الدكتورة بثينة شعبان تكشف أسباب الحرب السورية وآفاق الحل السلمي الجزء الثاني

سامي كليب: أهلاً بكم مجدداً أعزائي المشاهدين لمواصلة هذه الحلقة من لعبة الأمم عبر قناة الميادين نتحدث فيها مع الدكتور بثينة شعبان المستشارة الرئاسية السورية عما جاء في كتابها من أسرار ووثائق حول المفاوضات السورية الإسرائيلية عبر الأميركيين وفي بعض المراحل مباشرة، وأيضاً حول العلاقات الأميركية السورية، في الواقع هناك الكثير من الأسرار المهمة في هذا الكتاب تحديداً هناك محاضر جلسات، على ما أعتقد دكتورة بثينة أنها تنشر للمرة الأولى في سوريا. هناك تقصير في النشر في سوريا عن تلك الفترة. وربما يكتسب الكتاب أهمية كبيرة لأنه جاء بعد كل الكتب الأميركية التي صدرت وفي الواقع حضرتك صححت الكثير مما قيل وقلت هذا هو محضر الجلسة.
بثينة شعبان: الحمد لله
سامي كليب: فقط سؤال قبل الدخول في الكتاب، هل يمكن أن تحددي لي ما هي مواقف السعودية وتركيا وقطر من سوريا خصوصاً بعد زيارة الرئيس بوتين إلى أنقرة، هل تغير قليلاً الموقف التركي؟
بثينة شعبان: في الحقيقة نحن لم نلحظ أي تغيير في مواقف هذه الدول ولا في الموقف التركي وأنا شخصياً أعتبر من ناحية ما أن ما يجري في سوريا هو عدوان تركي على سوريا لأن من يمد بالمال والسلاح ويسهل مرور الإرهابيين فهو شريك في هذه الحرب ضد سوريا ووصلني من بعض المختصين في الشأن التركي أن أرباح تركيا نتيجة الحرب على سوريا لا تقل عن ثلاثين مليار دولار..
سامي كليب: خلال السنوات الثلاثة الماضية؟ يعني كل سنة 10 مليارات..
بثينة شعبان: بالضبط وما سرقته من معامل سورية ومن إرث سوري ومن أموال سورية لذلك كل الكلام الذي يتكلم به أردوغان وأوغلو عما كلفهم من اللاجئين السوريين وإلخ هو كلام لا أساس له من الصحة وهو لذر الرماد في العيون.

سامي كليب: هل يمكن أن ينجح التفاوض أو الحوار بينكم وبين المعارضة إذا بقيت تركيا والسعودية وقطر مؤيدة للمعارضة؟
بثينة شعبان: والله نحن نأمل أن ينجح الحوار مع المعارضة برعاية موسكو وفي موسكو وأن تؤيد نتائج هذا الحوار أيضاً القوى العالمية كلها ربما حينذاك يتم إحراج تركيا أو ثنيها..
سامي كليب: الموقفان السعودي والقطري، تغيرا قليلاً؟
بثينة شعبان: ليس لحد علمنا
سامي كليب: لا يوجد مؤشر تغيير
بثينة شعبان: أبداً لكن إذا سمحت لي بإشارة إلى الموقف التركي هو نتيجة رؤية عثمانية للمنطقة وليس فقط لسوريا..
سامي كليب: لم يخفها أردوغان هو قال عدة مرات وتحدث عن تجديد الزعامة العثمانية والسلجوقية وما إلى ذلك.. هناك دولة عربية فيها الكثير من الإشارات والمؤشرات في الواقع الإيجابية حيال سوريا أنا شخصياً سمعت من بعض المصريين كلاماً جيداً عن الجيش السوري والعمق الاستراتيجي. أيضاً ذهب وفد لبناني والتقى الرئيس السيسي، الرئيس السيسي تحدث عن الجيش السوري. هناك إيجابيات في الموقف المصري؟
بثينة شعبان: ونحن نتحدث دائماً بإيجابية عن مصر لأن مصر هي الشقيقة لسوريا والجيش المصري هو شقيق الجيش السوري وهناك تاريخ من الود والمحبة بين سوريا ومصر ولذلك كون ظروف مصر الآن صعبة وكون ظروفنا الآن صعبة لا يلغي الود والاحترام والرغبة في أن ربما تشهد علاقاتنا مع مصر تطوراً إيجابياً في المستقبل إن شاء الله.
