة اليوم لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد أكثر من أي وقت مضى، وما دام الإرهاب أسقط حدود ‘سايكس بيكو’ بين العراق وسورية، وقادر على أن يفعل نفس الشيىء بين العراق والأردن، والعراق والسعودية، وليبيا ومصر بعد أن أعلن أحرار الشام الجهاد ضد ‘السيسي’ وبعثوا بأولى طلائعهم “المجاهدة” إلى المحروسة.. فلا شيىء يمنع أن يكون العراق، بعد الفشل في سورية، مركز التفجير لزعزعة الإستقرار في العالم العربي من الماء إلى الماء ليذبح العرب بعضهم بعضا. لكن مثل هذا التفجير لن يستقيم إلا إذا تحول الصراع إلى حرب مذهبية وطائفية مقيتة، وخصوصا بين “سنة” السعودية و “شيعة” إيران. لأن هذا هو المطلوب بإلحاح اليوم.. للأسف.
صحيح أن المشروع فشل في سورية بسبب سوء قراءة الوضع الإجتماعي و السيوسيوثقافي الذي يتميز بتجانس تام بين مختلف مكونات الشعب، من قبل مخابرات ومراكز الدراسات الأمريكية والغربية، مضاف إليه موروث الرئيس الراحل ‘حافظ الأسد’ رحمه الله، والذي خلف للسوريين دولة مؤسسات قوية، بجيش له عقيدة وطنية وقومية راسخة أدهشت العالم، وأثبتت الحرب الكونية في و على سورية أن هذه العقيدة القتالية تعتبر قيمة لا تقدر بثمن، كما أن الشعب السوري كذب مزاعم كل السماسرة وتجار الدم حين خرج في سيول بشرية عارمة ليصوت بأغلبية ساحقة لقائده وزعيمه ‘بشار الأسد’.
فيما تبين العكس تماما في العراق، المنقسم عموديا بين الأكراد والسنة والشيعة، كما أن هذه هي ثاني مرة يهرب الجيش العراقي من المواجهة، الأولى عند دخول القوات الأمريكية إلى بغداد سنة 2003، والثانية عندما تم تسليم الموصل لـ”داعش” دون قتال هذا الأسبوع، بما فيها من عتاد ومخازن سلاح، وأموال في البنوك، وغيرها من إمكانات ومقدرات الدولة العراقية، ويبقى الأمل معقودا على وعي الشعب العراقي العريق والأصيل، الوفي لدينه وقيمه، المؤمن بوطنه والفخور بتاريخه وحضارته.. ويبدو أن النفير الذي أطلقه المالكي قد أثمر تعبئة عامة تتحدث عن تكوين لواء في كل محافظة، وطلبات التجنيد للجيش “الرديف” الذي يريد أن يقيمه المالكي فاقت مئات الآلاف.
المتابع للأحداث في العراق، يدرك أن ما كانت “داعش” تركز عليه في غزواتها الأخيرة، هو تفجير مرقد الإمامين العسكريين لإشعال نار فتنة مذهبية لا تبقي ولا تدر، وحين فشلت في ذلك، ها هي اليوم تأمر مرتزقتها بالتركيز على فتح بغداد لإرباك قوات الأمن العراقية من باب التضليل، فيما التركيز وأولوية الأوليات، وفق ما كشفته معلومات إستخباراتية غربية سربت للإعلام، هو مدينة النجق الأشرف، والهدف، إحداث تفجير كبير يدمر حضرة الإمام علي عليه السلام، والمقامات الدينية الاخرى في الكوفة.. وهذا هو الهدف السعودي والأمريكي والإسرائيلي الحقيقي من كل ما يحدث اليوم من محاولة تفجير في العراق لتحرق نار الفتنة الطائفية كل المنطقة، وتحسب السعودية وتركيا أنهما سيكونان بعيدين عنها.
وإذا كانت قراءة تحركات داعش وأهدافها تسمح لنا بفهم طبيعة الخطة الجديدة في العراق، والتي تؤكد المعطيات المتوفرة حتى الآن، أنها تصب في جوهر الإستراتيجيا الكبرى التي أعدت لتفتيت دول المنطقة بمن فيها السعودية ومصر وليبيا، وتحويل الأردن إلى وطن بديل.
