شبح كارل ماركس يحوم فوق الغرب

خاص

د.م. فهد اندراوس سعد

مقدمة:

جاك أتالي أحد أيديولوجيي العولمة الرئيسيين ومستشار الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يقدم كارل ماركس على أنه "نبي النظام العالمي الجديد " ويظهر انبهاره به بتأليفه كتابا بعنوان "كارل ماركس- روح العالم" مؤكدا أن هذه الروح بالذات ترسم الأفاق الرئيسية للتغيرات المرتبطة "بالبريسترويكا العالمية" الحاصلة.

السؤال الذي يطرح نفسه هل مازالت أفكار ماركس حية بعد انهيار المنظومة السوفيتية ؟ وما روح العالم هذه المرتبطة بكارل ماركس بحسب جاك اتالي ؟

*** 1 *** سقطت الشيوعية ! فلتحيا الماركسية !

أقيم في واشنطن في حزيران 2007 حفل افتتاح" نصب تذكاري لضحايا الشيوعية" حضره ما يقارب ألف شخصية رسمية وقد أقيم النصب في وسط واشنطن على مساحة تقدر بألف متر مربع يتوسطها تمثال الديموقراطية مع لوحة معلومات تحوي شروحا تاريخية عن ضحايا الشيوعية وقد أرادوا للحفل أن يكون تأبينا أخيرا للشيوعية.

أعلن الرئيس بوش الابن في كلمة الافتتاح ” ان الشيوعية في الاتحاد السوفيتي قضت على أكثر من مئة مليون من الرجال والنساء والأطفال وأن لينين قتل مئات الألوف من القوزاق "

لن نخوض في حيثيات هذا الحفل ولكن من المفيد التذكير أن من كتب خطاب بوش وجميع بطانته وهم من المحافظين الجدد المرتبطين بالتروتسكية يعرفون تماما و بالاسم من المسؤول عن الإبادات الجماعية التي حصلت في عشرينات القرن الماضي بعد الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي (موضوع لمقال آخر يظهر ان أكثر من %85 من قيادات تلك المرحلة يهود ! )

هل هناك تناقض بين ما يذهب إليه أتالي عن ماركس و بين اتهامات بوش للشيوعية؟

لماذا يحكم الغرب على الشيوعية بأنها مجرمة بينما وعلى لسان جاك أتالي يبقي الايديولوجية الماركسية التي أنجبت الشيوعية بمنأى عن الحساب ؟

كأن لسان حالهم يقول : لتسقط الشيوعية انما لتحيا الماركسية !

***2***- كارل ماركس – عراب النظام العالمي الجديد

حتى نفهم التناقض الظاهري يكفي العودة إلى ما كتبه ماركس في مؤلفه "رأس المال" عام 1840 والذي أصبح

لاحقا برنامجا ملهما لمهندسي النظام العالمي الجديد ويرد في الكتاب ما يتجاوز كونه توقعات :

"إن العالم سينقسم إلى ثلاث كتل اقتصادية : -أوروبا الموحدة

-أمريكا الشمالية الموحدة

-حوض المحيط الهادي .

وستعمل جميع هذه الكتل تحت قيادة حكومة عالمية موحدة !! وستزول الدول والسيادة الوطنية والإحساس الوطني !! وسيكون لكل كتلة حكومة إقليمية بدلا من الوطنية" .

حقا انها دليل عمل بالمعنى الحرفي !

تؤكد الأحداث التاريخية أن البرنامج السياسي والاقتصادي لقوى العولمة يحمل في طياته أهدافا تتناغم تماما مع ما طرحه ماركس منذ 174 عاما فتدمير بنى الدول الملكية في اوروبا قد تحقق ويتم الآن تدمير بنى دول عديدة او انهاء مفهوم السيادة الوطنية فيها . وتوقعه بتشكيل الكتل الاقتصادية نرى تنفيذه بأم اعيننا حالياً فبحسب الوثائق الداخلية "لمجلس العلاقات الدولية" وهو احد ثلاث محافل عالمية كبرى فإن تشكيل اتحاد شمال امريكا الذي يضم كندا والولايات المتحدة الامريكية والمكسيك يسير بخطى حثيثة مع الأخذ بالاعتبار نصيحة نادي بيلديربيرغ ( المحفل العالمي الثاني ) والمتمثلة في ضرورة انشاء بنى ليست حكومية وانما خاصة لإدارة العملية السياسية بين الدول الثلاث لشمال امريكا.

كما أن خطوات احداث الاتحاد الاوروبي قد تمت حتى مراحلها المتقدمة حيث تخلت دول الاتحاد عن عملاتها الوطنية وأصبحت لها قيادة سياسية موحدة وتعمل قواتها العسكرية تحت قيادة الناتو ويتم العمل على فرض نظام قضائي موحد.

إن تحقيق أفكار ماركس بإحداث حكومة عالمية آخذ بالتطبيق بالسرعة الكلية !.

إن مقولات الماركسية ترضي ايديولوجيي العولمة بعد أن قطعوا حبل السرة الذي كان يربطها بالشيوعية على ان تبقى الشيوعية لاصقة بالتاريخ السوفيتي الروسي بهدف ابقاء عدو يجب تدمير بنية دولته وسيادته وهذا ما تسعى اليه النخبة الانكلوسكسونية حاليا ضد روسيا .

تلعب أمريكا دورا رئيسيا في إحلال النظام العالمي الجديد وقد عبر عنه روبرت شتراوس مؤسس المدرسة الجيوسياسية الامريكية ومعلم هنري كيسينجر في كتابه المشهور " توازن الغد" نشره عام 1975 وفيه رؤيته للدور الامريكي في احلال هذا النظام:

"ان مهمة الشعب الامريكي في احلال النظام العالمي الجديد هو تدمير الدول الوطنية ودفعها لتشكيل اتحادات اكثر اتساعاً مع استخدام القوة لسحق اية محاولة تهدد النظام العالمي الجديد !"

وتكفي نظرة لأحداث ربع القرن الاخير الذي خاضت فيه أمريكا أكثر من اثني عشر حربا بمعدل حرب جديدة كل عامين عدا الحروب دائمة الاشتعال لتؤكد كيف يتم لوي عنق تطور المجتمع البشري لدفعه باتجاه النظام العالمي الجديد .

خاتمة:

يتطلب فرض النظام العالمي الجديد جملة من التدابير القسرية تشمل تدمير بنى الدول الوطنية وازالة الحدود وانهاء السيادة الوطنية وقتل الاحساس بالانتماء الوطني مع انسياب حر للبضائع ورؤوس الاموال وفرض نظام قضائي موحد وعملة موحدة ودين واحد وبالطبع حكومة عالمية موحدة لها قدرة غير متناهية على الرقابة والسيطرة و لهذا كله فإن شبح كارل ماركس عاد من جديد ليحوم فوق الغرب .

المراجع :

1- Татьяна Васильевна Грачева : Святая Рyс6 против хазарии

2- Т. В. Грачева. Невидимая Хазария.