سامي كليب: لأنه حكي الكثير عن زيارة السيد عماد الأسد ولكن يبدو أنها لم تكن مقصودة وأنها كانت صدفة..
بثينة شعبان: كانت أمراً شخصياً وفي الحقيقة هناك إشارات إذا أردت سواء من مفكرين ومثقفين وضباط متقاعدين إلى ضرورة التعاون مع سوريا والحديث مع سوريا..
سامي كليب: ولكن السيد عماد الأسد لم يكن حاملاً رسالة؟
بثينة شعبان: كلا..
سامي كليب: دكتورة بثينة أخبرينا كيف تعرفت على الرئيس حافظ الأسد، حسب ما قرأت في هذا الكتاب قصة جميلة جداً، كنت طالبة وكنت الأولى في حمص والرابعة على مستوى سوريا وكان هناك قانون يمنعك من التعلم في جامعة في دمشق؟؟ كنت تريدين التخصص في مجال الأدب؟
بثينة شعبان: في الحقيقة لم يكن هناك قانون ولكن في الحقيقة حين نلت شهادة البكالوريا في عام 1971 وكنت كما تفضلت الأولى على محافظة حمص والرابعة على مستوى سوريا أصدر الرئيس حافظ الأسد رحمه الله في ذلك الوقت وهي في بداية رئاسته قانوناً أسماه قانون المكافآت. بحيث يعطي الطلاب العشر الأوائل من الفرع العلمي والثلاثة الأوائل من الفرع الأدبي مكافأة مالية شهرية، راتباً شهرياً لدراسة الجامعة..
سامي كليب: كان أكثر ميلاً للعلمي واضح..
بثينة شعبان: نعم وفي الحقيقة أنا بما أن اسمي الرابع وقفت المنحة عند اسمي ولم ينلني منها، ووالدي لديه تسعة أولاد يدرسون في المدارس والجامعات ولا يستطيع أن يرسلني إلى الجامعة..
سامي كليب: وعائلتك متواضعة..
بثينة شعبان: عائلتي لا تستطيع أن ترسلني إلى الجامعة نحن لدينا أرض ولسنا فقراء بالمعنى الحقيقي ولكن لا يستطيع والدي أن يرسلني إلى الجامعة فأنا قلت له أريد أن أدخل الجامعة فقال لي ادرسي في المعهد المتوسط لمدة سنتين، قلت له كلا أريد أن أدرس في الجامعة ومن ثم أكمل الدكتوراه والمهم قلت له أريد أن أرى حافظ الأسد، قال كيف ترين حافظ الأسد، فأعطاني مئة ليرة وكان مبلغاً جيداً في ذلك الوقت وذهبت إلى حمص ورأيت كل المسؤولين في حمص ولم يستطع أحد أن يساعدني عندها علمت أن السيد الرئيس سوف يأتي ليخرج طلاباً في الكلية العسكرية في حمص..
سامي كليب: طيب طالبة مثلك في مقتبل العمر تذهب إلى الكلية العسكرية، تقتحم الكلية العسكرية، ألم يكن هناك أمن حول الرئيس منعك؟
بثينة شعبان: أولاً حتى أدخل الكلية العسكرية كانت مشكلة لأنه كان هناك غداء على شرف سيادة الرئيس وكان يجب أن يكون لديك بطاقة، فالضابط على الباب سألني أين البطاقة، ووفقه الله لا أعرف من هو، قلت له أنا لم آت للغداء أنا أتيت لرؤية الرئيس حافظ الأسد وهمست له في أذنه أنه إذا فتح لي الباب سوف يغير مستقبلي ففتح لي الباب ودخلت..
سامي كليب: حتى اليوم لم تعرفي من هو الضابط؟
بثينة شعبان: حتى الآن لا أتذكر أعرف من هو هذا الضابط
سامي كليب: إذا كان تذكر نفسه فليتصل بنا..