وفي هذه الحالة، علينا التساؤل إن كان ما يحدث في العراق هو لتأسيس دولة “داعش” التي بفضل الجغرافية الجديدة ستتحول من “الدولة الإسلامية” إلى “دولة الإسلام” وعاصمتها بغداد، ما يمكن من عزل إيران عن متنفسها العراقي وعمقها الإقليمي في سورية ولبنان، بعد أن انتقل التفكيك من الحلقة السورية إلى الحلقة العراقية التي تبين أنها أكثر هشاشة مما كنا نتصور وكان يعتقد المتآمرون؟.. وهذا هو العامل الخطير الذي انكشف اليوم، لأن لا أحد كان يعتقد أن الدولة العراقية فاشلة لهذا الحد، وأن مناطق محصنة يمكن أن تسقط بهذه السهولة دون قتال. من هنا مصدر العجب والذهول.
كــاد المريــب أن يقــول خدونــي..
وكعادة المجرمين الأغبياء، لم تنتظر أدوات المؤامرة أن يجف دم الجنود الذين صمدوا فقتلوا وقطعت رؤوسهم وبثت المشاهد على اليوتوب لتحدث الذعر المطلوب على مستوى العالم، ما يمكن أمريكا والأطلسي من إستغلالها سياسيا وأمنيا وعسكريا إن إقتضى الحال، حتى سارعت إبنة الديكتاتور الراحل ‘صدام حسين’ المدعوة ‘رغد صدام’ ‘لتقديم آيات الشكر والإمتنان من الأردن عاصمة الخيانة العربية، للأخ الصهيوني الأكبر في السعودية ولأخيه اليهودي الأصغر في قطر، على دعمهما ثورة “المظلومين” من الطائفة السنية في العراق. هكذا أصبحت “داعش” المتطرفة ممثلة رسمية للطائفة السنية “المظلومة”.
كما كان لافتا أيضا خروج وزيرة الإعلام البحرينية لتصرح بأن ما يحدث في العراق ليس هجوما إرهابيا، بل ثورة للسنة ضد ظلم الشيعة في العراق. والوزيرة الموتورة لم تكن تتحدث باسمها، بل باسم حكومة مشيختها الإقطاعية الصهيونية المتسلطة على رقاب الطائفة الشيعية الكريمة التي تمثل أكثر من 70 % من سكان البحرين المنتفضين ضد الظلم والإقصاء والتهميش والتفقير والإهانة، منذ أزيد من 3 سنوات ونصف، حتى أصبحت ثورتهم المنسية وصمة عار في جبين العالم “الحر” و “الديمقراطي جدا..
وبالتالي، فالحديث عن “داعش” هو لذر الرماد في العيون، لأن هذه المنظمة الإرهابية لا تعدو أن تكون أداة وظيفية تديرها المخابرات الأطلسية والعربية لتنفيذ خطط محددة تشرعن تدخل المجتمع الدولي عسكريا في المنطقة بحجة محاربة الإرهاب الذي أصبح يتهدد العالم، هذا ما يعتقده البعض، في حين أرى أن الهدف ليس تدخل القوات الدولية في المنطقة، لإستحالة ذلك في هذه المرحلة بسبب معارضة روسيا والصين لمثل هكذا مغامرات مشبوهة من جهة، ورفض الرأي العام الغربي لأية مغامرة عسكرية في سورية، فأحرى العراق الذي خرجت منه أمريكا وهي تقول أنها أسست دولة بجيش قوي وقوات أمنية مدربة يصل تعدادهما معا إلى مليون مجند، وتم صرف مبلغ 41 مليار دولار لإعداد هذه القوات، ومن بينها قوات خاصة لمحاربة الإرهاب، ومؤسسات مخابرات مدربة على الطريقة الأمريكية.. فجأة، وفي لمح البصر، إنهار كل شيىء بسبب الخيانة والفساد، لكن أيضا بسبب سوء الإدارة والخلط بين المصالح الخاصة ومصالح الوطن والمواطنين، حيث يتحمل الملكي مسؤولية كبيرة في هذا الفشل.
