خبراء السياسة الاستراتيجية الأميركية يحذرون أوباما من تجاهل روسيا

تحسين الحلبي
يبدو من الواضح الآن أن الرئيس بوتين أخذ يكثف تحركاته السياسية في المنطقة وخصوصاً في موضوع حماية سورية على جميع المستويات المتعلقة بدعمها وتحصين العوامل الإقليمية المناهضة للسياسة الأميركية في المنطقة، فالولايات المتحدة تتابع النشاط الروسي في السياسة الخارجية تجاه سورية واجتماع مسؤولين روس مع بعض أوساط المعارضة السورية في الخارج على قاعدة الاستمرار في الدفع باتجاه الحل السلمي للأزمة في سورية وحماية استقلالها وسيادتها وخياراتها الوطنية والقومية.
وفي ظل هذا التحرك الروسي البارز بدأ يظهر اتجاهان داخل الأوساط السياسية الأميركية الرسمية وغير الرسمية ولدى بعض رجال الأبحاث والدراسات الأميركيين وكان أهم خبراء السياسية الخارجية الأميركية في فترتي الحرب الباردة وما بعدها (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأميركي ومستشار الأمن القومي سابقاً أول من بدأ يحذر إدارة أوباما من أي مواجهة سياسية وغير سياسية مع الرئيس الروسي بوتين، فقد نشر كيسنجر مقالاً بقلمه في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قال فيه: إن «إدارة أوباما ترتكب خطأ فادحاً إذا قللت من أهمية وحجم الدور الذي يمثله بوتين» ويقترح كيسنجر أن تعمل واشنطن على (التفاهم) مع الرئيس الروسي والتوافق معه في أوكرانيا دون أن يسيطر طرف أوكراني على الطرف الآخر المدعوم من روسيا.
إن الصراع مع روسيا لن يكون سهلاً في هذه الظروف ولذلك يتفق (بولنير) مع كيسنجر ويرى أن تاريخ روسيا نفسه سواء في عهد القيصر الروسي أم عهد الاتحاد السوفييتي وكذلك في عهد بوتين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لا يمكن أن يسمح بهزيمة سياسية لروسيا أو بإلحاق الأضرار بمصالحها الاستراتيجية في أوروبا والشرق الأوسط، ولا شك أن طبيعة الصراع الروسي الأميركي في الأشهر السابقة تثبت أن بوتين تمكن من حشد أطراف دولية وإقليمية تتفق جميعاً على رفض النظام العالمي الأميركي الذي يريد أوباما فرضه، وهذا الحشد بدأ يبني مؤسساته الدولية ويعمل على تدعيمها للوقوف في وجه التحديات التي تريد واشنطن فرضها على روسيا والصين وعدد من الدول الأوروبية. ويكشف دانيا ريسون في مجلة «ذي أميريكان كونسيرفاتيف» أن روسيا كلها ستقف مع بوتين ضد أي وجود أميركي عسكري على أي جزء من أوكرانيا وأن هذا التحدي الأميركي يعزز قوة وإدارة بوتين في أي صراع مع واشنطن وفي منطقة الشرق الأوسط يشير عدد من المحللين الأميركيين إلى أن موسكو أثبتت قدرة على دعم سورية وحشد الحلفاء من حولها في حين أن واشنطن تخسر كل يوم جزءاً من الذين تراهن على دورهم في تحقيق مصالحها وفي فرض هيمنتها بل إن الأزمات المقبلة التي ستشهدها بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة ستوفر لحلفاء موسكو من طهران إلى دمشق إلى بقية القوى الفلسطينية (وخصوصاً أن نائب وزير الخارجية الروسي استضاف اجتماعات في موسكو مع الجبهة الشعبية – القيادة العامة قبل أسبوعين) قدرة أكثر على مجابهة كل التحديات التي تفرضها مواجهة ومناهضة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
وها هي تجربة الولايات المتحدة في العراق تثبت يوماً تلو آخر أن واشنطن تسعى إلى تقسيمه وتجزئة سيادته الوطنية وتفتيت قدرته على الصمود كما أن تجربة (كامب ديفيد) الأميركية الإسرائيلية مع مصر لا يمكن أن تبقى على وضعها الذي تستغله إسرائيل وواشنطن ضد مصر واستقلالها وسيادتها المنقوصة في سيناء فالمتغير ضد المصالح الأميركية أصبح يمتد الآن وتتسع دائرته من تونس إلى دول أخرى في ظل ازدياد تمتين أواصر التحالف الروسي الصيني مع دول وأطراف محور المقاومة في المنطقة.
وكانت العلاقات المتينة بين الصين وباكستان قد وجهت ضربة لواشنطن وحلفائها وخصوصاً بعد أن تمتنت بين روسيا وباكستان في العام الماضي.
الوطن