بثينة شعبان: إذا تذكر نفسه فليقل لي، فوقفت أمام المسبح لأكثر من ساعة في الشمس الحارقة وبعد فترة رأيت الرئيس حافظ الأسد وأتذكر ناجي جميل لأنه كان يلبس بدلة بيضاء إلى جانبه المهم حلقة من المسؤولين قادمين ولديه حلقة من الحراس، رداً على سؤالك عما إذا لم يكن هناك حراس.
سامي كليب: خصوصاً في عام 1971..
بثينة شعبان: أنا مسكت يدي اثنين من الحراس وحاولت فكهما فيبدو أن أحدهم ضربني بكوعه فصرخت بأعلى صوتي سيادة الرئيس حافظ الأسد أريد أن أراك، فرآني السيد الرئيس وقال لهم دعوها تأتي، فدخلت وأتذكر أن رأسي ارتطم بصدره وقتها أدركت أني قصيرة..
سامي كليب: وهو طويل كثيراً..
بثينة شعبان: هو طويل فعلاً، قلت له سيادة الرئيس أنا الطالبة بثينة شعبان من قرية المسعودية أنا الأولى على محافظة حمص والرابعة على مستوى القطر والدي فقير ولا أستطيع إكمال دراستي الجامعية ومستقبلي بين يديك، فربت على كتفي وقال لي لا يهمك تدرسين في الجامعة وتكملين الدكتوراه إذا أردت. والحمد لله..
سامي كليب: كان التجاوب في اليوم التالي حسب ما عرفت
بثينة شعبان: بعد يومين، لم يكن هناك هواتف في ذلك الوقت مدير الناحية أتى وأبلغني أنه لدي لقاء مع الرئيس حافظ الأسد في قصر المهاجرين. كان الرئيس وقتها في قصر المهاجرين في دمشق فأتيت إلى دمشق والتقيت الرئيس حافظ الأسد، أولاً جلست في صالون لوحدي وبعدها فتح الباب وأطل الرئيس بقامته المهيوبة وقال لي تفضلي يا ابنتي.. سردت له القصة وقلت له نحن ليس في منطقتنا مدرسة واحدة علمي، كل مدارسنا في الريف هي أدبي وأنا نلت الرابعة في القطر على القسم الأدبي ومنحت سيادتك العشر الأوائل العلمي وأنا الأولى في محافظة حمص، لماذا لا تكون المنحة للأول من كل محافظة؟ وقال لي معك حق. وقال أهم درس تعلمته في حياتي أنك يمكن أن تسمع الحق من إنسان ربما صغير في السن أو صغير في القدر..
سامي كليب: وغيّر المرسوم؟
بثينة شعبان: وغيّر المرسوم قبل أن أصل إلى حمص.
سامي كليب: صحيح كانت هناك رؤية في المنام حصلت تتعلق بالرئيس؟
بثينة شعبان: بعد وفاته رأيته في منامي وقال لي لماذا لم تكتبي عن الفترة؟ وأجبته لأني لا أعرف ماذا أكتب ومن أين أبدأ؟ هل أكتب عن طفولتك عن شبابك اللذين لم أعرفهما؟ فقال لي كلا فقط اكتبي عن عملية السلام وعن علاقتي بالرئيس كلينتون وعن موقف الغرب من سوريا والعرب..
سامي كليب: وهذا ما كتبت عنه
بثينة شعبان: وهذا ما حاولت أن أكتب عنه
سامي كليب: وطبعاً بفضل الرئيس الحالي فتح لك أرشيف الرئاسة..
بثينة شعبان: طبعاً كل الشكر للسيد الرئيس بشار الأسد وللسيد وزير الخارجية وليد المعلم لأنه أيضاً فتح لي أرشيف الخارجية..
سامي كليب: دكتورة بثينة في العلاقة مع الأميركيين هذا ربما الكثير من الجيل الجديد العرب لا يعرف أن هذه العلاقة كانت جيدة في مرحلة معينة تحديداً بعد أن اجتاح الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت وتعاونت سوريا مع الأميركيين، بدأنا نشهد تطوراً كبيراً بالعلاقات مع جورج بوش الأب ومع الرئيس بيل كلينتون وحتى توصيف العلاقة، كانت علاقة إيجابية جداً..