اللعبة الأمريكية الجديدة تقتضي أن تلعب إسرائيل وتركيا دور الحلف الموازي لإيران وسورية، وتركيا التي خرجت من مولد سورية بلا حمص كما يقول المثل، أحياها أمل المحاولة هذه المرة بمعية قطر إنطلاقا من العراق، بدعم سعودي.. وتبين للرئيس ‘روحاني’ أن محاولاته العزف على وثر الإسلام “المعتدل” والتعاون الإقتصادي المثالي بين إيران وتركيا حتى لو بلغ سقف 30 مليار دولار، فإنه لا يتناسب وأحلام السلطان أردوغان العثماني الجديد في المنطقة. لقد أخطأ التقدير الرئيس ‘روحاني’ عندما اعتقد عن حسن نية أن الجانب الديني لدى الحزب الإحواني الحاكم في تركيا سيغلب على الجانب الأطلسي الذي يكبل تركيا بقرارات وسياسيات الحلف. ولعل العرق اليهودي للسلطان ‘أردوغان’ كان له التأثير الكبير على التوجه والخيار، لأن تركيا بالمحصلة هي دراع للناتو في الشمال، لتطويق سورية والعراق والحد من طموح إيران، فيما إسرائيل تقوم بنفس الوظيفة في الجنوب. وهذا ما لن يستطيع تغييره الشيخ ‘روحاني’، مع إحترامنا وتقديرنا لجهوده.
وللإشارة، فالجميع يعرف اليوم أن “داعش” تسرح وتمرح بأعلامها السوداء وقمصانها المخيفة في قرى وشوارع مدن تركيا الجنوبية، بل ووصل العهر بـ’أردوغان’ أن إستعمل عناصر من داعش لتفريق مضاهرات مناهضة له مؤخرا، فنشرت الصحف التركية الصور الفضيحة واتهمت أردوغان وحزبه بدعم الإرهاب.. لكن، من يحاسب الإمبراطور العثماني الجديد؟
كما وتبين للشيخ روحاني أيضا، أن ما كان يأمله من فتح حوار للتقارب مع الرياض، هو حلم جميل تحول اليوم إلى وهم مستحيل المنال، لأن السعودية ماضية في مخططاتها التخريبية، وقد بلغ بها الغباء أن بعثت بوزير خارجيتها ‘الهزاز’ إلى موسكو مؤخرا، لأقناع ‘بوتين’ مرة أخرى بالتخلي عن ‘الأسد’ مقابل حلف روسي – سعودي – مصري، ما يفتح لروسيا ابواب المنطقة على مصراعيها، والمتابعين للشأن المصري يدركون أنه تم التركيز في الفترة الأخيرة على الترويج إعلاميا لهذا الحلف “المستحيل”.
لكــن، مــاذا ستفعــل إيـــران؟
إلى هنا تنتهي حدود عقلانية إيران، وصبر إيران التي كانت ترفض من قبل توجيه تحذيرات شديدة اللهجة لتركيا بسبب عبثها بأمن سورية في أكثر من مناسبة، وهو ما كان يقلق الرئيس السوري، لكنه كان يحترم طريقة تفكير وعمل الجانب الإيراني، الذي كان منشغلا ومكبلا بملفه النووي مع الغرب، ويحرص على تفويت الفرصة على المراهنين على الفشل، بعدم إثارة هواجس أمنية في المنطقة وتلافي بكل الوسائل والسبل الإنجرار لفتنة مذهبية بين السنة والشيعة في المنطقة، وهذا ما يفسر سبب عدم إعلان السيد مقتضى الصدر تفعيل جيشه الجهادي الضخم، حتى لا يخدم أهداف من يتمنون حربا مذهبية، واكتفى بإقتراح تشكيل “كتائب السلام” لحراسة المراقد والمقامات المقدسة.
اليوم، يبدو أن الرئيس ‘روحاني’ وضع “عقلانيته” في الثلاجة، وأخرج غضبه من الفرن، وقال أن إيران تراقب الوضع عن كثب وستتدخل لمحاربة الإرهاب في العراق والمنطقة في حال خرجت الأمور عن السيطرة.
إيران تعرف أنها هي المستهدف الرئيس من زعزعة الإستقرار في العراق، تماما كما كان الأمر في سورية ومن قبل في حرب لبنان سنة 2006. وبالنسبة للقيادة الإيرانية، تغيير الخريطة الجيوسياسية وتقسيم العراق لإقامة دولة كردية تابعة لتركيا ومتحالفة مع إسرائيل ودولة سنية من الحسكة السورية إلى الموصل العراقي، يعتبر خط أحمر لا يمكن القبول به، وهو ما حذرت منه موسكو أيضا.
