خديعة غربية لروسيا.. والضحية أوكرانيا

ليس من العجلة بمكان لدى الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً مع المجموعة الأوروبية المتطرفة، بأن ترسو السفينة الأوكرانية على شاطئ آمن، لا بل إن الغربيين يدفعون تلك السفينة كلما اقتربت من الأمكنة الهادئة بأمواج المغريات نحو الأمواج العالية .

هذا الأمر شهده العالم الأسبوع الماضي بعد سلسلة خطوات إيجابية من جانب روسيا، حيث إن الرئيس فلاديمير بوتين لم يترك الملف لحظة واحدة، ويُجري مباحثات متتالية مع القادة الأوربيين، عارضاً كل سبل التطمين؛ من لقائه المباشر مع الرئيس الأوكراني المنتخَب من الغرب الأوكراني فقط؛ بيترو بوروشينكو، إلى سحب القوات الروسية من الحدود مع أوكرانيا، وباعتراف الحلف الأطلسي كبادرتين للتطمين، وأخيراً الطلب من "الدوما" إلغاء القرار المتخذ بالسماح في التدخل العسكري في أوكرانيا، وهذا ما حصل؛ كخطوة مركزية تعكس الجدية في دفع الأمور إلى الحوار من أجل سلام أوكرانيا، عبر الحلول السياسية التي تحفظ الحقوق لأصحابها.

إلا أن هذه الإيجابيات مع الإصرار الروسي على ضرورة الالتزام بقواعد العمل الدولية وبقوانين الأمم المتحدة والشرائع الدولية انطلاقاً من الحرص على السلام والأمن الدولييْن كقواعد أساسية للسياسة الروسية، لم يقابلها الغرب بإيجابيات مماثلة، سوى ببعض التصريحات المقتضَبة التي تناقضها المجريات على أرض الواقع، لا بل تدفع الأمور إلى مراحل أكثر توتراً، من شأنها أن تعيد الأزمة إلى بداياتها، وهو ما افتعلته الدول الغربية بعد 24 ساعة فقط من إلغاء قرار السماح بالتدخل العسكري، وسط سيناريو مخادع للتغطية، قوامه الرئيس باراك أوباما، الذي اتصل قبل 4 أيام من ذلك بالرئيس بوتين ككسر للجليد، ودعوته في السياق إلى التعاون مع بوروشينكو بغية حل الأزمة، فيما كانت المعارك في الميدان على سخونتها مع تساقط بضع قذائف على الأرض الروسية، رغم الاتفاق على وقف النار، ومع ذلك بقيت الأعصاب الروسية على انضباطها، مع التأكيد أن "روسيا ستنفذ ما يلزم للدفاع عن مصالحها"، مصحوبة بدعوة مباشرة من بوتين بوقف إطلاق نار طويل الأمد، بما يسمح بإجراء محادثات سلام بين سلطات كييف والمناطق الشرقية، حيث تتحصن القوى المؤيدة للفدرلة.

يبدو أن الأوروبيين استُخدموا كدمى في السياق "التسخيني"، عندما تم دفعهم مع سلطات كييف إلى توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى جورجيا ومولدافيا، كخطوة استفزازية كانت أصلاً سبب تفجّر الأزمة الأوكرانية، وأغضبت روسيا في حينه، ولن يكون الغضب اليوم أقل مما كان، سيما أن ما جرى أقرب إلى إعلان العداء بصورة واضحة، سيما أنه ترافق مع وعيد أوروبي بغض النظر عن فعاليته، بفرض عقوبات جديدة على روسيا بعد 3 أيام، كمهلة، إذا لم تتخذ خطوات ملموسة في مسألة إبرام اتفاق حول آليات فعالة لمراقبة الحدود، ووقف النار، وإطلاق المحتجَزين لدى الانفصاليين، وإعادة ثلاث نقاط حدودية، والبدء بمفاوضات جدية حول خطة السلام التي طرحها بوروشينكو.

خطوة توقيع الاتفاق التي اعتبر يومها رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبي "يوماً عظيماً لأوروبا"، واعتبرها بوروشنكو "بداية للإعداد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي"، علّق مستشار الرئيس الروسي سيرغي غلازيف قائلاً: إن أوروبا تدفع أوكرانيا للتوقيع بشكل إجباري، لقد جهزوا للانقلاب ثم ساعدوا النازيين في أوكرانيا في الوصول إلى سدة الحكم، وها هي الحكومة النازية تقصف أكبر إقليم في أوكرانيا.. وتابع: إن بوروشينكو كان نازياً، وتوقيعه غير قانوني.

في حقيقة الأمر، هناك خلاصة لا بد أن الروس أدركوها تماماً: الغرب عموماً، لا سيما مع تقدم النازيين فيه حالياً وكذلك الولايات المتحدة، لا يمكن الاطمئنان للمباحثات معهم إلا من خلال فرض وقائع ميدانية، مع غياب الالتزام بالمواثيق وسياسات تعدد المكاييل، لأن العامل الأخلاقي اندثر في تلك البلاد، وحل مكانه تزوير الحقائق وطغيان التضليل والأضاليل.

يونس عودة / الثبات