بثينة شعبان: صحيح، قبل هذه العلاقة الجيدة كما تعرف كانت الولايات المتحدة لديها نفس التحفظ تجاه سوريا، وأتذكر أن الرئيس بوش قال لوزير خارجيته جيمس بايكر تذهب وترى الأسد لأنني
"I don't want to miss the boat again" أي لا أريد أن أخسر القارب مرة أخرى لأن الجمهوريين لم يكونوا يريدون للرئيس بوش أن يرسل مبعوثاً للرئيس الأسد ولم يكونوا يريدون أي علاقة مع الرئيس الأسد تماماً كما يفعلون اليوم، يعني الحقيقة التاريخ يعيد نفسه أحياناً لكن الرئيس بوش اتخذ ذلك القرار الجريء وأرسل وزير خارجيته إلى الرئيس حافظ الأسد وهو الذي أخبر الرئيس حافظ الأسد أن الرئيس بوش قال لي لقد منعوني في المرة الماضية أن تذهب إلى سوريا وأريدك أن تذهب إلى سوريا لكي لا نخسر القارب مرة أخرى.
سامي كليب: يعني لكي نفهم العلاقة السورية الأميركية، تنقلين عن الرئيس الأسد قوله للرئيس الأميركي بيل كلينتون "لقد كنتُ دوماً حريصاً على لقاء كل رئيس أميركي"، ولطالما كان الأسد يقدّر العلاقة مع الولايات المتحدة ويتطلع إليها في أوج العلاقات السورية مع الاتحاد السوفياتي وعندما كان الأسد يتحدث إلى وفد أميركي كان يقول لهم نحن لا نريد منكم تأسيس علاقة معنا تتعارض ومصالحكم، نحن نريد منكم أن تأخذوا مصلحة بلادكم بعين الاعتبار، مصلحة الولايات المتحدة وحدها وليس مصلحة الآخرين، في إشارة منه إلى إسرائيل. يعني كان يقول لهم دافعوا عن مصالحكم.
بثينة شعبان: صحيح، كان الرئيس الأسد رحمه الله براغماتياً جداً في العلاقة ومنطقياً جداً بأنه من واجب المسؤول الأميركي أن يسعى من أجل مصلحة بلده ولكن لا يمكن أن نقبل أن يتبنى المسؤول الأميركي مصلحة عدو لنا. حتى كان يقول لهم لو لم تكن إسرائيل تحتل أرضنا أنتم أحرار تقومون بالعلاقة التي تريدون. ولكن أن تحتل إسرائيل أرضنا وأن ترغبوا أن تكون علاقتنا معكم بخدمة إسرائيل فهذا الأمر الذي لا يمكن لنا أن نقبله.
سامي كليب: كم عرض الأميركيون على الرئيس حافظ الأسد علاقة شراكة فعلية لا بل إنهم عرضوا عليه أن يكون الزعيم الأول في المنطقة. يقول مثلاً في رسالة الرئيس بيل كلينتون "إنني مقتنع أننا بالعزم والشجاعة نستطيع يا سيادة الرئيس معاً أن نصوغ سلاماً مقروناً بالشرف والكرامة، سلاماً سيكون شاملاً ويتضمن لبنان، سلاماً يوجد واقعاً استراتيجياً جديداً في الشرق الأوسط، هو واقع مبني على علاقة أميركية سورية جديدة ومهمة ولم يتوقع أي منا أن يكون هذا سهلاً ولكن الآن قد أصبح من المحتمل أن يكون السلام في متناولنا، أطلب منكم أن تقبلوا اقتراحي وهذا سيمكنني من أن أؤدي دوري وكذلك كما أعتقد أن أضمن ألا تضيع هذه الفرصة التاريخية" يتحدث عن واقع استراتيجي؟
بثينة شعبان: ما تاريخها هذه الرسالة؟
سامي كليب: 12 تشرين الأول/ أكتوبر 1999، يعني حين يعرض في العام 1999 شراكة من هذا النوع، الأميركيون وطبعاً حضرتك كنت مترجمة الرئيس الأساسية ولكن حضرت كل هذه اللقاءات وعدت إلى كل الأرشيف هل فعلاً الأميركي عرض على الرئيس الأسد شراكة فعلية؟
بثينة شعبان: وأكثر من مرة في الحقيقة، مثلاً في العام 1992 حين حاولوا أن ينقلوا محادثات السلام إلى محادثات متعددة الأطراف قبل أن نتوصل إلى اتفاق حول الحدود. أتى دنيس روس يحمل رسالة من جيمس بايكر وقال للرئيس الأسد نريد أن نذهب، وهذا الكلام بعد سنة من مفاوضات مدريد، إننا نريد أن نذهب إلى مباحثات متعددة الأطراف ويمكن ان يبقى نفوذكم في لبنان ويمكن أن تكون الرجل الأول في المنطقة..