لكن، هل ستكتفي إيران بلعب دور الإطفائي للنيران التي تشعلها أمريكا والسعودية وقطر وتركيا وإسرائيل في المنطقة، أم أنها ستمر لإستراتيجية الردع فتوقف السعودية عند حدها؟.. لأنه من دون السعودية لا تستطيع تركيا اللعب على تناقضات المنطقة، ومن دون ردع سيستمر هذا المسلسل الدموي في حرب إستنزاف يبدو أنها ستكون طويلة.
وتعتقد إيران أن ما يحدث هو ضغط أمريكي عليها لتقديم تنازلات في ملفها النووي والصاروخي وفي قضايا الأمن بالمنطقة وإعادة تشكيل خارطة النفوذ وفق الهوى الأمريكي والصهيو – وهابي.
اليوم، الحرس الجمهوري أعلن حالة التأهب القصوى، برغم نفي السلطات في طهران لذلك، وينتظر أوامر القائد الأعلى خامنائي في حال تطورت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، وبالنسبة لإيران، العراق خط أحمر مثله مثل سورية، سقوطه يعني سقوط طهران ونهاية نفوذها في المنطقة.
لكن ماذا لو وضع حد لهذا العبث وأعلنها حزب الله حربا مقدسة تبدأ بتحرير الجولان والجليل وتنتهي برضوخ أمريكا ورفع يدها عن المنطقة أو هلاك “إسرائيل” والسعودية وضرب مصالحها.
لم نكن متشائمين حين قلنا في المقالة ما قبل الأخيرة، أن هدف أمريكا من الإتفاق النووي مع إيران هو إسقاط نظام ولاية الفقيه، وأن رهان طهران على الحوار مع السعودية هو رهان على الوهم. بل واقعيين، وإن كنا نعتقد أن إيران بعقلانيتها وصبرها وديبلوماسيتها كانت تمارس السياسة بأخلاق مع من لا أخلاق ولا مبادىء ولا قيم لهم، وأنها اليوم قد أقامت الحجة عليهم، وأصبحت في حل من كل لوم أو عتاب.
القضية تجاوزت لعبة الضغوط السياسية على طهران لتقديم تنازلات ، بعد ألأن دخلت المنطقة في مرحلة حرب وجود ومصير تدور رحاها على الأرض في أكثر من ساحة على إمتداد محور المقاومة، ولا تزال أخطار هذه الحرب القذرة قائمة بل وداهمة بعد أن توسعت لتشمل سورية والعراق وقد تتوسع أكثر.
فلننتظر ونراقب ماذا ستفعل إيران..
العــراق.. حيــن يتحــول التاريــخ إلـى معانــاة
المزيد ..
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» مـعـراجـنـا إلـى الـسـمـاء ،،، وطـريـقـهـم إلـى الـجـحـيـــم
» إنقــاذ العــراق يكـون بإسقــاط تــل أبيــب
» رســـالـــة إلـى الـكـونـغـرس الأمــريـكـي
» إلـى هـذا الـحـدّ ،،، خُـدعـنـا !!!
» المنطقــة إلـى المواجهــة الحتميـــة
» إنقــاذ العــراق يكـون بإسقــاط تــل أبيــب
» رســـالـــة إلـى الـكـونـغـرس الأمــريـكـي
» إلـى هـذا الـحـدّ ،،، خُـدعـنـا !!!
» المنطقــة إلـى المواجهــة الحتميـــة
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:32 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة سجلات الأعمال الإحصائية للبلدان العربية|قطاع التامين:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:31 pm من طرف ايمان محمد
» دورة إدارة وبرمجة وتخطيط وجدولة وضبط المشاريع بإستخدام الحاسب الالي MS Project و بريمافيرا:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:23 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة تخطيط وتطبيق مكاتب إدارة المشاريع والتحضير لشهادة مدير مشاريع محترف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:19 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة إدارة إتصالات ومخاطر وتوريدات المشاريع|إدارة المشاريع:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:16 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة تطبيقات الحوكمة فى القطاع المصرفى Governance|البنوك والمالية:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:07 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة مبادىء وإعداد القوائم المالية فى القطاع المصرفى|البنوك قطاع المصارف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:04 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة إدارة وتحصيل الإشتراكات التأمينية|البنوك قطاع المصارف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:02 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة استراتيجيات وتقنيات اعداد وادارة العقود والحد من المخاطر المالية والقانونيةالقانون والعقود:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:57 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة الأســـس الفنيـــة لصياغــــة عقـــود المقـــاولات الإنشائيـــــة|القانون والعقود:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:54 pm من طرف ايمان محمد