سامي كليب: قال له يمكن أن نفوذكم في لبنان؟
بثينة شعبان: كلينتون في جنيف قال له، سيدي الرئيس لقد ذكرت لبنان الآن، أود أن أشدد على أننا ندعم اتفاق الطائف كما أننا ندعم سيادة لبنان المتحرر اليوم من كل التدخل الخارجي، ثم أضاف إن إسحق رابين يعتقد أنكم وملك الأردن تريدان السلام حقاً ويعتقد انكم إن رغبتم بذلك "على أساس النفوذ السوري في لبنان" فمن الممكن إنجاز السلام مع لبنان وربما سيتمتع رئيس الوزراء رفيق الحريري الذي شغل منصبه عام 1992 بمباركة سورية بقوة كافية لإنجاز ذلك السلام إذا وجد السند ولقي الدعم الكافي من سوريا.
سامي كليب: أي تسليم للبنان عملياً
بثينة شعبان: انظر ماذا يجيبه الرئيس الأسد، قال له كنت قد أخبرت السيد (وارن) كريستوفر أن صنع القرار في لبنان ليس حكراً على شخص واحد، فالمسؤولون في لبنان الرئيس الياس الهراوي ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء رفيق الحريري يدركون جميعاً بقدر ما ندرك نحن أنه ما لم تتحرك سوريا ولبنان يداً بيد وكتفاً إلى كتف فلن يتقدم المسار اللبناني بمفرده _ هذا بعد محاولات أن يسير الأسد بمسار سوري _ وقضية الحرب والسلم هي مسألة تخص المواطن العادي في لبنان وليس بين يدي الحكومة فحسب كما إن اعتباراتنا الأساسية تمنعنا من التحرك قبل لبنان في موضوع السلام، ثم أضاف الأسد نحن العرب ليست لدينا أرض رخيصة وأرض غالية، لا أستطيع أن أعتبر الأرض الفلسطينية وحدها غالية وأن الأرض السورية أو الأردنية أو اللبنانية رخيصة، هي حقيقة مبنية على التاريخ المشترك والثقافة المشتركة والتراث المشترك وروابط الدم التي تربط شعوب المنطقة.
سامي كليب: دكتورة بثينة في هذا الكلام أنا لاحظت أمرين في قراءتي الدقيقة لما كان يحكى عن لبنان، أولاً أنه خلافاً لما هو شائع، حيث يعتقد اللبنانيون انه في كل اتصال أميركي سوري كان لبنان حاضراً والأميركيون يدافعون عن لبنان، هذا ليس صحيحاً، وأنه نادراً ما يذكر لبنان. والأمر الثاني أن أحد المطالب الأميركية الدائمة للرئيس الأسد إنزع سلاح حزب الله. وهو كان تقريباً بشكل دائم يقول هذه مقاومة وليست ميليشيات وليست إرهاباً.
بثينة شعبان: ليس فقط أنه لا يقبل أن يتكلم بنزع سلاح حزب الله ولكن أنا أشهد أن الرئيس حافظ الأسد كان يقيم كل الوزن والكرامة لكل مسؤول عربي. يعني مسؤولو حزب الله مثل الرئيس رفيق الحريري، الرئيس الهراوي، الرئيس نبيه بري، حتى في مرحلة أتى كريستوفر والتقوا بالرئيس الحريري في شتورا وحين عادوا ليلتقوا بالرئيس الأسد قال لهم الذي قالوه لكم هو الأساس دون أن أعرفه. هم يقررون ماذا يجب أن يحدث في لبنان. وكم عرضوا على الأسد فقط لكي يفصل المسار السوري عن المسار الفلسطيني وأتى مارتن انديك وقال له حين انتخب رابين عام 1993 أن رابين يثق بكم كشخصية سياسية هامة وأن السلام معكم سهل ومع الآخرين السلام صعب ولذلك يمكن أن نتحرك في مسار سوري إسرائيلي. والرئيس الأسد رفض ذلك رفضاً قاطعاً. أستاذ سامي هم في عملية السلام جداً لعب الإسرائيليون على محاولة خلق التناقضات بين العرب ويذهبون إلى الفلسطينيين ويقولون لهم سوريا ستوافق..
سامي كليب: ولكن حصل، نعرف أن الرئيس الأسد وحضرتك تذكرين بشكل واضح كان يشك بالرئيس ياسر عرفات، لا يثق به، وكان يعتبر أن أوسلو كارثة وأيضاً اعتبر أن ما حصل في العراق كان بداية الكارثة العربية الفعلية التي أدت في نهاية الأمر إلى مدريد.
سامي كليب: في كتاب النائب حسن فضل الله يشير إلى أن الفريق اللبناني السوري كما يسميه هو النائب عن حزب الله، كان في مرحلة معينة يفخخ للمقاومة آنذاك. يتحدث عن أسماء محددة. يتحدث عن السيد عبد الحليم خدام، يتحدث عن الراحل غازي كنعان..
بثينة شعبان: أنا لا أدافع عما فعله أشخاص وعما يمكن أن يكون اقترفه أشخاص ولكن أنا أتحدث عن رؤية وأهداف حافظ الأسد. لا أتحدث عما طبّقه الآخرون أو عما نفذه الآخرون من أجندات شخصية أو أجندات غير وطنية، أنا لا أستطيع أن أتحدث عن ذلك.
سامي كليب: الآن هناك الكثير من المسؤولين اللبنانيين الذين كانوا حلفاء لسوريا صاروا أكثر الخصوم، حسب ما فهمت هناك أرشيف كبير عندكم هل يوماً ما ستنشرونه حول العلاقة السورية مع هذه الأطراف؟
بثينة شعبان: نحن مع التوثيق للتاريخ وما ينفع وما يفيد لن ننشر أي شيء للتشهير بأحد ولكن سوف نحاول أن نوثق. مثلاً في عملية السلام كما ترى كل الذي كان شائعاً في ذلك الوقت أنالرئيس الأسد في ذلك الوقت كان يستخدم لبنان كورقة، والحقيقة هنا أنه يرفض أن يفصل المسار السوري عن المسار اللبناني من أجل مصلحة لبنان وليس من أجل مصلحة سوريا..
سامي كليب: أيضاً بهذا المعنى لكي أذهب باتجاهك، في مكان مهم جداً حين يأتي الأميركيون ويضغطون على الرئيس حافظ الأسد لكي يسهل الانسحاب الإسرائيلي من لبنان بمفاوضات، يرد الرئيس الأسد إن هؤلاء اجتاحوا لبنان واحتلوا لبنان بدون مفاوضات فليخرجوا بدون مفاوضات.
بثينة شعبان: وقال لهم هذا موضوع قديم، تصديقاً لكلامك، قال هذه ليست المرة الأولى التي تطرحون علي مفاوضات مع حزب الله من أجل الانسحاب كما أن الاحتلال جرى بدون مفاوضات فالانسحاب يجب أن يتم بدون مفاوضات. وهو كان يعلم انهم متضررون جداً وأنهم يريدون الانسحاب ولكن بإنقاذ ماء وجههم.
سامي كليب: الناس كانوا يعرفون عن الرئيس حافظ الأسد أنه بارد الأعصاب، أن الجلسات كانت تكون طويلة، وحضرتك كنت تترجمين ساعات طويلة، مرات ست ساعات ومرات عشر ساعات و12 ساعة. ولكن ما لا يعرفه الناس بمحاضر الجلسات في التوثيق الدقيق كيف كان يحرق أصعاب الأميركيين حين يريد. يعني مثلاً حين زاره كريستوفر ولم يستقبله. أخبرينا عن هذه القضية لو سمحت.
بثينة شعبان: كان الرئيس حافظ الأسد مستقبلاً لبناظير بوتو، أولاً قبلها بيومين كان زار كريستوفر الرئيس حافظ الأسد وعلى أساس وديعة رابين، والسيد الرئيس، وهذه قصة مهمة جداً في مفاوضات الرئيس حافظ الأسد، هو أنه كان يقدس الوضوح وطبعاً الأميركيون دائماً يعتمدون الغموض، ودائماً في التفاوض هناك طرف يعتمد الغموض..
سامي كليب: وفي المقابل كانوا يقولون عنه إنه يلتزم بما يوقع أو بما يتفق معهم عليه حتى الإسرائيليين يقولون ذلك..
بثينة شعبان: صحيح وحتى رابين لكنه لن يقول نعم حتى يكون المعنى بوضوح الشمس. ولذلك أتى كريستوفر وأخذ يتحدث معه عن وديعة رابين فالرئيس حافظ الأسد يريد أن يعلم بالضبط ما هي الحدود وما هو مدى الانسحاب وتوقيت الانسحاب وإلخ لم يوافق الرئيس حافظ الأسد أن يقول نعم لهذه الوديعة وطبعاً حين يستعرض الأميركيون يقولون أتينا بجائزة كبرى من إسرائيل أنهم وافقوا على كذا وكذا، المهم قال لهم أنا أبغي وضوحاً في عدد من النقاط. ذهب كريستوفر إلى الكيان الصهيوني لكي يأتي بالإيضاحات التي طلبها حافظ الأسد، في اليوم التالي أتت بناظير بوتو في زيارة رسمية، كنا مع بناظير بوتو في اللقاء مع سيادة الرئيس ومدير المراسم يأتي بورقة للرئيس حافظ الأسد ويقول له إن وزير خارجية الولايات المتحدة في الفندق فيقول له أنا عندي اجتماع. عاد وقال له اذا كان يمكن أن تستقبله بعد الظهر، قال له ليس لدي وقت. عاد وقال له إذا لم تستقبله قد يغادر، فأجابه هو حر فليغادر إذا أراد أن يغادر. وكان هناك عشاء رسمي وطبعاً السيد الرئيس أطال المفاوضات مع بناظير بوتو بحيث لم يكن لديه أي وقت..
سامي كليب: يعني كان متعمداً ذلك رغم أنه قال إنه لم يكن كذلك..
بثينة شعبان: كان يقوم بكل شيء بغاية الأدب يعني هذه نقطة مهمة جداً بحيث لا تستطيع أن تقول إنه كان متعمداً. في اليوم التالي أتى كريستوفر بقي في دمشق ولم يغادر وكنا ندخل إلى القاعة فقال له كريستوفر سيادة الرئيس أريد أن أراك على انفراد قبل الاجتماع..
سامي كليب: كان حسب ما شرحت في الكتاب غاضباً جداً ووجه احمر..
بثينة شعبان: كان غاضباً ويرتجف وقال له سيدي الرئيس أود ان أعرف السبب في تعمدك إهانتي وإهانة دولتي الولايات المتحدة الأميركية أمس. الرئيس بدون أي عصبية، قال له هل يمكن أن تقول لي سيد كريستوفر بأي طريقة قمت بذلك؟ فقال له كريستوفر منذ الأمس وأنا أطلب مقابلتكم طوال الوقت إلى ان حلّ لقاؤنا الآن، وأنتم ترفضون طلبي وقد فكرت أكثر من مرة أن أغادر دون أن أراكم، السيد الرئيس حافظ الأسد قال "سيد كريستوفر أنت تعلم أننا لم نكن قد حددنا وقتاً لاجتماعنا انت ببساطة وصلت وأردت لقائي على الفور في الوقت الذي كنت أقابل رئيسة وزراء دولة أخرى، كنا قد حددنا موعد زيارتها وخططنا لها من قبل، هل أردت مني أن اتركها واقابلك؟ لم فسرت تعذر لقاءك إهانة بدلاً من اعتبار ذلك تصرفاً طبيعياً في عالم الدبلوماسية، أكانت الدولة هي الولايات المتحدة الأميركية أم أي دولة أخرى في العالم، كبيرة ام صغيرة، قوية أم ضعيفة، فإن الدول جميعها سيد كريستوفر متساوية في ما يتعلق بكبريائها وقد تصرفت وفق قواعد البروتوكول والسلوك الدبلوماسي وليس لك الحق أن تشعر بالإهانة أو الغضب" ماذا أضاف الرئيس، قال له "الإعلام الأميركي جعلك تشعر بالإهانة ولكن لا توجد إهانة".
سامي كليب: هذه واحدة من الخبريات الكثيرة، حضرتك في مكان آخر من الكتاب تقولين إنه في إحدى المرات وقف وزير الخارجية وخرج..
بثينة شعبان: نعم في تفاهم نيسان
سامي كليب: في تفاهم نيسان، خرج وغضب الوزير فقال لك الرئيس الأسد ابقي سيعود..
بثينة شعبان: نعم وعاد فعلاً..
سامي كليب: من كان وقتها
بثينة شعبان: كان كريستوفر ومعه دنيس روس. وقفا وحمل حقيبته وأنه يريد أن يغادر لأن الرئيس الأسد، ويجب أن ننشر هذه المحاضر كاملة، الرئيس الأسد كان يدافع دفاع الأبطال عن حق المقاومة..
سامي كليب: دنيس روس حضرتك لم توصفيه كما يستحق في هذا الكتاب. هل كان إيجابياً أم أنه كما يقال كان أكثر صهيونية من الإسرائيليين؟
بثينة شعبان: في الحقيقة دنيس روس كان لديه هدف وحيد هو انتصار إسرائيل على العرب جميعاً وأن تحصل على كل ما تريد من العرب جميعاً. حتى اليوم حين أسمع الإخوة العرب يتحدثون عن دور الولايات المتحدة، الولايات المتحدة تخدم إسرائيل في كل مسارها التاريخي، كل القرارات والفيتوات التي أخذتها الولايات المتحدة هي لخدمة إسرائيل.
سامي كليب: بعد الفاصل سأسألك هل فعلاً اقترح الإسرائيليون على الرئيس حافظ الأسد فقط 10% مبادلة تبقى ويعطوه كل الجولان ورفض؟ ولكن حتى لو المخرجة انزعجت قليلاً لأنها تقول يجب أن نأخذ فاصلاً، لو سمحت لي، لو كان الرئيس حافظ الأسد الآن موجوداً هل كانت حصلت حرب في سوريا الآن؟
بثينة شعبان: أكيد لأن هذا المخطط موجود منذ أيام حافظ الأسد
سامي كليب: هل كان أدارها بنفس الطريقة؟
بثينة شعبان: من الصعب أن يتحدث الإنسان كيف كان سيديرها ولكن رؤية الرئيس بشار الأسد منذ بداية الحرب كانت واضحة أن هذا هو استمرار لاستهداف سوريا واستهداف الجيش السوري وسوريا كضلع أساسي من ضلوع المقاومة لذلك رؤيته كانت أوضح من رؤية أي انسان في سوريا من المسؤولين ولذلك أنا أعتقد أنه قد قام الإنسان بما يستطيع في هذه المرحلة وأنا لا أحب المقارنات في الحقيقة ولكن أرى استمرارية في الاستهداف والشيء الجديد هو أن تركيا ودولاً عربية تحالفت تحالفاً وثيقاً في استهداف سوريا. هذا هو الشيء الجديد والخطير في هذه الحرب..
سامي كليب: تحالفت مع إسرائيل؟
بثينة شعبان: تحالفت ضد سوريا في الحقيقة..
سامي كليب: خضوعاً لمشيئة المخرجة نشرب قهوة ونعود لمواصلة هذا اللقاء عبر قناة الميادين ولعبة الأمم إبقوا معنا لو سمحتم.
(فاصل)